العراق ابتلى منذ كان بكلّ نوع من البلاءات ، وباعتبار حضارته كان له أعداء كثر وخصوم ، ولمّا تشيّع أهله لعليّ بن ابي طالب – عن علم ومعرفة فكان تشيّعهم مدرسة – صاروا أشدّ في الحقّ وأقدر على المعرفة ، لذلك كثر اعدائهم ومبغضوهم ، وأصبحوا في عداد المعارضة لكلّ سلطان جائر ، وكذلك هم .
ولمّا كان السلطان الجائر صورة لكلّ الطواغيت في العالم انعكس هذا الظلام – مجتمعا – كحرب شرسة ضد العراق ، ولأنّ أهل العراق اثبت في الحقّ لم يكن من السهل مواجهتهم ، فكان ان صار الظلام قذرا في وسائله .
لم تكن لتنجح تلك الوسائل المخادعة مع شعب يملك ذلك العقل العميق في الحضارة ، والذي تقوده عقول علويّة ، جعلها الشارع المقدَّس نجوما مضيئة تحت عنوان ( المرجعية ) . لذلك كلّه كان يلزم الظلام ان يذيب ذلك العقل الحضاري العميق ، من خلال تضييع الهوية وجعل العراقيين في تقاذف للرياح المختلفة فكريا وثقافيا ، ويسبق ذلك – كمرحلة أولى – نقل العراقيين من المدنية الى البداوة ، عبر تجهيلهم اولّا ، وعبر نشر الاعراب فيهم ثانيا ، ليتم تدجينهم لاحقا . وما كان ذلك ليتمّ الا بحجب العراقيين عن ضوء تلك النجوم المضيئة لمرجعيتهم العلويّة المحمديّة .
ان حجب تلك المرجعية الربانية امر صعب في بلد شديد في الحق كالعراق ، لذلك كان هناك طريق اسهل وأنجع ، يتمثّل بتشويش مفهوم المرجعية فكريا ، ومن ثمّ السماح بظهور مرجعيات تفتقر الى الخصائص العلوية في القيادة ، وربما الذهاب ابعد من ذلك بصناعة مرجعيات خطرة .
ان الخصائص العلوية يمكن تلخيصها بالاتي :
عن العسكري عليه السلام – منسوبا – ( وشيعة عليّ هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم، أو وقعوا على الموت. وشيعة عليّ هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، وهم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم، ولا يفقدهم من حيث أمرهم. وشيعة عليّ هم الذين يقتدون بعليّ في إكرام إخوانهم المؤمنين )
وعن علي عليه السلام ( شيعتي والله الحلماء، العلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره، المهتدون بحبّه، أنضاء عبادة، أحلاس زهادة، صُفر الوجوه من التهجّد، عُمش العيون من البكاء، ذُبل الشفاه من الذكر، خُمص البطون من الطوى، تُعرف الربّانية في وجوههم، والرهبانية في سمتهم، مصابيح كلّ ظلمة )
وعن الباقر عليه السلام ( إنّهم حصون حصينة، في صدور أمينة وأحلام رزينة، ليسوا بالمذاييع البُذر، ولا بالجفاة المرائين، رُهبان بالليل أسد النهار )
وعن الصادق عليه السلام ( إنّ أصحابي أولو النُّهى والتُقى، فمَن لم يكن من أهل النّهى والتّقى، فليس من أصحابي )
وعن الباقر عليه السلام ( يا معشر الشيعة، شيعة آل محمّد، كونوا النمرقة الوسطى، يرجع اليكم الغالي، ويلحق بكم التالي )
وعن الصادق عليه السلام ( إنما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا ثوابه و خاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر ) .
وبعد ذلك الوجود العثماني المقيت ، بجهله وتعصبه ودنائته وانهيار قيمه ، ومن ثمّ الوجود الصفوي ذي التشيّع السياسي الذي يشابه التسنن العثماني لكن من جهة معاكسة تُحقّق لكلّ طرف مصالحه ، ولاحقا النفوذ البريطاني الذي امتدّ لقرنين من الزمان ، وما صاحبه من نزوح البداوة نحو العراق وانتشارها بكلّ ما فيها ، والتي دخلت في صراع حضاري مع الوجود العراقي السابق ، حتى حصل التوازن في ذلك التفاعل ، بما يكفل تدني العقل الحضاري نسبيا ، وارتفاع عقل البداوة نسبيا ، ومن بعد ذلك الاحتلال البريطاني بكلّ ما فيه من قذارة الوسائل وتلاعبه بالفكر والمادة ، وعمله على تسليم مقاليد الأمور بيد البداوة ، ومن ثمّ العصر الدموي والتخريبي الذي حكمت فيه البداوة ونتائجها وطواغيتها ، كلّ ذلك احدث انهيارا مفرطا في القيم ، وتشوّها حضاريا كبيرا ، وانحدارا اخلاقيا مريعا ، وانخفاضا معرفيّا مهولا ، مما سمح ببروز مرجعيات لا تحمل الخصائص العلوية ، مستغلّة في ذلك الجهل المتفشي ولا ابالية الناس والخوف المنتشر الذي شغل المجتمع لعقود .
فكانت السلطات تعمل على صعود هكذا مرجعيات على اكتاف الجهل ، لانها تعلم ان المرجعيات العلوية – ان برزت – ستقود الناس لمواجهة الطواغيت ، وتزرع فيهم المعرفة ، التي هي عدوّ كلّ ظالم . ولعمل تلك السلطات أساليب ووسائل اخذتها عن المدارس الغربية الطاغوتية ، متمثلة في الاعلام والإشاعة والتسقيط والكذب وغيرها من الطرق التي لم يعد الناس قادرين على تمييز نتائجها بعد تفشي الأمراض الفكرية والاجتماعية والأخلاقية فيهم .
التقطت السلطات لعقود رجالات المرجعيات العلوية ومعتمديها وثقاتها ، وابقت على رجالات المرجعيات الساكنة ، والذين كان لهم حظّ التلاعب بعقول الناس ، تحت قدسية العمامة ، ومن على منبر ال البيت ، حتى غدت تلك العقول حيرى ، ترى المعروف منكرا والمنكر معروفا ، فَأَنَّى لها ان تميّز الخبيث من الطيب بعد ذلك ! .
ثمّ دخل الناس في نفق أمريكا المظلم ، حين فرضت حصارها الظالم على الشعب العراقي دون ان تمسّ السلطان الجائر الدكتاتور ، بعد ان مسحت كلّ مظهر من مظاهر الحضارة والصناعة والثروات الاخرى عن وجه هذا البلد ، ولم تُبقِ الا فتات البعث يقتات عليها المساكين ، ليلجأوا الى الطاغوت منفذا وحيدا .
فانتشر البعث بإلحاده وسوء نواياه ، ونشر سطوة البدو وصلافتهم وقسوتهم ، واستعان بأهل الفسق والفجور وكل ديّوث ، وصارت الفاجرات تُكرم ويُتشفّع بهنّ ، فيما يُذلّ الكرام وأبناء الأسر الكريمة ، فانهارت القيم وتغيّرت المفاهيم ، وكشفت كلّ نفس عن ذئبها ، وهو ما كان يسعى اليه كلّ طواغيت العالم .
حينذاك كانت الأمور قد بلغت مبلغ الرضا لدى الطواغيت ، لولا ان ظهرت حركة الشهيد الصدر الثاني رضوان الله عليه ، والتي كانت ترتدي ثياب محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى اله ، وتخطب بلسان علي بن ابي طالب عليه السلام ، فخرّبت مخططات التخريب العالمية .
فكان الحال بين ذاك وهذا انّ على الغرب التحرّك ، لاستغلال نتائج ما زرعه من أمراض ، ولايقاف هذا التحرّك العلوي ، الذي عرقلته يد الطاغوت الديني والطاغوت السلطوي ، فقتلته الاولى شخصيّةً ، وقتلته الثانية شخصا .
وأدرك المخطط الغربي ان الشعب العراقي صار جاهزا لاستلام السلطة ، ذلك انه فقد الهوية ، وذاب في عدة تيارات ، وتمّ بذر الطائفية داخل جسده .
ولم يكن هناك من خطر ، سوى المعارضة التي ادَّعت رفض الطاغوت السلطوي ، باسم نصرة الدين والنَّاس ، لكنّ الغرب قرأها جيدا ، فعلم انها رفضت الطاغوت السلطوي لتعبد الطاغوت النفسي ، وأنّها منساقة لا محالة للطاغوت الديني ، بعيدا عن عليّ بن ابي طالب ، ذلك الذي كان يجالس المساكين .
وتمّ عرض الأمانة على العراقيين ، لكنّهم فاجأوا الغرب ببقية من نبل وعقل وسموّ ودين ، فواجهوا مخططاته ، لاسيما شيعة عليّ الذين لم يعتدوا على من اعتدى عليهم ، حتى ظنّ انهم يخشونه ، كما انهم عارضوا مخططات الاحتلال وتقسيماته الطائفية ، وتظاهروا ضدّه وضدّ عبيده ولاعقي قصعته الحرام .
فكان من الضروري الاستعانة هنا بأبي موسى الأشعري ، الذي انتقلت روحه في جسد تلك الجثامين التي نسمّيها المعارضة العراقية ، والتي أعلنت خلعها لعليّ بن ابي طالب ، فأعلن بن العاص بيعته لمعاوية ! .
فاختلطت الأوراق من جديد ، وكان هناك من جاء بقميص عثمان مرة اخرى . وحرّك المحتلّ العاباً صغيرة ، من خلال تحريكها بالاستفزاز ، ليسخن الوضع ، وتتموج الصورة ، ويغدو الاحتيال حينها ممكنا من قبل اللاعبين الكبار . فتمّ في خضّم ذلك تمرير ( قانون إدارة الدولة ) ، الذي صار حاكما على الدستور الدائم ، نتيجة جهل أولئك الذين ظنّوا انهم يحسنون صنعا حين رفعوا السلاح في غير أوانه . فكان على المرجعية ان تكون موجودة في هذا المفترق ، لكنّها لم تكن ، الا بالنحو الذي يبقيها على الشاشة .
وعندئذ صار ممكنا اجراء الانتخابات ، لانها لن تنتج سوى ما تفرزه الأوراق المختلطة . وهكذا سار المخطط بيسر وسهولة وانسيابية ، ولم تكن لتوقفه سوى المرجعية العلوية ، لكنّ اللاعبين الكبار كانوا يدركون ذلك ، فصنعوا من ( الهولوغرام ) مرجعيةً ، بعد ان استعانوا بمؤثرات خاصة اسمها ( الأحزاب الاسلاموية ) ، وروّجوا لها من خلال شركات الابواق المسمّاة ( رجال الدين ) ، بالتعاون مع هالة الزيف الكبيرة المدعوَّة ( المؤسسات العلمانية ) .
وحدث ما حدث ، وصار البلد من سيّء الى أسوأ ، وركب الموجة كلّ من هبّ ودبّ ، فسقطت قيم اخرى كانت تقاوم فيما مضى ، وانهارت معنويات ، وتأثرت مشاريع المرجعية العلوية ، فصار السارق حاكما والمحكوم ساذجا ، والظالم مظلوما ، والمخرّب بطلا ، والكثير من التشوّهات الاجتماعية والسياسية .
وكلّما اعترض معترض على أهل الباطل نادوا ( اننا نستمد مشروعيتنا من المرجعية العليا ) ، او انهم يقولون ( نحن اباء المراجع الأربعة الكبار ) ، وهم وتلك المرجعيات يدركون انه لا شرعية لمصطلح المرجعية العليا فقها ولا اصولا ، وليس هو سوى القول بولاية الفقيه ، التي يدّعون نفاقا وتملّقا للغرب إنكارها ، لكنّهم اذا ذهبوا الى ايران آمنوا بها ، فيما انّ مصطلح المراجع الأربعة ليس الا القول بقول الذين قالوا بالمذاهب والمجتهدين الأربعة ، والذي ينكر هؤلاء السياسيون ومنظومتهم الدينية الإيمان به . ولا من معترض مرجعيا ! ، ولا من قائل بِالْحَقِّ من رجال الدين الذين انخرطوا في تلك الساحة ، لأنّ الباطل اطربهم ، فاهتزّت اقدامهم عن الحقّ ، فعموا وصمّوا .
وذهب البلد باتجاه الانهيار ، وتلك المؤسسات الصناعية تمّ تجميدها لسنين ، وكانت النية الرسمية تقضي بإيقافها ، لولا ان ضغطت بعض الجهات العلوية ومجاميع من الناس ، حتى وصل الحال اليوم الى إيقاف اجر منتسبيها ، بعدما صارت خرابا ، لا جديد فيها سوى الطلاء .
والجيش تمّ تسليمه لقادة ضعفاء جبناء خمّارة ، كانوا أشباه الرجال ولا رجال ، جعلوا عقيدته صفقة بين الساسة ، وباعوا اسلحته بل وجنوده لكلّ من رام الشراء ، وسلّموا البلد محتلّا من قبل الهمج من رعاع البدو ، وعزلوا او أهملوا او أزاحوا الضبّاط الغيارى الوطنيين ، الذين أخذ منهم الالم مأخذه للذي آل اليه واقع الجيش العراقي .
ولم يستطع هذا التجمُّع الاسلاموي المتصدي في وسط وجنوب العراق ان ينهض بأبسط مقومات البنى التحتية ، تحت ظلّ الفساد الذي خلقه وساعد في انتشاره ، حتى فقدت المهنية والتخصص قيمتيهما .
واستغلّ الانتهازيون والاعراب هذا الحال ليأكلوا ميزانية البلد ، والتي تأتي من الجنوب لتغذّي الشمال ، فيبقى التلوث جنوبا والمال شمالا ، فيما تعمر الصحاري وسكّانها وتتضخم اموالهم وأسلحتهم كذلك .
وتنهار المنظومة التربوية ، ببعديها التربوي والتعليمي ، وتبقى المناهج تائهة حيرى ، لا هويّة لها ، تغذّي أبناء العراق الكذب والسذاجة .
عن الصادق عليه السلام ( ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتوالونا و تتبرءون من أعدائنا ) ، و قال ع ( من أشبع عدوا لنا فقد قتل وليا لنا ) .
فيما النظام القضائي يحكم بغير ما انزل الله ، وعلى المنابر وعّاظ السلاطين يتكلّمون عن عقيدة وفقه عليّ بن ابي طالب ومزاياهما ! . ولم نجد من تلك العمائم الخاوية من سعت لتقنين حكم الله الذي أوصى به عليّ . بل انّ هذه العمائم نادت بدولة لا دينية قولا وعملا .
ولإزالة تلك العمائم المنبرية والتدريسية تتكلّم لغوا في فقه عليّ وعقيدة عليّ ، حتى ملأوا كلّ وسائل الاعلام بذلك ، الى الدرجة التي استعدوا فيها الآخرين ، لكنّهم عمليا يحكمون بحكم أعداء عليّ ! ، وليس ذاك الا النفاق .
وحين وصل الارهابيون الى حدود الخطّ الأحمر للمرجعية تمّ تحشيد الملايين ، لكن لا بنظام ، بل تمّ تسليمهم الى ذات الضباط الذين سلّموا ثلث البلاد بلا قتال ، وأطاحوا بمنظومة القيم العسكرية ، فبقيت تلك الحشود أسابيعا في صعوبة العيش والمأوى ، وقد تَرَكُوا بيوتهم ونسائهم وأطفالهم دون كفيل وراعٍ ، حتّى شائت رحمة الله ان تدركهم ، فنظموا امرهم بينهم . وحين راح المئات منهم شهداء مظلومين فشلت تلك العمائم التي حشّدتهم في استحصال شيئا من الحقوق الواجبة لأسرهم وأزواجهم ، فيما كانت الحكومات – التي تدّعي بعض رجالاتها الانتساب للمرجعية – قد اثبتت فشلا ذريعا في رعايتهم ، بل ولم تسأل عنهم ، وقد ذاق ذوو الشهداء مرارة الذلّ في المؤسسات البالية للدولة الهزيلة .
انهارت ميزانية الدولة ، ولم تنهار السنة الكذب العفنة للسياسيين ، وامتصّ الأكراد ما بقي من مال الجنوب ، تحت فضاء الانبطاح الوطني ، ولا حسّ ولا صوتَ لمرجعية عليا ولا رباعية ! .
حتى حملت الصدمة بالتعاون مع المشروع الفكري الغربي الكثيرين الى الإلحاد ، فانتشر ، رغم سذاجته وتفاهته ، ولم نجد للمرجعية العليا مشروعا موازيا ، يتحرك لهداية الناس وتثبيت اقدامها .
مدن كاملة لا دولة ولا إدارة فيها ، مسمّيات فقط كمناصب للجهلة وانصاف المتعلمين ، فصار مظهر الفوضى الإدارية والأمنية والاقتصادية عنوانا عاما لكلّ شيء .
القرارات الرسمية متناقضة ، ولكلّ دائرة ومؤسسة قانون يخالف الاخرى ، فيشيب رأس الموالي ، ويفقد كرامته ، ولا ينجز شيئا من سعيه ورغبته ، ولا يستحصل القليل من حقّه .
هذا هو الحال ، وقد قصر المقال ، وما خفي كان اعظم ، والبلاء لازال ، وسيظلّ مادامت الذنوب قد انتشرت ترافق السذاجة ، فيما الناس تنتظر الفرج وهم يؤخرونه بعملهم واعتقادهم ! .
وكان المتوقع ان تساهم الجمهورية الاسلامية في ايران في استنقاذ شيعة عليّ من هذا الوبال ، ومن هذا البلاء الفكري والعملي ، وانا على يقين انّ القيادة الاسلامية – الحركية – في ايران رافضة لهذا النوع من المرجعيات ، الا انها اخطأت التقدير ، لاسيما حين استعانت بجبهة المعارضة العراقية التي تعبد نفسها ، فتمّ تشويش الصورة امام القيادة الاسلامية .
وربّما سعت الجمهورية الاسلامية للمساعدة في إصلاح الوضع العراقي ، الا انها اختارت الطرق الخاطئة ، بسبب المقدمات الخاطئة ، فغضّت النظر عن المرجعيات الجامدة الضبابية ، في ذات الوقت الذي اهملت فيه القيادات الدينية الحركية الإصلاحية ، مسايرة لرغبة مؤسسات عراقية دينية وسياسية مستفيدة وملونة ، تحاول إمالة عين القيادة الاسلامية عن الواقع الصحيح .
ودعمت الجمهورية الاسلامية مجاميع عراقية مختلفة ، ظَنّا منها انّ ذلك سيساهم في استقرار الوضع العراقي ، لكنّها أغفلت ان الوضع العراقي لا يشابه الوضع اللبناني ، فتلك المجاميع انشقّت عدة مرات على نفسها ، وتغيّرت مواقفها مرارا ، وهي لذلك ستفعل ذات الشيء مع القيادة الاسلامية في ايران . كما ان تلك المجاميع تختلف فيما بينها ، وتتسبب بزيادة الصدع داخل المجتمع الموالي في العراق .
كذلك حاول بعض أنصار القيادة الاسلامية في ايران العمل على توجيه الناس نحو المرجعية الحركية في الجمهورية الاسلامية ، المتمثّلة بالسيد قائد الثورة ، غافلين انّ ذلك امر أشبه بالمستحيل ، وهذا ما يعيه المفكرون ، لوجود عدة عقبات امام هكذا مشروع ، أهمها التوازي الحضاري التاريخي بين البلدين ، حيث يستشعر أبناء كل بلد منهما باستقلالية تامة واعتداد بالنفس بعيدا عن الاخر ، كما ان اختلاف الثقافات ينتج صعوبة في التداخل ، وكذلك وجود رواسب المدرسة الصفوية السابقة في ايران لا يتناسب مع العمق العلوي للمجتمع العراقي ، وايضاً اختلاف النظرة الثنائية نحو مشروع التغيير العالمي ، والاهم من ذلك صعوبة إقناع العقل العراقي الجدلي .
ومن هنا حين رأيت تلك الجموع السائرة بين النجف وكربلاء في المسيرة الاربعينية من الإيرانيين وهي تهتف باسم السيد الخامنئي ، وترفع صوره ، فيما تمّ نشر عشرات الصور لسماحته ، حتى وصل الامر ببعض الإيرانيين الى استخدام العنف في بعض المواقف ضد المواكب التي تحمل صورا لمراجع اخرين ، ادركت ساعتها الاختلاف الكبير بين الشخصيتين العراقية والايرانية ، حيث ذابت الاولى هناك تحت راية الحسين ، واختفت في ذلك الطريق المسميات ، بينما راحت الثانية تفكّر بطريقة اقرب الى القومية او الحزبية .
لذلك كلّه كان الانسب للقيادة الاسلامية في ايران القيام بخطوات مختلفة للنهوض بالواقع الشيعي عالميا ، لأنّ كلّ تحرك ليس فيه شيعة العراق لن يكتب له النجاح ، وذلك عن وعي وتجربة ، ومن تلك الخطوات الوقوف بوضوح بوجه المرجعيات التي تسببت بتراجع المجتمع الشيعي وواقعه في العراق ، يرافق ذلك تشخيص المرجعيات الرسالية والتعاون معها ، لإيجاد مشروع مشترك ، من شأنه إيجاد الانطلاقة الأكثر تأثيرا .
انّ وجود المرجعيات غير الكفوءة وغير الواعية للواقع لن يتسبب بتراجع الواقع الشيعي العراقي فقط ، بل سيسهم بخدمة مشاريع أعداء الجمهورية الاسلامية بنحو كبير جدا وخطير .
ان المرجعيات المتصدية للقيادة الدينية في العراق وهي لا تملك مشروعا ، ولا تستطيع تغيير وإصلاح الواقع الفاسد فيه ، لا تعدو الصورة الهولوغرامية الكاذبة لواقع غير موجود .
*[email protected]
المدونة الشخصية :