23 ديسمبر، 2024 7:57 ص

مرجعية النجف ليست عربية

مرجعية النجف ليست عربية

النجف، وهي مدينة عراقية، كانت دائما مقرا لمرجعية دينية غير عربية. وهو أمر طبيعي ما دام يتعلق بمذهب ديني لا يعترف بالانتماء القومي، ولا يعير مسألة الأوطان اهتماماً يُذكر.
هناك كذبة في العالم العربي، وفي الجزء الشيعي منه بالتحديد، اسمها المرجعية الدينية. وهي نوع من اللعب على ما هو ديني من أجل تنفيذ أجندات سياسية، لا يرى حملتها إمكانية لتنفيذ فقراتها من غير استعمال وسائل التضليل الطائفي، باعتبارها طريقا سالكة لتصريف شؤون الناس مذهبيا بالمعنى الذي يعزلهم في مناطق مغلقة، بعيدا عمَن يشاركهم حق المواطنة.

لذلك من السذاجة القبول بما يقترحه السياسيون الشيعة في العراق من أسباب لخلافاتهم، البعض منها يستند إلى خلافات بين مرجعيتي النجف وقم. فتلك فرية صدقها الكثيرون، غير أنها في الواقع لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة. الحديث عن صراع بين مرجعيتين فارسية وعربية هو الآخر اختراع سياسي، يُراد من خلاله تركيب صورة دينية لتمرير مجموعة من المشاريع السياسية التي صار يصطدم بعضها بالبعض الآخر.

أليس علي السيستاني وهو المرجع الأعلى للشيعة في النجف إيرانيا؟ الرجـل الذي مرر من خـلال فتاواه الإمـلاءات الأميـركية حـين احتلال العـراق، هل يمكـن أن يقـف في وجـه التمـدد السيـاسي الإيـراني باعتبـاره ممثلا لمرجعية النجـف، في مقـابل مـرجعية قـم التي يفتـرض أنهـا تقف قلبا وقالبا مع المشروع الإيراني؟ أعتقد أنها نوع من البلاهة لو صدقنا أن مَن يسر للأميركان بسط هيمنتهم على العقل الشيعي في العراق يمكنه أن يقف سياسيا ضد المشروع الإيراني الذي هو جزء منه، من جهة انتمائه العرقي الذي يشكل أساسا لمذهبيته.

وإذا ما تعلق الأمر بالشيعة العرب فإن السيستاني لا يمكن أن يكون موقع ثقة، ذلك لأنه ليـس عـربيا ولا تعنيـه العروبة في شيء. لا أحد بإمكانه أن يعترض على حقه في ذلك. لقد وضع السياسيون كذبة الصراع بين مرجعيتي النجف وقم في إطار التنافس بين مرجعية عربية وأخرى فارسية من أجل كسب أصوات الشيعـة العرب، وهم يدركون جيدا أن لا وجود لمرجعية عربية.

فالنجف، وهي مدينة عراقية، كانت دائما مقرا لمرجعية دينية غير عربية. وهو أمر طبيعي ما دام يتعلق بمذهب ديني لا يعترف بالانتماء القومي، ولا يعير مسألة الأوطان اهتماماً يُذكر. لا معنى أن يكون الشيعي عربيا من وجهة نظر المرجعية. الشيعي هو شيعي أولا وأخيرا. غير أن التناقض يبدو جليا حين يكون المرء فارسيا. هل نبالغ إذا ما قلنا إن المرجعية الدينية هي اختراع أريد من خلاله تمييع وتذويب العروبة في قالب طائفي؟

تلك إشكالية جوهرية تسلط الضوء على عمق الشرخ الذي يعيشه العربي وهو يسعى إلى تصريف شيعيته في الاتجاه الذي لا يجعل منه تابعا ذليلا وصغيرا للمشروع السياسي الإيراني. وهو ما لا أعتقد أن أحدا قد نجح فيه. ذلك لأن كل التجارب السياسية القائمة على أساس مذهبي (شيعي) في العالم العربي هي في حقيقتها من نتاج المختبر الإيراني.

ما يؤكد ذلك أن الأحـزاب التي تسعى إلى أن تضع مسـافة بينهـا وبين إيـران تعلي من شأن مرجعية النجف التي هي إيرانية، في مواجهة مرجعية قم من غير أن تقدم تفسيرا يوضح الخلاف بين المرجعيتين. لا أعتقد أن أحدا قد جازف من قبل في الاعتراف بأن مرجعية النجف هي الأخرى إيرانية. ففي ذلك الاعتراف تكمن نهاية الخرافة التي اخترعت لأسباب سياسية من أجل الإيهام بأن هنـاك مرجعيـة عربية للشيعـة تقـف في مقـابل الـمرجعية الفـارسية.

تاريخيـا فإن كـل ما يتعلق بأمـور المرجعية الدينية لا يمكـن أن يحيد عن أصوله الفارسية. أما أن يكون هناك شيعة عرب فذلك أمر مختلف. مثله في ذلك مثل الكاثوليك الأفارقة. فالمسيحية السوداء ظلت تدين لروما البيضاء بالولاء بالرغم من أنها كانت حريصة على اختلافها. الشيعة العرب شيء ومرجعية النجف شيء آخر. لقد احتل الإيـرانيون مرجعية النجف منذ زمن بعيد. وكان الصراع بين تلك المرجعية ومرجعية قم إيرانيا خالصا. لذلك فإن كـل حديـث عن صراع عربي – فارسي في رحـم المرجعية الدينية الشيعية، هو مجرد محاولة لترويج كذبة سياسية ليس إلا.
نقلا عن العرب