لا احد ينكر دور المرجعية الدينية العليا ومنذ الف عام او اكثر وهي تُمارس ادواراً غاية في الأهمية ، فكانت تقف عند المواقف التي تحتاج موقف ، وكانت تعلن عندما الأحداث التي تحتاج اعلان ، وكانت المحور الذي يوازن المواقف عموماً ، وبالرغم من بطش الحكومات تجاه المرجعية الدينية الا انها كانت وما زالت صمام امان حقيقي للأمة الأسلامية عموماً ، فكانت تحمي غير المسلم قبل المسلم ، وكانت ترعى الجميع دون استثناء ، بل كانت ترى الجميع بعين واحدة دون تمييز بين طائفة او قومية ، وكانت تقف من الجميع موقف واحد وعلى مسافة واحدة .
تعد المرجعية الدينية الأساس المتين والقوي للبلاد وشعبه المضطهد ،وبالرغم من التضييق الذي مورس تجاه مرجعية السيد السيستاني الا انها كانت واعية للمخطط البعثي الخبيث في ابعاد المجتمع عن المرجعية ، ومحاولة تشويه الصورة البيضاوية والايجابية لها أمام الجمهور ، فكانت الحامية والحافظة لكيان المجتمع العراقي ، والحصن الحصين للحوزة العلمية وطلابها ، كما انها كانت الحريصة اشد الحرص على دماء الأبرياء ، والفتاوى في هذا الصدد كثيرة ومعروفة .
السيد السيستاني كان انموذجاً راقياً في قيادة الامة الأسلامية وخصوصاً اتباع اهل البيت (ع) ، فكان قائدا للتغير عبر منبر الجمعة الذي كان صوت المرجعية الدينية الواضح ، فكان خطابها واضحاً في ضرورة تصحيح المسارات الخاطئة بعد ثمان سنوات من التخلف السياسي ، ونهب خيرات البلاد ، والفساد الذي ترعرع في كل اركان الدولة العراقية ، لهذا المرجعية الدينية سعت الى تصحيح المسارات الخاطئة ، وعملت على توحيد المواقف والرؤى للوقوف بوجه الفساد المستشري ، وتوجيهها بما يخدم البلاد والعباد ، الامر الذي جعلها موضع سهام الأعداء والخصوم ، وذلك من اجل ايجاد فجوة بين المرجعية وجمهورها وأتباعها ، ومحاولة لتقويض اي دور لها في محاربة الفساد والمفسدين ، وذلك لان الساخطين على عملية الإصلاح لا يروق لهم مثل هذا الخطاب الاصلاحي .
المرجعية الدينية كانت واضحة الموقف ، في رؤيتها للإصلاح ، وطبيعة الأدوات والقوى التي ينبغي ان تدير عملية التغيير والإصلاح ، لانها وضعت التكليف بيد السلطات الثلاث ، وضرورة ان تُمارس دورها في قيادة عملية التغيير في موسسات الدولة عموما .
الخطبة الاخيرة كانت متميزة عن سابقتها ، كونها كلفت المنصب المعنوي والتنفيذي دون الشخوص ، وهذا ما اعتبره الآخرون انه حصانة للسيد العبادي ، ولكنها كانت توكد على دور رئيس الوزراء بضرورة ايجاد تغييرات وإصلاحات جوهرية على اركان الدولة ، وضرورة ان يكون هناك ترشيق واضح في مفاصل الدولة جميعاً بما يحقق العدالة والمساواة بين الجميع ، كما انها عادت لتوكد في الخطبة الاخيرة على ضرورة ان تأخذ السلطات الثلاث (التنفيذية ، التشريعية ، القضائية ) الدور الطبيعي والقانوني في اجراء الإصلاحات الاساسية ومحاربة الفساد وبذلك هي سعت الى توزيع الأدوار على الجميع ، وان يكون للجميع موقف ودور واضح من عملية الإصلاح ، كما انها حذرّت في نفس الوقت من الاجندات الخبيثة والمعادية والمغرضة التي تريد الشر بالبلاد ، وهذا هو ديدن المرجعية الدينية منذ الف عام مضى .
في الايام القادمة ستعلوا الهجمات الشرسة ضد المرجعية الدينية ، في محاولة لإيقاف صرختها ضد الظلاميين الفاسدين ، والذين اضاعوا البلاد والعباد ، وضيعوا مدنه وخربوا مؤسساته ، ونهبوا ماله ، وسرقوا خيراته والتي امتلئت بها بنوك الخليج والغرب ، ولكن صوت المرجعية الدينية وفي مقدمتها السيد السيستاني بحكمته وورعه وحرصه الكبير على العراق وشعبه واضحاً ومدوياً، وسيبقى الصخرة التي تتكسر عليها كل المؤمرات التي تريد النيل من تاريخ مليء بالتضحيات والإيثار والعلم ومحاولة تحريفها عن مكانتها الدينية بين اتباع اهل البيت (ع) ، والنابعة من الدافع الديني والالتزام الاخلاقي تجاه الشعب العراقي الجريح .