من السهوله ان يولد الكاتب ، ولكن الصعوبه فى ان يظل شريفا وصادقا .. بيان المثقفين العراقيين – الثقافه الجديده 1969
قليلون أولئك الذين يمتلكهم الوعى منذ نعومة أظفارهم ، وقليلون أولئك الذين يقرؤون التاريخ قراءه فاحصه غير متحيزه . تلك البدايات الرصينه والخطوات الواثقه التى نشأ عليها ومن خلالها الرعيل الاول من المناضلين منذ بداية القرن العشرين حين بدأ الوعى السياسى يتبلور من خلال ذلك التفاعل عبر تلك التحولات التى شملت العالم بأسره بشكل عام ومنطقتنا العربيه بشكل خاص ، وأذا كان العراق يشكل بؤرة التحول لاستلهام تلك ا لمعانى الجديده التى بدأت تطرحها الحياة من خلال تلك المتغيرات التى أفرزتها الشروط التأريخيه فى العالم ومستجداتها وتأثير ثورة أكتوبر على مجمل التحولات التى طرأت فى العالم انذاك وما تمخض عنها من نتائج الحربين العالميتين الاولى والثانيه ، وأذا كانت مثل تلك التحولات قد احدثت هزه كبيره فى الوعى السياسى والطبقى أذا صح التعبير ، وأذا كانت رياح التغييرذات اثر بالغ على ذلك الجيل المتطلع فى حينها لبناء وطن حر وشعب يمسك بقوه بأهدافه نحو الحريه والبناء ،حيث كانت الطليعه من الشباب المتنور تقف بقوه وتتصدى للقوى المضاده من الرجعيين والسلفيين وأعوانهم .
لقد كان المناضل والاديب والشاعر مرتضى فرج الله الذى كان له حضور على الصعيدين الادبى والسياسى ، فالدارس لهذه الشخصيه النادره لا بد له ان يأخذ بعين الاعتبار الجانب السياسى بالدراسه والنظر اليه من خلالها كمناضل كبير أنحاز لقضية الطبقه صاحبة الحق فى خيرات بلادها ومن ثم دراسة هذه الشخصيه من خلال ذلك النشاط الادبى والثقافى كمبدع ومثقف ثورى على مستوى الساحه الثقافيه فى النجف بشكل خاص . ذلك ان الربط بين هذين الجانبين يساعد على تسليط الضوء لدراسته بصوره شامله وتحليليه ، لان المساحه التى تحرك شاعرنا من خلالها أعطته القدره على المناوره مع السلطات القمعيه وزادت من تجربته على المطاوله والصبر ، وفى لقاء مع نجله الاستاذ لواء فرج الله حيث أشار لنا أن الشاعر مرتضى فرج الله المولود فى 1912 يعتبر من جيل الجواهرى وكانت بداياته فى أولى تجاربه الحياتيه هو التواصل والحضور فى ندوة والده الشيخ طاهر فرج الله التى كان يحضرها العديد من الادباء والشعراء فضلا عن الكسبه ومحبى الشعروذلك فى أواسط القرن العشرين ، لقد كان والده معلمه الاول . وقال أن هذه الندوه كغيرها من الندوات تشهد بين حين واخر سجالات بين القديم والجديد سواء على المستوى السياسى أو الابداعى شعرا ونثرا . لقد كانت تلك المرحله خصبه فى عطائها الفكرى والثقافى مما أثر فيه تأثيرا كبيرا وزاد من خبرته وما تراكم من تجاربه . وأذا كان جيل محمد رضا الشبيبى وعلى الشرقى قد خف تأثيرهما ، فقد ظهر جيل الجواهرى وصالح الجعفرى وأحمد الصافى النجفى ومحمود الحبوبى ومرتضى فرج الله ، وأذا كانت فترة الثلاثينات من القرن الماضى قد شهدت صراعا فكريا وأدبيا محتدما بين دعاة التجديد والمحافظين ، حيث كانت تلك الاجواء قد ساعدت على تأسيس منتديات ثقافيه وجمعيات أدبيه ، مثل جمعية الرابطه الادبيه سنة 1932 الذى كان على رأسها الشيخ محمد على اليعقوبى ، وعبد الرزاق محى الدين وكان شاعرنا مرتضى فرج الله من النشطاء الفاعلين فى هذا المضمار الثقافى . لقد ظل صوته يتواصل مع هذا الحراك الابداعى والسياسى صعودا ونزولا دون خشيه أو نكوص . ومن الجدير بالذكر أن بداياته مع الشعر كانت مبكره جدا حيث كتب القصيده العموديه جريا على ما درجت عليه القصيده النجفيه انذاك ، الا ان مضامينه أخذت تنحو نحو الافاق الجديده والنفس المعاصر فى ذلك الحين مع أنه كان يميل فى كتاباته المبكره الى حد ما ألى شعراء المهجر ويقترب من ظلالهم رغم طعمه الخاص ورفيفه الرومانسى الحزين .
أن ما يميزه عن اقرانه الشعراء هو تقبله لما أستجد وما تفاعل من افكار وأساليب ثقافيه شعريه فى الساحه الثقافيه النجفيه حتىى أنه كان من المبادرين الاوائل فى نظم قصيدة التفعيله فى بداية خمسينات القرن الماضى وما رافقها من تفاعلات ذلك الانقلاب فى الشكل والمضمون الذى فاجأ المدارس التقليديه انذاك واربكها ، وأستطيع أن أقول عنه أنه تنفس روح العصر قبل غيره فى مثل اجواء النجف المحافظه انذاك . ومن قصيده نشرت له فى جريدة الثوره العدد 335 فى 1/10/1969، وذابت تلكم الكلمات / بل ضاعت فلا لمحه / ولا خط ينمقها ولا صفحه / ولا هاو يرددها / ولا ينصاع شراح / ولا شيخ يباركها / ويمسح لمة الطفل/ ولا الكهان تسميها / ولا البائع اهداها / منادينى بضاعته / لقد ماتت لقد ماتت فخلوها . وأذا أخذنا مقطعا اخر من قصيده نشرت فى جريدة الثوره كذلك العدد 428 فى 20 / 7 / 1970 نلاحظ الصعود بالاداء والاصرار على السير فى هذا الطريق . ليس يدرى / كيف ألقته السفينه / وعلى الشاطىء أشجان كبيره / بينها عش معلق / وأستغاثات رفيف فى سكينه / ولقد مال به الهدد فى درب المدينه / الغوايات أم الجوع وأضواء بعيده / خفقت فى عضديه وخباياه الجديده .
يقول – بوشكين – شاعر روسيا الكبير ( كلمات الشاعر هى أفعاله ) وبقدر ما يكون الوعى أنضج لدى الشاعر نجده يتجه بأتجاه البوصله . بأتجاه الفعل الثورى والانحياز لقضية الشعب فى الحريه والعداله ، وهذا قدر الطليعه الواعيه من الناس فى كل زمان ومكان ، فالشاعر مرتضى فرج الله تأثر بالافكار التقدميه ومبادىء الدعوه للأشتراكيه التى كانت تصل الى النجف عن طريق الصحف والمجلات ووسائل متعدده اخرى ، وكان من رموز ذلك الجيل من الشعراء البارزين الجواهرى قبل أن يسكن العاصمه بغداد والشيخ صالح الجعفرى ومرتضى فرج الله ، وقد عرف عنهم ذلك اللون من التمرد على التقاليد القديمه والأخذ بأفكار التحرر والدعوه لتحرير المجتمع من القيود والظلم وتحرير المرأه ، يذكر عنه نجله الاستاذ لواء فرج الله ، انه كان يكره النفاق والمجامله على المبادىء منذ صغره وكان يحدث أولاده عن معاناته الكبيره فى سجن ( أبو غريب ) وكيف كان يرى الموت هناك ، ويروى تلك الاساليب اللا أنسانيه بألم وكيف ألتقى بالشاعر بدر شاكر السياب فى نفس السجن حيث يتذكر أحاديث السياب وكيف كان يعتد بنفسه كونه سجينا سياسيا ستذكره الأجيال اللاحقه ، ومن الميزات الأساسيه التى أشار أليها دارسو شعره أنه من العناصر التى حملت المبادىء الماركسيه وعبرت عنها شعرا وكتابةُ وخطابة على تنوعها خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضى وتعاونه المميزمع جماعة الاهالى ، حيث تميز عطاؤه الابداعى بالوعى الكامل لحالة التناقض الطبقى وطبيعة الاستغلال الذى كرس الفوارق الطبقيه فى مجتمعنا . ومن الامور التى لاتنسى أن على محمد الشبيبى وهو من الشيوعيين القدامى فى النجف يذكر أن مجموعه من الشباب كونوا عام 1930 جماعه عرفت بأسم (العاصفه الحمراء ) وضمت كلا من هادى الجبورى ومرتضى فرج الله الحلفى وكان كلا من أحمد جمال الدين وصادق كمونه يوصلون لهم النشرات والكراريس الاشتراكيه والشيوعيه ، واللافت أن مرتضى فرج الله أرتبط بالحزب الشيوعى وهو شاب يافع وعندما عقد مؤتمر الحزب سنة 1945 حضره من النجف كلا من على محمد الشبيبى ومرتضى فرج الله هذه القامه العاليه هى من الرعيل الاول أولئك الذين أرادوا أن يؤسسوا مشروعهم التقدمى لخدمة بلدهم .
ظل الشاعر يتواصل فى نشاطه الابداعى والثقافى مع المنتديات الثقافيه ويدعم نشاطاتها بما يمتلك من قدره على المساعده ، فضلا عن نشاطه مع جمعية الرابطه الادبيه وتواصله ومشاركاته مع جمعية التحرير الثقافى ، كذلك كانت له أسهامات وتواصل مع ندوة الادب المعاصر فى سبعينات القرن الماضى ، ونشر فى مجلة ( عبقر ) وساهم فى رفد مجلة ( جيلى ) التى كانت ترعى الادب الحديث فى وقتها فضلا عن أسهاماته مع مجلة الثقافه الجديده وله فيها دراسه نشرت فى أحد أعدادها ، ومن الملاحظ أنه كان لاينقطع عن حضور المقاهى التى يتردد عليها الادباء فى النجف وغالبا ما كنا نراه يخوض جدلا ونقاشا عاصفا مع أقرانه من الادباء والمثقفين .
أن السعلدة لاتتم بدون أسعاد الجميع أفنكتفى فى زهرة عن كل أزهار الربيع
هذا هو صوت شاعرنا فى ثلاثينات القرن الماضى وقد ظل وفيا لمبادئه الانسانيه وكان يحلم ان ارادة الخير لا بد لها أن تنتصر طال الزمن ام قصر ، ومن خلال هذا الحلم الكبير ظل يتواصل رغم ثقل الايام والسنين .
وقد توفى فى 21-7-1984 أثر حادث دهس مؤسف وقد ابنه محبوه من الادباء والشعراء والكثير من المثقفين والاساتذه وكان حفلا مهيبا ألقيت فيه القصائد والخطب التى أشادت بهذه السيره النبيله وذاك العطاء المتميز
ومن اثاره : 1 – أشرعة الفجر ، ديوان شعر 1969 2-مرايا الافق ، ديوان شعر 1970 3- وراء الملامح ، ديوان شعر ، 1976 4- مرفأ الظل ، ديوان شعر ، تحت الطبع ، وله كتابان مخطوطان 1- النهضه الشعريه وتطورها فى العراق 2- مفاهيم فى الشعر
المصادر
1- مقابله مع نجله الاستاذ لواء فرج الله 2- المقدمه التى كتبها الاستاذ الدكتور زهير غازى زاهد 3- رسالة الماجستير للدكتور عبد الحسين فياض 4- شىء من استذكارات الشاعر منعم القريشى