22 نوفمبر، 2024 8:02 م
Search
Close this search box.

مرة أخرى .. ماذا لو بقي العراق مملكة ؟

مرة أخرى .. ماذا لو بقي العراق مملكة ؟

نعيد نشر هذا المقال نزولا عند رغبة قراء اذهلتهم قدرة الأنظمة ” الثورية ” على قهر شعوبها بكل أنواع الأسلحة، التي قيل انها  لحفظ الأمن القومي وسيادة الأوطان، فجاءت الحقائق بغير ذلك انها مخصصة بالأساس لمحاربة  أبناء الوطن لأنهم الأعداء بنظرحكوماتهم ” الثورية جدا” عندما يطالبون بالحرية والكرامة ، أو عندما يقرر الشعب رفض نزيف سياط الجهل والتخلف والمحسوبية ، ويعلن رفضه الانصياع لارادة التزوير السياسي، علما أن المقال كتب قبل التغيرات في عمق بعض الأنظمة الثورية، التي تمارس في العلن سياسة الغش والاختباء “الحرباوي”، مقابل رقاب تطول وتقصر حسب الضغط الأجنبي، ومعها هذا يتحفونا بمفردات النضال القومي لتخدير المتبقي من عقول شعوب المنطقة .
 يأتي ذلك حلقة اضافية في تطور الأحداث التي أراد لها البعض ” مفردات مركونة في ذاكرة النسيان” ، بينما أثبتت مراحل التاريخ أن الأنظمة الثورية السبب المباشر في الحروب والنكبات وخراب البلدان، بدليل ان المنطقة لم تهدأ، منذ خمسينيات القرن الماضي ولحد يومنا الحاضر، والسبب ببساطة نقص التجربة والثقافة السياسية وعلاقات حسن الجوار، والمصالح الدولية، فضابطا نرجسيا معتدا بنفسه يقتحم مبنى الاذاعة ليعلن البيان الأول، ولتبدأ معه مرحلة اللاعودة واللامعقول، شعارات وتهديدا مفتوحة، ووعود بالتنمية والاستقرار على رمال متحركة، وكم عانينا نحن في العراق من هذا السلوك غير المتجانس، حتى لو مات الزعيم وفي جيبه 300 فلس لاغير، فهناك قدرة مخيفة على طمس الحقائق، بنفس القدرة على عدم الاعتراف بأن الادارة فن وجربة ولا يصلح لها كل شخص، خاصة من الفريق الذي لم يعمل اصلا في مؤسسات الدولة العراقية ، ولا يفهم سياقاتها لذلك يتم استغلاله بل وتوظيفه للمزيد من الفشل وهدر المال العام، دون أن يلتفت الى هذا الخراب أي فريق حكومي أوحزبي أو نقابي.
ونود القول بأنه لو بقيت الملكية في العراق لترسخت مفاهيم التداول السلمي للسلطة، وبما ينجم عن ذلك من تعزيز للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والأمن الاجتماعي بكل توصيفاته، وما يرافقه من تطور على كافة الصعد، بعيدا عن ربط السلطة بعائلة أو شخص لا يعرف من هموم شعبه الا المزيد من القهر والحرمان، والزج بهم بحروب واقتتال واحتلال يبقي على موطيء قدم كبير بالاستناد الى ركائز المحاصصات والتوافقات والنعرات العرقية والطائفية، وغيرهما من آفات تخدير الشعوب، فيما تراكم الخبرة في الملكية يجنب الشعوب المآسي والنكبات، التي ليس لها أخر، ورغم ذلك يتهم ” ثوار الصدفة” شعوبهم بخيانة الوطن عندما يطالبون بحقوقهم، من خلال فهم خاطيء يتمثل في تحويل البلاد والعباد الى ملكية خاصة لمجموعة يميزها مزاج متعكر بالفطرة ونفوس مهزومة بخيبات الأمل وغياب المصداقية، فيما تجارب الملوكية من اسبانيا وحتى المغرب مرورا بهولنده والاردن تمثل تجربة رائعة.
للملوكية طقوسها ونوافلها، فهي محيط مفتوح ومترابط الاتجاهات، الصغير يغرف من بحر خبرة ومعرفة الكبير، لكن لا يطفو عليه تمددا، فهناك ثوابت وحدود لا يمكن تجاوزها، طالما الجميع في قارب واحد ومتجانس الوجهة والغاية، يكره العواصف وتنأى قيادته عن ركوب المخاطر غير المبررة، مستفيدة من خبرة الابحار بالاتجاهات الصحيحة كلما كان ذلك ممكنا، فيما يثير   الثورويون العواصف لركوبها دون التبصر بالنتائج، لأنهم ينظرون حولهم، والأخطر لا يشعرون بضمانة المستقبل، لذلك اختفت من قواميسهم الخطط الاستراتيجية والبناء المستقبلي، لتبقى الطواريء حالة ملازمة لهم في الحل والترحال، وليبقى الأصبع على الزناد سبيل النوم شبه الهانيء، وتجاربنا في المنطقة كثيرة ونتائجها على الارض شاخصة، في تراجع عناصر التنمية والاستقرار وتخبط العلاقات الدولية، وسوء الظن بالجار والشقيق، لان الخلاف دائما على اراض قاحلة لا زرع فيها ولا ثروات، لذلك حروب الاشقاء خاسرة دائما.

ماذا جنى العراق من الانقلاب على الملكية غير المزيد من حلقات الانهيار المتواصل، وماذا كان سيحصل لو أن الملكية ظلت البيت الدستوري للعراقيين، دون ان يقحمنا ثوريو الخيمة العسكرية بسيل عارم من عبارات الرجعية والتآمر، قبل ان نصحوا على ما هو نقيض لذلك تماما، فأقصى درجات الوطنية هي المحافظة على كرامة المواطن، واحداث قفزة نوعية في البناء الاقتصادي والعلاقات الدولية، وهو المتحقق في كل الملكيات المحيطة بنا،   والاردن نموذجا، فرغم ندرة خيراته ينعم، وندعو الله أن يديم على الجميع ذلك، بالاستقرار والتطور والتنمية غير المتحققة في أغنى دول المنطقة، مما يدفع الى طرح سؤال كبير على المتلذذين بخيار القوة دون أي ترجيح للعقل، ماذا لو حلمتم بأوطان آمنة وشعب مستقر وعلاقات متوازنة، ألم يكن ذلك هو الخيار الوطني الأوحد؟ ثم الى متى تبقى المشاريع الكبيرة لفظيا سبيلا لتأزيم العلاقات فيما بين العرب؟ ولماذا لا نقر بالأخطاء ونعيد رسم الخيارات بعيدا عن التسميات الجمهورية والملكية والاماراتية، فالوطن هو العنوان الكبير غير المحتاج الى اضافات، خاصة عندما يواصل نهوضه ويقبض على جراحه بكبرياء أبناءه الفرسان.

وللتاريخ نقول لو ان نظاما ملكيا فعل بنظام جمهوري ما حدث للعائلة الهاشمية الكريمة  في العراق عام 1958، ولم يشفع لها حتى كتاب الله، نقول لو ان نظاما ملكيا ارتكب ما حدث من فجيعة في قصر الرحاب، لما التئمت الجروح ولتنوعت دسائس المؤامرات والانقلابات على ، لكن القناعة بان مصالح الوطن والشعوب أهم بكثير من تلغيم العلاقات ، خاصة وان المتورطين في الخطأ قلة ، نقول ان كل هذا الفهم المتعقل ساهم في ابقاء الأبواب مشرعة بين بغداد وعمان ، على اسس عروبية ، لا بل ان الأخيرة ظلت وقت شدائد العراق، وما أكثرها، جسرا للتواصل والنجدة حسب الممكن.
ولم يأت هذا الفهم الاستراتيجي من فراغ بل هو نتيجة تراكم مواقف وخيارات نضوج الفهم الرسمي الاردني لطبيعة توازن العلاقات في المنطقة، فالغالب والمغلوب في الصراع العربي العربي هو خاسر في كلا الاتجاهات، فمتى نتبصر ونستفيد من خبرة من سبقونا الى فهم التوازن الاقليمي والدولي في المنطقة، بلا ضجيج مفتعل أو ذر للرماد في عيون شعب انهكته شعارات الثورات والتحرر اللفظي.
 
رئيس تحرير الفرات اليوم
[email protected]

أحدث المقالات