23 ديسمبر، 2024 8:21 ص

السنون تتوالى والأعمار تتوارى وعجلات الأيام تدوس التراب وما فوقه , ولا تأبه لمخلوق , فإرادة الوجود أقوى من الموجود , والأنام وفود , وأمواج في نهرٍ رَفود , ومهما كنت راكضا ومتسارعا فأنت من الرقود , فللزمن قوة عنود , وللدوران قضاء موعود.
السنون تتصاخب , والأحلام تتواكب , والخطوات تتناوب , والأفكار تتساكب , والبعض على بعض يتكالب , والناس بالدماء تتخاطب , والوحش فيها يتساغب , وكأنها بالوجيع والأحزان تتجاوب , وتمضي إلى حيث الخراب والدمار وبقوة تتراجب , وتحسب الحياة غابا وعليها أن تتقاتل وتتذاءب , فالموت سلطان على أعناقها يتواثب , وأنها لفي خسر وبهتانٍ يتناكب.
السنون كالأشهر والأسابيع والأيام والساعات والدقائق واللحظات , كلها تعود إلى كنه النقطة , ويبدو العمر وكأنه إبن الومضة التي تشعرك بأنك موجود , أو كالنبضة التي يعلنها فؤادك وينذرك بأنها لن تعود , وأنها سابقتك بخطوها نحو الغياب الأبيد.
السنون تسائلنا وتعظنا وتخاطبنا وتعنفنا وتزعزعنا , لكننا نستكين لما فينا , فنتجاهل كلماتها وحكمة خطابها , ونرتد عاكفين على مطمورات تعتقت في دنيانا , وتمرغت برغائب ذات تطلعات نزقة وغايات شرسة شرهة لا نعرف فحواها ومراميها وبلواها.
السنون الوافدات الواعظات الملهمات , الموقظات الفاعلات القاتلات السابقات اللاحقات الواعدات , لوحات نسطر عليها ما فينا , وميادين لممارسة السلوك الذي يؤذينا ويرضينا , ومحطات للترجل والإرتحال والتواصل في سِفر الحياة اللامعلوم.
السنون هي السنون , والأعوام ذات شجون , والليل ليل تتزاحم فيه النجوم , والنهار عرس شمس تستنهض الطاقات وتمدها بقدرات أكون , وتلك قوانين تحكمنا ومعادلات تستهلكنا , وما نحن إلا عناصر في بودقة تفاعلاتها الدوّارة تحت نار حامية , لو توقفت لبضعة ساعات لتحولنا إلى عصف مأكول , لكننا لا نتعلم وبالشرور نصول.
السنون تتساقط من وجودنا كقطرات الماء المتسربة من بين أصابعنا على رمضاء ذات رمل لهّاب , وكأننا الحجارة المسربلة بالمطر ولا تستطيع الإنبثاق والتفاعل الأخضر مع الشمس , لكنها آنسة بفأس التعرية التي تضربها بتناوب وتواصل , وإصرار على إخضاعها لإرادة الزمن وسطوته وسلطة الإبادة والعدم.
السنون تمتطينا ولا نتمكن من إمتطائها وقيادتها والتحكم بلجامها والسير بها إلى حيث نريد , لكنها تكون بنا أنّى نكون , وتدور بنا على جمرات الإنشواء والإحتراق والتفحم والخواء , ونحن الصاغرون المستسلمون , فهل نستطيع لوي أعناق السنين , والإتيان بالنصر المبين؟!!
السنون تحيينا وتحيّنا , وكل مرة ونحن أقدر على تدوير عجلات السنين , وإرواء سواقي وجودنا الأمين!!
ودامت الأماني طيبة والأحلام عذبة والإرادة متوثبة!!