23 ديسمبر، 2024 8:42 ص

مراكــز البحــوث والدراســات العراقية ومعايير الجودة العالمية

مراكــز البحــوث والدراســات العراقية ومعايير الجودة العالمية

أضحت مراكــز البحــوث والدراســات لها دور ريــادي فــي قيــادة العــالم و أداة لإنتــاج العديــد مــن المشـــاريع الاســـتراتيجية الفاعلـــة ،و لـــم يجـــاف الحقيقـــة أولئـــك الـــذين أطلقـــوا علـــى مراكـــز الدراســـات والأبحـاث تسـمية “خزانـات التفكيـر. وهـي فـي أي مجتمـع معاصـر سـمة مـن سـمات التقـدم العلمـي والثقـافي والحضـاري، تعبـر عـن حيويـة المجتمـع وقدرتـه علـى التواصـل وتوظيـف المسـتجدات مـن الخبـرات الفكريـة والعمليـة.
ويعاني العالم العربي من الفقـر البحثـي يتمثـل فـي تواضـع عـدد المراكـز البحثيـة بالمقارنـة مـع الـدول والأقـاليم الأخـرى فـي العـالم، و تواضعها على جميع معايير نوعية الانجــاز . ومــن بــين هــذه المعـايير مـدى نجـاح المركـز فـي إنتـاج أفكـار وبـرامج إبداعيـة، وأثـر هـذه البـرامج فـي تطـوير القـيم الاجتماعية وتحسـين نوعيـة الحيـاة، والقـدرة علـى إشـراك أصـوات جديـدة فـي عمليـة صـنع السياسـات، والالتــزام بتطــوير معــايير وسياســات لإنتــاج بــراهين دقيقــة مبنيــة علــى البحــث والتحليــل الموضــوعي المسـتقل عـن المصـالح الشخصـية أو المؤسسـة أو الماليـة، والقـدرة علـى تجنيـد مفكـرين وبـاحثين مـن نوعية متميزة والاحتفاظ بهم.
واذا مـا اريــد لمراكــز البحـوث والدراســات ان تكـون مواكبـة لحركــة البحــث والتطـور العلمــي فــي العالم فهناك خطوات عـدة يجـب اعتمادهـا ومنهـا :النضـوج السياسـي للدولـة ، حريـة العمـل البحثـي ، توفر البيانات ،القناعة بدور مراكز الأبحاث والدراسات ،استقلالية المراكز ،التمويل الـوطني ،وجـود الطلب على منتج هذه البرامج ، وجودة الباحثين .
وفي العراق انشئت عدد من المراكز البحثية في الجامعات العراقية رسمت لها مهام معينة لكن وفق دراسة حديثة ان معظم تلك المراكز غافلة عن بعض اهدافها .وان هناك قصور في الرؤية والمهام خاصة في نظامها الهيكلي وطبيعة الافراد العاملين فيها ودور المجتمع في تحديد اتجاهات الابحاث .وهذا ما حددته دراسة جامعية للدكتور عظيم كامل الجميلي من جامعة بابل حملت عنوان ” دور المراكز البحثية في حل مشكلات المجتمع المعاصر “. وهي دراسة ميدانية لعدد من المراكز البحثية في عدد من الجامعات في منطقة الفرات الاوسط .
تشير نتائج الدراسة ان اعــداد البــاحثين في تلك المراكز قليلــة ، اذا مــا قورنــت بالأهــداف مــن تأسيســها وبالمشاكل والقضايا والظواهر ولاسيما المحلية منها. وبينت الدراسة ان المسؤولين على المراكز البحثيـة لـم يضـعوا مـن ضـمن اولويـاتهم ضـرورة اسـتقطاب حملـة شـهادة الدكتوراه في حين ان الحاصلين عليها قد تمرسوا على البحث العلمـي وتراكمـت لـديهم الخبـرة العلميـة ،ويمثلون احدى عناصر القوة للمراكز البحثية. كما لم يضعوا من ضمن اولوياتهم ضرورة استقطاب الالقـاب العلميـة ذات الاهمية في المراكز البحثيـة ،ولاسـيما لقـب اسـتاذ واسـتاذ مسـاعد ، وهـي مـن الاهميـة اذ تشـكل احدى مرتكزات الخبرة والاحترافية ومن عوامل القوة للمراكز البحثية. كما ان غياب لدى المخطط للمراكز البحثية عنصر من عناصر القوى البشرية الا وهو سنوات الخدمة التـي تمثل احدى معايير الخبرة والمعرفة ،ونلاحظ وجودها لم يجري وفقا لضوابط ومعـايير علميـة ، كأنمـا هناك تجاهل لهذا المؤشر المهم.
وهنالك ضعف في توافق الفئات العمرية في المراكز البحثية اذا مـا قورنـت بسـنوات الخدمـة والالقـاب ، ممـا يشـكل مؤشرا سلبيا في تقدم المراكز البحثية . وان مجــالس المراكــز البحثيــة تحــاول ان تقتــرب مــن تحقيــق بعــض اهــداف مراكزهــا البحثيــة عبــر تركيزهـا فـي توصـياتها وتوجيهاتهـا علـى المشـاكل والقضـايا والظـواهر التـي تتفـق مـع اختصاصـات البــاحثين الــى حــد مــا، ولكنهــا لا تحــدد نوعيــة موضــوعات البحــوث فغالبية البــاحثين لــديهم البحــث العلمي ممارسة مزاجية تتعلق بالباحث واهتماماته . ورأى الباحث أهمية إشراك قـادة الـرأي لمؤسسـات المجتمعـات المحليـة فـي اجتماعـات مجـالس المراكـز البحثية . وان اغلب المراكز البحثية قد ابتعد عن الاتجـاه العلمـي الـذي يركـز على استخدام كل الطرق لمعالجة المشاكل والقضايا والظـواهر التـي تـدخل ضـمن اهتمامـات المراكـز البحثية مع اعطاء الاولويـة للخطـة البحثيـة لمـا تتصـف بـه مـن معالجـات علميـة دقيقـة اذا مـا قورنـت بالطرق الاخرى ولاسيما الندوات والمحاضرات. ولاحظ الباحث ان اغلـب المراكـز البحثيـة لازالـت تميـل الـى الدراسـات النظريـة والـذي يتطلـب منهـا الابتعـاد عـن اعـاد المعرفة ومراعاة مبدأ التراكم في البحث العلمي . ويشير الباحث ان السياقات في المراكز العربية والإقليمية والعالميـة المتطـورة هدفها التركيز علـى الفـرق البحثيـة فـي الدراسـات النظريـة والتطبيقيـة، لـذلك فـان حصـول فئـة البحـوث الفرديـة والمشـتركة علـى الاولويـة عنـد البـاحثين فـي المراكـز البحثيـة العراقية، وحصـول فئـة فريـق عمـل علـى نسـبة ضـئيلة فـي مركـزين بحثين وعدم ظهورها في بعض المراكز . كما وجد الباحث ان العمل البحث لا يتفـق مـع سـياقات العمل البحث في الدول المتقدمة اذ ان مؤسسـات المجتمـع المحليـة لا تعـرض مشـاكلها وقضـاياها علـى المراكـز البحثيـة ، وان البـاحثين بحكم الاختصاص والخبرة يجرون بحوثا عن مشاكل وقضـايا وظـواهر تقتـرب مـن اهتمامـات مراكـز البحثية.
ووجد تباين حول مدى قـوة علاقـة البحـوث بمشـاكل المجتمعـات البحثيـة قـد تحكـم بـه معيـار اختصاصات المبحوثين ومدى علاقتها بنوعية المشـاكل والقضـايا والظـواهر المجتمعيـة ،فضـلا عـن اهتمامات المراكز البحثية ومدى حاجة المجتمع اليها. ويمكن تفسير تباين رؤى المبحوثين حول مدى قوة علاقـة البحـوث بمشـاكل المجتمعـات المحليـة الـى عـدم جعـل بعـض ادارات المراكـز البحثيـة مـن ضـمن اولياتهـا الاسـهام فـي حـل مشـاكل المجتمعـات المحلية ،فضلا عن عدم استقطابها الاختصاصات التي تنسجم مع اهدافها الاستراتيجية. ان غالبيـة مؤسسـات المجتمعـات المحليـة لا تخضـع مشـاكلها ومشـاكل المجتمعـات المحليـة التـي لهـا علاقـــة بهـــا علـــى مراكـــز الابحـــاث، وان مراكـــز الابحـــاث تحـــاول ان تخضـــع بعـــض مـــن المشـــاكل المجتمعية بشكل طوعي. وان اغلب المؤسسات المجتمعية لا تبنى على مخرجات البحوث في حل مشاكلها. وان اغلـب البـاحثين يكتفـون فـي نشـر بحـوثهم فـي المجـلات المحكمـة ولا يسـتثمرون وسـائل التسـويق الاخرى، ويعد ذلك من مواطن الضعف التي يمكن ان تحد من امكانية انتشارهاو . وان عـدد المحاضـرات السـنوية لاغلـب البـاحثين فـي المراكـز البحثيـة لا تتناسـب مـع حجـم مشــاكلنا المجتمعية ، ومن ثم يمكـن اسـتثمارها لتكـون نافـذة للإسـهام فـي تقـديم صـور وآراء ومعالجـات لـبعض الاشكاليات في مجتمعاتنا. وكشفت الدراسة عـدم وجـود سـياق مؤسسـي بهـذا الشأن وترك المجال مشرعا ،في اغلبية المراكز البحثية، بحسب رغبة الباحث. وان طبيعة علاقة المحاضرات بحاجات ومشاكل المجتمع فـي بعـض المراكـز تراوحـت بـين المتوسـطة والقوية، وفي البعض الاخر تراوحت بين المتوسطة والضعيفة والقوية. وان طبيعــة علاقــة المحاضــرات بمشــاكل المجتمــع يعــزى الــى مــدى حــرص البــاحثين وادارات المراكــز البحثية في انتقاء الموضوعات التي ستكون من ضمن جدول اعمالها المتعلق بالمحاضرات . كما ان بعض ادارات المراكـز البحثيـة لهـا اولويـات واهـداف ترمـي الـى تحقيقهـا عبـر اسـتثمار المحاضـرات ، وبعضـها الاخـر جعلهـا ممارسـة علميـة بحسـب رغبـة البـاحثين او بتكليـف نخبـة محـددة مـن البـاحثين من داخل المركز مع الاعتماد على باحثين اخرين من مؤسسات المجتمع. والتـدرج بتنـاول المشـاكل والقضـايا والظـواهر العامـة عبـر النـدوات بحسـب معيـار القـرب المكـاني فـي المراكز البحثية،من المحلية الى العربيـة ،مـع عـدم ايـلاء اهميـة للمشـاكل والقضـايا والظـواهر العامـة في المجتمعات الدولية عبر التحليل والتقصي وهذا يعد من المؤشرات السلبية في التعامل مع البيئة الخارجية. كما وجد اهتمام بتوثيق بحوث الندوات ولكن لا يوجد سياق عمل ثابت يعتمـد علـى اسـس وضـوابط تنظم ما يتعلق بهذا النشاط البحثي.
وان بعـض المراكـز البحثيـة تعطـي اولويـة متقاربـة لكـل وسـائل وطـرق التسـويق للنـدوات ، فـي حـين تركـز مراكز اخرى على التسويق عبر وسائل الاتصال التقليدية والحديثـة ولا تعطـي اهميـة مقاربـة للوسـائل والطـرق الاخـرى التـي تسـهم فـي التسـويق،وهذا يتطلـب مـن ادارات المراكـز البحثيـة مـن جعـل تسـويق نشاطها المعرفي من بين اولياتها عبر التركيز على الوسائل والطرق الفاعلة في التسويق.
وحول مدى اسـتثمار المجتمعـات المحليـة لنتـائج واسـتنتاجات وتوصـيات النـدوات التي تقام بالمراكز البحثية يشـير الـى ان البعض من مؤسسات المجتمع المحلية تأخذ ببعض مخرجـات المراكـز البحثيـة ، ولازالـت الفجـوة كبيرة بين نشاط المراكز البحثية ومؤسسات المجتمع المحلية. وان المتغيـر الـدولي لـيس مـن ضـمن اولويـات المراكـز البحثيـة ،فتـدرجت بتنـاول المشـاكل والقضـايا والظـواهر العامـة عبـر المـؤتمرات بحسـب معيـار القـرب المكـاني ،لـذلك جـاءت المحليـة اولا والعربيـة ثانيا، والدولية بالمرتبة الاخيرة ولكن بنسبة طفيفة . ولازالـت الفجـوة كبيـرة بـين نشـاط المراكـز البحثيـة ومؤسسـات المجتمـع المحليـة وهـذا مـا يؤكـده تـدرج اجابـــات اغلـــب البـــاحثين فـــي المراكـــز البحثيـــة حـــول مـــدى اســـتثمار المجتمعـــات المحليـــة لنتـــائج واستنتاجات وتوصيات للمؤتمرات بطريقة تنازلية : ( احيانا ، لا تستثمر ، غالبـا ،دائمـا)، ممـا يشـير الى ان البعض من مؤسسات المجتمع المحلية تتعاطى مع بعض مخرجات المراكز البحثية . ونستنتج ان مراكزنا البحثية لاتتوافق ومعايير الجودة العالمية المعتمدة في العالم وان هنالك تخبط وعشوائية في عمل المراكز البحثية العراقية .