لا شك ولا ريب إن للجيش العراقي الوطني مقامٌ مُصان وحُرمة لا يـُمكن بأي حال من الأحوال التطاولُ عليها أو الإنتقاص منها , لما لهذا الجيش المِقدام من تاريخ عريق وحاضر مُشرف ومستقبل واعد في الذود عن مكتسبات الشعب العراقي وتطلعاته المشروعة على الرغم من شدة بل وإشتداد الحَرب الخارجية التي تجمعه بالعشرات من الجماعات الإرهابية المحلية منها والأجنبية وأمثالها من الأجهزة الإستخبارية الإقليمية , فضلاً عن حربه الداخلية التي يـُصارع فيها بقايا (البعث) الهدام الذين لا غاية لهم من وجودهم في داخل هذه المؤسسة إلاّ التخريب والتضليل والسعي لتشويه صورتِها عند عموم أبناء الشعب العراقي في ظل ضياعها وسط زحمة المناقصات السياسية وفوضى المحاصصات الطائفية على إمتداد أربعة أعوام .
وما لفت النظر وجذبَ الإهتمام خلال الأيام الماضية تصاعد حِدة الجدال والسجال السياسي والإعلامّي بل وحتى الشعبي في واقعية (العقيّدة) عند أبناء المؤسسة العسكرية , والتي لا أشك شخصياً في حقيقة وجودها بل وترسخها في نفوس الغالبية الساحقة من منتسبي ومراتب هذه المؤسسة الوطنية وأعتبرُ الإنتقاص منها إساءة لعامة أبناء الشَعب العراقي بمختلف آطيافهم وقومياتـِهم , إلاّ أني أراها -آي العقيدة- موضع نقاش وَريبة عند البعض القليل من القيادات المتنفذة خصوصاً تلك التي أشتـُهر عنها وقوفها بل وعملها ضمن الخطوط الأولى في حكومة البعث المُبادة والتي لا أبرئها – أي تلك القيادات- من الوقوف خلف الخروقات الأمنية والأخطاء الميدانية والتي تهدف إلى تحقيق ثلاث غايات .
فأما الغاية الأولى فهي تحقيق أعلى نسبة من الخسائر في صفوف المدنيين العـُزل عبر تسريب السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة إلى داخل المناطق الشعبية , والمساهمة في تهريب القتلة والمجرمين لا سيما المحكومين منهم في عمليات هروب جماعية , والعمل على إتمام عقود عسكرية لا يمكن وصفها إلا بـ(الفاشلة) وخصوصاً تلك المتعقلة بأجهزة الكشف عن المتفجرات والطائرات العسكرية وغيرها . وأما الغاية الثانية فهي إستنزاف قطاعات المؤسسة العسكرية العراقية بعددها وعُدتها من خلال إيقاعها في (حتوفٍ) مَحسومة مسبقاً وجعلـِها (لقمة سائغة) لدى إرهابيي (داعش) وباقي المجاميع المُسلحة كما رأينا في الكثير من الحوادث والشواهد لا سيما في العمليات الجارية في محافظة الأنبار وحزام بغداد . وأما الغاية الثالثة فتتمثلُ بالسعي وعبر وسائل متعددة لإسقاط هيبة الجيش في الشارع وقطع حبل الثقة الممتد بين المواطن من جهة والجندي من جهة أخرى من خلال إشاعات (الإرجاف) والتشويه والتي تساهم في دعمها وبثها وسائل إعلام عربية كبرى وشخصيات سياسية عراقية على مدار الساعة –وهيهات لهم ذلك- . فالذي سَبق من الغايات وما خفي عن العيان لهو خير دليل على إنتفاء (عقيدة ) بعض هذه القيادات والمراتب العسكرية الفاسدة .
فـ(العقيدة) عند علماء النفس هى كل ما عـُقد فى النفس ويصعب فكهُ , فهي هُنا تربية نفسية لزرع قناعات معينة ، تكون أكثر رسوخاً من مجرد فكرة أو رأي أو وجهة نظر أو ولاء حزبي أو طائفي ضيق , والسبيل الوحيد لترسيخ هذه (العقيدة) وهذه القناعات في النفوس والأبدان هو الإهتمام والمُداراة لا العكس بطبيعة الحال , فالأحرى بالمدافعين عن (العقيـّدة) –وأنا منهم- اليوم أن يلتفتوا لتطهير المؤسسة العسكرية وبكافة مفاصلها من المُفسدين المتنفذين , وأن يسعوا لضمان حقوق منتسبي هذه المؤسسة وخصوصاً فيما يخص مستحقاتهم المالية وتوفير العيش الكريم لعوائل الشهداء والمصابين منهـُم , وأن لا يتسافلوا بهذه (العقيـدة) المقدسة ليجعلوا مِنها شعاراً إنتخابياً رخيصاً بدل أن تكون مـَشروعاً حقيقياً لتحقيق الرُقي النفسي والثبات الميداني عند أبناء الجيش العراقي , آخذين بمبدأ إن جيش العراق لِكل العراق ولم ولن يكن يوماً من الأيام تبعاً لشخص أو حزب أو طائفة فكرية أو مذهبية معينة .