يصور الصحفي والكاتب المهندس عكاب سالم الطاهر مسيرة حياته في كتابه على ضفاف الكتابة والحياة – الاعتراف يأتي متأخرا” وبكمال اختياره بعد ان اكتسب من العمر عمقا” واصالة” آخذا” بعين الإعتبار ان لاتكون عارية كل العري . يكتب عن تجاربه الخاصة فيما عانى ولمس دون ان يقدم نفسه في مجال الفخر والأدعاء انما جاءت نصوصه في مجال العبرة والدراسة . فقد قدم نفسه في القسم الأول من كتابه من خلال الآخرين وهم من المفكرين والكتاب والصحفيين والروائيين وهذا ينم عن مدى اعتزاز الكاتب بأصدقائه وزملاءه ونفسه وهو يعد ايجابي ولا يعاب عليه الأمر الذي منح كتاب على ضفاف الكتابة والحياة طابعا” يخلو من الكيان الخاص بإحتوائه على الرسائل والأعترافات لهؤلاء الكتاب بحق عكاب والتي اكتسبت الشكل الهندسي والتكوين الجميل بطريقة عرضها على القاريء لتمنحه قراءة كتابه بإسترسال مريح . هذا الأسلوب يشير الى ان كتابه لقي قبولا”
في التوزيع وأهداء نسخه الى شخصيات مهمة تعتز به فالكتابة هكذا تستدعي عمرا” كاملا” من التنبه والعمل ليصل الى هذا التناسق المهذب والقبول من الآخر . تميز الكاتب بجرأته في تصوير نفسه بحديثه عن الذات والحياة وتجاربه فيها سلبا” وايجابا” لا يندم على ماتضمنته اعترافاته من اقوال وافعال شخصية مضى يتجول في دهاليز الحياة بحلاوتها ومرارتها ويبدو أن مرها كان أكثر من حلوها. القاريء لهذا العمل لايراه كتابا” بالمعنى الذي نألفه فقد احتوى على مجموعة من القطع المستقلة عن بعضها لايرتبط جزء بجزء آخر فهو احيانا”يحرق المراحل ويعود لها ليكمل مابدأ به في نص سابق لكن بطريقة غير مبعثرة انما بوصف شيق ظهر منسجما” مع عنوان كتابه الذي بدى فيه الصحفي عكاب وليس المهندس بإخياره عنوانين للكتاب الرئيس على ضفاف الكتابة والحياة والفرعي الإعتراف يأتي متأخرا” فضلا” عما تميزت به شكل الكتابة من اسلوب اقترب من الكتابة الصحفية المركزة التي لاتختزل المضمون فهي توصل مااراد الكاتب ان يقوله عبر كتابه هذا دون اللجوء الى الصياغة الأدبية ، وهنا لابد ان نشير الى ان اسلوب عكاب الصحفي في الكتابة يراه البعض صعبا” فهو السهل الممتنع الذي يخضع من خلاله الكاتب الى انتقاء العبارات والمفردات التي لا يجب تكرارها في مواضع أخرى الا اذا اقتضت الظرورة الملحة وهذا ماظهر جليا” في كتاباته فضلا” عن أنه قلل من الاقتباسات وكأنه يكتب عن نفسه لنفسه بأمانة تكاد تكون مطلقة بعض الشيء على الرغم من تحفظه على الكثير من خصوصياته المحرجة . فهو اراد بذلك ان يبحث عن التوازن والصلابة في الكتابة عن نفسه على وجه التحديد دون التطرق الى العموميات الا ماتندر . فقد خصص القسم الثاني من كتابه لنسبه بالكتابة عن عشيرة آل حسن وآل طاهر وشجرة العائلة اراد ان يوثق للأجيال القادمة وللدارسين والباحثين والمهتمين بنسب العشائر لتكون مرجعا” لهم .
اطلاق العنان
الطاهر اطلق لقلمه العنان وتركه يتنقل من فكرة الى فكرة يوجز تارة ويطيل تارة” اخرى دون ان يجهد نفسه وانما يتركها على رسلها تروي ماحفل به قطار العمر ومسيرته في الحياة . حرص الكثير من اصدقائه وزملاءه أن تكون لهم وقفة من الطاهر في اعترافاته التي جاءت
متأخرة حيث يقول المفكر والكاتب د. عبدالحسين شعبان في مقدمته لهذا الكتاب اكتشفت عكاب سالم الطاهر ليس اعلاميا” وكاتبا” فحسب بل مناضلا” وانسانا” ولديه فضول المعرفة وشغب الحياة وشغفها الشيء الكثير على الرغم من انه ينتمي لجيل عاش الكثير من الانكسارات والعذابات والمحن خصوصا” في اطار صراعات ونزاعات وحروب لاعقلانية داخلية وخارجية بل استطيع القول انها كانت تدميرية للآخر وللذات ، بسبب قصور النظر والرغبة في التسيد والزعم بإحتكار الحقيقة وقد دفع العراق جراء ذلك النهج الثمن باهظا”وما زال ينزف دما” غزيرا” . واكتشفت في عكاب إصرارا” لا حدود له على الكتابة ، ولعل الصحافة كانت تسكنه لدرجة التغلغل ، وحين يبتعد عنها اضطرارا” وقهرا” يعيش حالة تيه لفقدان حبيبته فما بالك اذا كانت هذه الحبيبة صاحبة الجلالة . اكتشفت ايضا” لدى الطاهر وفاء منقطع النظير لرفاقه واصدقائه وزملائه في العمل وحتى عندما يريد انتقاد احدهم فأنه يغمس كلماته بشيء من المحبة بحيث يأتي نقده مملحا” ومقبولا” حتى وان كان هو المجروح بل يجد احيانا” الأعذار لمن يلمح في نقده وهكذا كانت معاركه ناعمة بل تكاد تكون مخملية أحيانا” سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد المهني وهي علامة قوة وليس علامة ضعف وتلك لعمري سمة انسانية لا يتمتع بها سوى من يسعى للتطهر ومراجعة الماضي بصدق دون ان يعني ذلك ما في تلك النزعة من مجاملة تأتي احيانا” على حساب التجربة والتاريخ والحقيقة بل والمغالبة مع الهوى الصعب والنفس الحزينة . اكتشفت في ( الضفاف ) ظرافة لا اعرفها عن الطاهر وتفكها محببا” واستلطافا” ممتعا” وسخرية جميلة ربما يعود بعضها الى (الحسجة الجنوبية ) والتوريات بين الظاهر والباطن والمعلن والمخفي والمعنى وضده احيانا” وتلك مانطلق عليه حمال الأوجه كما يقال .
رأي ورحل
اما الشاعر والكاتب المسرحي كاظم الحجاج يقول : مع عكاب سالم تتآلف صحافة ومضيفة مع رأي ورجل وليس من رأي وقلم فالرأي موجود مع انه غير مرئي وغير ملموس اما الرجل فهو موجود جدا” وملموس جدا” ومرئي جدا” وببساطة البديهية أن صحافة عكاب هي صحافة رجل عربي عراقي ريفي لايكتب فقط بل يعيش يتعامل يحب ويحترم الآخر ويخجل منه ثم يكتب كل هذا تماما” مثل اهل المضايف العرب ،العراقيين ،الجنوبيين والريفيين مع فارق اوحد هو انهم يقولون ولا يكتبون وهومثلهم غير انه يقول ويكتب مايقول وهذا هو صلب مالمسته من قراءاتي السابقة القديمة ولمقالاته ولقاءائه مع الأخر وحواراته الصحفية . ولقد تكرس كل هذا مع كتابه الأخيرعلى ضفاف الكتابة والحياة الذي تفضل وأهداني نسخة منه أليست استعارة وجودية من ضفاف أنهار الأرياف ؟ ذلك الكتاب زعمت في رسالة امتناني له انه صندقجة عراقية جنوبية تحوي مقتنيات آبائنا وامهاتنا هناك في جنوبنا الثري الفقير المتواضع الطيب الكريم .
فيما يصف الكاتب والصحفي زيد الحلي كتاب الطاهر على ضفاف الكتابة بطبعته الثانية بأنه وجبة لذيذة على مائدة المعرفة حمل استذكارات وذكريات مهمة تزيد أحداثها على ستة عقود امتزج فيها الذاتي بالموضوعي . وقال الحلي : وانت تشارك الكتاب سطوره وتدخل بين جدران استذكاراته تحس كم عانى الطاهر في نشأته وطفولته حيث شاهد الفقر يعربد في طرقات مدينته ويهدم روح الأنسان وحاول ان يوفق بين القدرة والفكرة بين الحكمة والفعل وقد نجح في
ذلك وادرك في قابل سنينه بعد ان أتخذ من الكتابة طريقا” في حياته العملية ان امتع واغزر الكتابات هي ماتوضع فيه كل كلمة موضعها حتى تطابق المعنى الذي اريدت لها ويكون شاهدا” معها ولا يحتاج الى تفسير من غير ذاتها لذلك كانت الذكريات متسقة لايخالف بعضها البعض واجد ان الأستاذ عكاب يؤمن بأن الأصالة لا حدود لها تخومها عند السماء وأذيالها عند آخر موجة تتكسر لنهر دفاق تحرسه سدود قوية وانه كاتب متعدد الرؤى وليس أحاديا” في منهجية وضمن قالب محدد أنه يمثل لوحة تشكيلية فهل سألت اللوحة عن الوانها ؟ إنها تسأل عن تشكلها و(ابو شاهين ) تشكل في كتابة ذكرياته وبرع في استذكاراته ولعل اختياره اسلوب السهل الممتنع مايدل على اختيار ذكي حيث اضاف لكتابه لمسة مفعمة ببعد انساني شد القاريء الى المتابعة فقوة سبك الكلمات في كتاب هو سلاح الذين لا يحملون سلاحا”!.
محتويات الكتاب
تقديم بقلم المفكروالكاتب عبد الحسين شعبان
تقديم بقلم كاظم الحاج
شهادة بقلم الدكتور نوفل ابو رغيف مقدمة الطبعة الثانية
القسم الاول : الضفاف والصدى
القسم الثاني : قبيلة آل حسن وعشيرة آل طاهر .الماضي والحاضر وآفاق المستقبل
القسم الثالث : مقدمة الطبعة الأولى
مرافىء الطفولة
من الناحية الى العاصمة
متقاعد إلا من الصحافة
عائد الى بغداد حيث الثقافة والصحافة
من الجهات الأربعة الى ضفاف الكتابة
ومن سماء الكتابة والمحبة تمطر بغزارة : وهي شهادات بحق الكاتب من رفاق الدراسة والزملاء والمحبــــين .