19 ديسمبر، 2024 12:56 ص

مذكرات حلم (5) : أرصدة حالمة !

مذكرات حلم (5) : أرصدة حالمة !

كان يمكن للدولة العراقية أن تعظم مواردها وتقف في وجه التلاشي الملياري الذي حدث منذ عام 2003م بل إن موارد الدولة خرافية وتلاشيها كان خرافياً إيضاً!
لعل (الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية) هي أول شركة من شركات وزارة التجارة إن لم تكن أول شركة حكومية أطلقت أرصدتها من وزارة المالية بعد عام ٢٠٠٣م بفعل إصرار موظفي القسم المالي وعلى وجه الخصوص (ابو حسام) الذي لم يكن له شاغلاً اهم من استعادة الارصدة المالية للشركة وكان أحد الموظفين الكفوئين والمعروفين بنزاهتم ودقة عملهم ؛ وبالفعل استعادت الشركة ارصدتها واطلقت يدها في التصرف بها شرط ان تحقق نمو استثماري فيها ! وبهذا توفرت للشركة أموال ضخمة جدا ومن مختلف العملات علينا ان لا نجمدها ونسعى في استثمارها وتعظيم موارد الشركة.
وبدأت عملية بحث دؤوبة قام بها ثلة من موظفي القسم المالي عن الأرصدة الدائنة و المدينة للشركة وبدئوا باستعادتها وفي غمار البحث عن المدينين اكتشفوا رصيد ضخم دائن للشركة بمبلغ كبير جداً لشركة صناعة الحديد والصلب في الفاو في محافظة البصرة أخبرني (أبو حسام) ان المبلغ الذي بذمتنا لهم كبير جدا وهو ناتج عن شرائنا منتجاتهم من حديد الصلب الفترة التي سبقت إحتلال العراق منذ عام ٢٠٠٢م وهو دين بذمتنا لكن الأوضاع التي تسود البلد (عام ٢٠٠٤م) تجعل تحويل المبلغ لشركة الحديد والصلب فيه شيء من المجازفة حيث ان المصانع متوقفة عن العمل والأوضاع فيها شيء من الفوضى ومن الممكن التحايل على المبلغ في ظل مثل هذه الظروف الصعبة والاستيلاء عليه من قبل بعض الفاسدين تحت حساب سداد دين لمخولين وهميين من الشركة او حتى لحساب وهمي ؛ ثم أنهم لم يطالبوا بالمبلغ بل لعلهم لا يعرفوا به ! فانظر ماذا ترى للحفاظ على المبلغ وتأمينه ؟!
شكرته وطلبت منه الاتصال بمدير عام شركة الحديد والصلب للحضور الى بغداد او من ينوب عنه للتفاوض بشأن حساباتهم مع الشركة دون الاشارة الصريحة الى حجم وطبيعة حساباتهم تلك.
وبعد مدة حضر الى مكتبي أحد الاساتذة مندوبا من القسم المالي للحديد والصلب وبحضور مدير القسم المالي لشركتنا سألته بعد الترحيب هل تعرف شيئا عن حجم التعامل المالي بين شركتنا وشركتكم وهل لكم علينا استحقاقات مالية أجابني (أنت تعرف طبيعة الأوضاع الامنية التي حدثت بعد ٩/٤/٢٠٠٣ وضياع الكثير من السجلات وما رافق كل ذلك من فوضى لذا فنحن نعمل على استعادة حساب ارصدتنا وتنظيم اوضاعنا المالية ) ؛ ثم سألته لماذا لا تعودون للانتاج من جديد ؟ أجابني (هناك مشاكل عديدة يمكن حل اغلبها ان شاء الله ولكن تبقى معضلة الكهرباء هي المشكلة الكبرى فنحن نحتاج الى طاقة كهربائية عالية جدا لا تتوفر لنا في مثل الأوضاع الحالية ؟
فقلت له ( هناك محطات إنتاج كهرباء صغيرة نسبيا يجري الآن استبدالها في المملكة العربية السعودية بمحطات اكبر و بنوعيات مختلفة وهذه المحطات يمكنها ان تسد حاجتكم وتزيد وهي معروضة للبيع وقد توجد في بلدان اخرى وباسعار معقولة يمكنها أن تشغل مصانعكم ) فقال لي مقاطعا بأن الشركة لا تمتلك الارصدة التي تمكنها من شراء هذا النوع من المحطات .
طلبت منه ان يعود الى الشركة في البصرة وينقل لهم استعداد شركتنا أن تساهم في شراء مثل هذه المحطات الكهربائية بل يمكن أن تدفع الشركة قيمتها مقابل سداد الدين الذي بذمتنا وإحتكار منتجات المصنع لحين سداد المبلغ الذي ستضيفه شركتنا الى مبلغ دينكم لشراء محطة كهربائية للمصنع .
عاد بعد أيام مع وفد كبير من الشركة ومعهم كتاب اعتذار عن قبولهم مثل هذه الفكرة لاعتبارت تتعلق بالشركة وبالضوابط المالية وأنهم يأملون تعاوننا معهم لاسترداد ما بذمتنا من استحقاقات مالية لهم ( دون أن يحددوا المبلغ المطلوب ) . وتم تحويل المبلغ الى الشركة بعد التأكد من رقم الحساب التابع للشركة ؛ ولا اعرف هل تنتج الشركة اليوم الحديد ام لازالت مصانعها مقفلة ؟!..
وثراء شركتنا كان معروفاً لدى الجميع وفي ذات يوم طلبت احدى الشركات التابعة لوزارتنا من شركتنا سلفة مالية لتمشية امورها الادارية والمالية ولكني رفضت ذلك وحول الطلب الى اجتماع مجلس الوزارة وكان مخططا أن معالي الوزير لو أمر بتقديم السلفة المالية فلن استطيع الرفض !
وفعلا عرض أمر السلفة في إجتماع مجلس الوزارة وطلب معالي الوزير (الدكتور محمد الجبوري) بيان أسباب رفضي تقديم هذه السلفة رغم ضخامة الارصدة المالية لدى الشركة ؟ فأجبت معالي الوزير انني ممكن ان اقدم للشركة المعنية مبلغاً أكبر من ما تطلبه ! مقابل شراء شركتنا لأسهم الشركة المعنية في شركة تصنيع التمور والبالغة أكثر من ٨٥٠ مليون سهماً وهي أسهم جامدة لا تتحرك ولا شأن لهم بها ونحن مستعدين لشرائها بنفس السعر التي اشتروها بها دون أي خسارة مالية على الشركة ! . استحسن معالي الوزير ومدير عام الشركة الفكرة وحصلت الموافقة عليها وتمت الصفقة واصبحنا جزء من مجلس إدارة التمور . وبعد أقل من سنة وتحسن الأوضاع الاقتصادية العراقية وبدء استقرار الدولة أصبح سعر السهم الواحد ثلاث دنانير وكنا قد اشتريناه بدينارا واحدا فقط!