أحد الاساتذة العراقيين المغتربين في اوربا للتدريس في احدى الجامعات الايطالية ,أراد تقديم خدمة صغيرة لابناء بلده, فكتب لصديق لي طالبا منه ترشيح ثلاثة اسماء من التدريسيين الجامعيين العراقيين الذين لهم خبرة في مجال التكاثر والتناسل الصناعي لأستضافتهم من قبل الجامعة الايطالية التي يعمل بها صاحبنا المغترب, وهي تتكفل بكافة المصاريف, وكان أن تم أختياري أن أكون أحد الثلاثة للايفاد الى ايطاليا للاطلاع على كل جديد هناك, وفعلا ارسل صديقي اسمه وأسمي واسم استاذ ثالث ورحت اتمرن على استخدام كلمات ايطالية مثل (لي اي بيلو تعني انتي جميلة, و ايو تي آمو, وتعني انا احبك ) فقد قررت أن انتقم من جميع بنات ايطاليا بطريقتي الخاصة, ثأرا من بلادهن التي احتلت دولة ليبيا الشقيقة قبل عقود من الزمن !!. وبعد أن وصل كتاب ترشيحنا الى ايطاليا وعلمت جامعتنا بقضية ايفادنا, حصل مالم يكن متوقعا, فقد امتعض السيد رئيس الجامعة من سفرنا وكتب للجامعة الايطالية مقترحا أيفاد ثلاثة اسماء غيرنا, فأرسل اليهم كتابا يتضمن اسمه هو شخصيا ومساعديه الاثنين, فقد تحولوا الثلاثة فجأة بقدرة قادر الى خبراء في التناسل الصناعي في حيوانات المزرعة , رغم أن تخصصاتهم أبعد من كوكب بلوتو عن التناسل وتقنياته !!. ثم في النهاية رفضت الجامعة الايطالية أن يتحول الايفاد العلمي الى سفرة ترفيهية للسيد الرئيس ومساعديه للاستجمام والترفيه , مع العلم أن السيد الرئيس كان نادرا ما يتواجد في مكتبه في الجامعة فقد كان ايفاده كل ست ساعات لدولة اوربية وعلى نفقة الدولة !!, وفي النهاية انتهي الايفاد للابد لكني كسبت تعلم بعض مفردات اللغة الايطالية , وحزنت لضياع فرصة انتقامي من تلك الدولة الاستعمارية . دارت الايام وبقت الحسرة والغصة في قلوبنا بسبب ضياع فرصة الايفاد المجاني, واذا بالجامعة تبرم اتفاقا مع جامعة هولندية لاطلاع على مشاريع هولندا الرائدة بالعالم في مشاريع استخدام تقنيات التناسل الحديثة في التكاثر الحيواني, فهي تمتلك اكبر الحقول بالعالم للتحسين الوراثي واكبر بنك للجينات ,وراح مسؤول العلاقات الثقافية بالجامعة, ينسق بين الكليات المعنية لترتيب اجراءات الايفاد الى هولندا, لذلك تفاءل الجميع بأن ألآيفادات هذه المرة لن تذهب الى غير مستحقيها وهي ستنحصر في كلية او كليتين لوجود الاساتذة المتخصصيين في هذه الكليات تحديدا, ومن غير المعقول ان ترسل الجامعة متخصصيين في الادب العربي , أو في التربية الفنية الى مشاريع انتاج ابقار( الهولشتاين ) المعدلة جينيا, أو أن يتم ارسال تدريسيون في قانون الجرائم والجنايات واساتذة اقتصاد الى مراكز بحوث التلقيح الصناعي ونقل الاجنة في هولندا !!, ولكن الغير معقول واللامنطقي هو ما يحصل دائما في هذا البلد , وما فعلته الجامعة التي تمادت وأرسلت كل من ليس له صلة من بعيد أو قريب بطبيعة الايفاد الى هولندا, ولذلك تعرضت الجامعة الى الحرج الشديد من قبل الجامعة الهولندية التي كانت تنتظر اهل الاختصاص, وليس أهل العلاقات والمنافع الشخصية وحسابات التملق والنفاق الوظيفي للبقاء اطول فترة على كرسي المنصب, وأخيرا وبعد الحرج والضغوط ,اتصل السيد مسؤول العلاقات الثقافية طالبا اوراق سفرنا نحن الثمانية المختصين بموضوع الايفاد وعلى وجه السرعة, وأن يتم أكمال اوراقنا خلال عشرة ايام وصرنا نسابق الزمن لاكمال اجراءات السفر, وفعلا سهلت الكلية كل الاجراءات الخاصة بالسفر, وتعاونت مديرية الجوازات التي اصدرت جوازات لمن لا يمتلك جوازا منا خلال ايام معدودة, وفي النهاية طلبت الجامعة أن نقوم بأكمال حجوزات الطيران الى هولندا وأن نكن مستعدين بأي لحظة للأقلاع الى هولندا, وفعلا قمنا بدفع رسوم الحجز الاولي عن طريق الخطوط الجوية التركية ورحت اشتريت كتابا لتعلم اللغة الهولندية ورحت اتدرب في البيت على العبارات المهمة التي ابحث عنها في اللغة الهولندية مثل (Ik ben vrijgezel ) التي تعني أنا أعزب, وعبارة ( Wil je met mij trouwen ) التي تعني : هل تتزوجينني ؟ ورحنا نلملم أمتعتنا أنا والسبعة تدريسيين الأخريين استعدادا ليوم السفر المتوقع بعد بضعة ايام, وصرنا ننتظر في أي لحظة مكالمة من أي مسؤول من الجامعة يبلغنا عن موعد السفر, ومر الموعد دون أن يتصل بنا احد, ولما اتصلنا بمسؤول العلاقات الثقافية, اخبرنا أن الموعد قد تم تأجيله لأسبوعين أخريين, وقلنا لا ضير في الانتظار, ومرت الاسبوعين دون جدوى ودون أن يؤكدون موعد السفر!!,ورحنا نتصل ولكن لا احد يرد على اتصالنا, ومضت الايام لنتفاجأ بصور تنزل على حساب احد تدريسيي كلية الادارة والاقتصاد في الفيس بوك ومعه سبعة من تدريسي كليته وهو نفس عددنا نحن اصحاب الايفاد المعنيين !!, واتصلنا فورا بالمسؤول الثقافي الذي لم يرد على مكالماتنا, حينها ادركنا أن الاسماء قد تغيرت وأن الايفاد ذهب الى غير أهله. وهنا يبادر سوأل مهم جدا وهو :ألم يكن من الاجدى على الجامعة التي أبدلت وفدنا المختص المعني بوفد ثان من كلية اخرى أن ينصح وفد الأساتذة البديل أن يقفوا بعيدا عن الابقار الهولشتاين الهولندية وهم يلتقطون الصور أمامها, خصوصا وان الابقار تظهر في الصور خلفهم تستعد لآتمام عملية التلقيح الصناعي ومن ثم حصول الحمل المرتقب , وتبدو الابقار بمنتهى السعادة وغاصة بالضحك وهي تسأل أدارتها الهولندية : ماذا يفعل بقربي هنا وفد مكون من أساتذة الاقتصاد والرياضيات والحاسوب والفقه الاسلامي !!!.
ملاحظة مهمة جدا: هذا المنشور جزء من احد فصول روايتي ( مذكرات بقرة في المنفى ) لذا اقتضى التنويه .