لا أُريد التكهن عن ما ستؤول له المؤسسات؛ بمواجهة كَمْ الإسقاطات والإنتقادات المبينة على غير الواقعية، ولن أستغرق بالحديث لمواجهة سيل الإتهامات الساعية لتدمير دولة؛ بدوافع حزبية ومصلحية وعدائية، وإعلامية باحثة عن الشهرة والإثارة والغرابة.
لن أتحدث عن بقية المؤسسات الحكومية، وسيقتصر حديثي عن مدينة الطب؛ كوني أعمل بها من سنوات عديدة، وأعرف ما تُقدم من خدمة جليلة، وكم يستفيد منها العراق وشعبه.
في البداية لن أتحدث عن وزارة الصحة بصورة عمومية، والشهادة تكفي بالتحديات الكبيرة ومواجهة الحروب والإرهاب، وأمراض الظروف المعيشية والبيئية والخدمية، التي في جلها تخرج من نطاق صلاحية وزارة الصحة وتحتاج الى رؤية وتخطيطات إستراتيجية، وإنعكست على حياة المواطنين، ولن أكتب دفاعاً عن الوزيرة؛ حتى لا أحسب بالإنتماء الحزبي، او التملق كوني أعمل في نفس الوزارة وعملي مرتبط بها، ولن أدخل الجدل السياسي، الذي أدخل القضايا الإنسانية والعلمية؛ في صراعات ضيقة شخصية لا تعي حجم المسؤولية.
حديثي سيكون عن مدينة الطب، وكون الإعلام ذا رسالة إنسانية وأخلاقية، وأن كان سلطة رابعة فلأجل البناء وتقويم المؤسسات لا إسقاطها وتشويهها، ومن الإشارة الى إصلاح السلبية وبنفس الوقت ذِكر المواقف الإيجابية وإبرازها والإشادة بالقائمين عليها؛ لخق روح التنافس والتسابق والتحفيز.
مدينة الطب صرح علمي كبير أشعر أنه أن لم يكن الأول، فهو المنافس في مواقع مرموقة عالمية، ومحط أنظار 35 مليون عراقي؛ يأملون التشافي في مستشفياتها وإختصاصاتها الدقيقة، ويتطلعون الى ما تشهده من نهضة علمية لا نجد من الإعلام النبيل إلاّ ما ندر؛ يبحث عن مئات آلاف العلميات وملايين الفحوصات والأعداد الهائلة من المرضى، وكيف تم خدمتهم أن لم يكن هناك عمل جبار وجهود متظافرة، ولأول مرة في تاريخ العرب يصبح العراق عضواً في الإتحاد الأوربي للإختصاصات الطبية الدقيقة، والسبب لوجود 51 إختصاص دقيق فريد قابل للزيادة.
من جملة ما يمكن إيجازه عن تلك المدينة والصرح العلمي الكبير؛ شروعها بالخدمة وفتح أبوابها للمرضى من عموم العراق ومستشفياته، وصارت كخط ثانٍ في المعركة المواجهة لأشرس قوة ظلامية مجرمة، وأستقبلت آلاف الجرحى ومصابي العمليات الإرهابية، وفي أحد الأيام كنت شاهداً على إستقبالها 400 جريح دفعة واحدة؛ جراء يوم دامٍ شهدت العاصمة بغداد، وهذا ما تعجز عنه دول عظمى؛ مستقرة إقتصادياً وأمنياً وسياسياً وإجتماعياً ومؤسساتياً.
إن حديث عن شواهد كثيرة قد لا يسع المجال لأحصاءها، ومن بعضها: تخريجها مئات الأطباء وبمختلف الإختصاصات سنوياً؛ لرفد مستشفيات العراق والدول العربية، وإقامتها للمؤتمرات العلمية والمناقشات اليومية في أكثر من إختصاص، وحتى كثير من المستشفيات العالمية تستعين أو تُديرها قدرات علمية كبيرة؛ معظمهم درسوا في مدينة الطب، ومصداقية قولي ونقضي وإعتراضي على كل ما يُحاول إثارة الشبهات وخلط الأوراق، وفي داخله إسقاط دولة بمؤسساتها، التي هي كالركائز التي تقوم عليها، وواقعاً أنا أشاهد بأم عيني يومياً مديرها العام يتجول ويتابع شاردتها وواردتها، وعلى هذا الأساس عزم مدراء الفروع والأقسام والوحدات، وإنطلقوا بشعار رفعته مدينة الطب للعمل بروح الفريق الواحد والإرتقاء.
عندما يطلب معلمٌ درساً خصوصياً من طالب؛ لا يعني أن معظمهم ترك اخلاقه التربوية، وعندما يكون أحد الأطباء جشعاً؛ فلا يعني أن كل الأطباء دون إنسانية.
حديثي ليس دفاعاً عن شخص ولا لأسباب مصلحية او حزبية، وما يهمنا الجوانب الإنسانية والبناءات المؤسساتية، ولن أصمت امام من يحاول إسقاط المؤسسات الحكومية؛ وسأضعه في خانة العدائية للدولة والإنسانية، وواجبنا كأعلام؛ مثلما نبحث عن إصلاح الجوانب السلبية؛ علينا أن نمجد الجوانب الإيجابية والإنسانية، والواقع شاهد على ما نقول، وفرق بين الوقائع المزيفة، والوقائع والإنجازات التي سجلتها مدينة الطب؛ منذ تاريخ العمل بها عام 1970م الى يومنا هذا.