2 نوفمبر، 2024 8:25 م
Search
Close this search box.

مدن النفايات!!

ما يميز مدننا , بل ومن سماتها البارزة أنها مدن النفايات , عدا بعض مدن الخليج التي تتمتع بدرجة معقولة من النظافة , فأينما تذهب في بلداننا ترى النفايات منتشرة ومتناثرة في الشوارع وعلى الأرضفة والحارات وأمام البيوت والمطاعم والمحلات , وفي وسائط النقل العامة , وفي كل مكان يحصل فيه إجتماع بشري.
نفايات متراكمة وعجز عن العمل الجاد النظيف المساهم ببناء الحياة السعيدة , وهذه الظاهرة متوارثة ولا تفكر بها الحكومات ولا يأبه لها الناس , وإنما إعتادوا عليها وإستلطفوها , برغم ما تتسبب به من أضرار بيئية وصحية وما ترسمه من قبائح ومنفرات ومنغصات نفسية وإنفعالية.
ولا يمكن مقارنة العديد من عواصمنا بمدينة يابانية صغيرة , حيث النظافة والجمال والعناية الفائقة بالزهور والشجر , والتعامل الراقي الحنون مع الأطيار والحيوانات الأخرى , التي تضفي جمالا على المكان الذي يعيش فيه البشر.
فكم تتمتع بالتجوال في المدينة اليابانية بحاراتها وأسواقها , وكم تمنحك من روح الجمال والبهاء والنظافة السائدة التي يساهم بإدامتها المواطن , فالنظافة مسؤولية فردية وجماعية , نفتقدها في مجتمعاتنا التي فقدت الحس بالنظافة والجمال.
وحتى في الصين , عندما تتجول في مدنها الصغيرة وقراها , تحس بوجود النظافة وبنظام لتصريف النفايات والفضلات بأساليب تتناسب وقدرات القرية والمدينة , لكنها جميعها تشترك بالمحافظة على النظافة والجمال للشارع والمحلة والمكان الذي يجتمع فيه البشر.
هذه مجتمعات ذات كثافة سكانية عالية لكنها تعتني بمكانها وتحافظ على بيئتها , وتهتم بإظهار النظافة والجمال والعناية بالزرع وزيادة مساحة اللون الأخضر في مكانها الذي تعيش وتعمل فيه.
وفي واقع الحياة أن السلوك البشري يتأثر بالبيئة التي يكون فيها , فإذا تراكمت النفايات وإنعدمت النظافة , فأن الأفكار التي تتوارد إلى العقول ستكون كالنفايات المتناثرة من حولها , أفكارا وسخة لأن النظافة غير متوفرة , ولا يمكنها أن تساهم بإستحضار أفكار نظيفة , أي أن نوعية الأفكار وطبيعتها تتناسب مع بيئتها , فالبيئة النظيفة تستدعي أفكارا نظيفة وجيدة , والبيئة الوسخة تستحضر أفكارا ذات وساخة عالية وسلبية ضارة مثلما تضر النفايات والأوساخ بمن حولها وفيها.
ترى لماذا لا نمتلك إحساسا قويا بضرورة النظافة والجمال , فهل أن الوساخة من الإيمان؟!!
تساؤل مشروع في زمن تتأدين فيه الأشياء , وتعبر عن أقبح السلوكيات والتفاعلات الخالية من مسحة جمال وقليل نظافة , والجميع يدّعي أنه يصلي خمسة أوقات في بيئة وسخة تتراكم فيها النفايات والقاذورات , وتلك حالة متناقضة تنسف الدين بالدين , وتصفع الإنسان بالإنسان , وتستدعي ما هو وسخ للحضور في عالم يزداد إتساخا وتتراكم فيه نفايات العصور.
فهل من وعي حضاري وإدراك لمعنى النظافة والجمال؟!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات