22 نوفمبر، 2024 6:09 ص
Search
Close this search box.

مدرسة القيادة في الشهادة

مدرسة القيادة في الشهادة

لايختلف القادة عن عامة الناس بشيء ظاهري، فهم لم يولدوا برؤوس اكبر او قامات اطول او وجوه حسنة اكثر، ولا تضفي هذه الصفات ميزة للبشر ليكونوا قادة.
لان القيادة سمة وجودية معنوية صميمة من داخل الانسان، ليست مضافة له ولا زائدة عليه، لكن ما يميز القادة دون غيرهم، هي تلك النظرة الاستشرافية الثاقبة للأمور، فهم أشبه (بمجسات استشعار مبكرة) تستشعر مكامن الخطر، وتوجه دفه السفينة الى بر الأمان بعيداً عن الامواج العاتية، لهذا هم قادة، لانهم اخذوا على عاتقهم زمام المبادرة لقيادة المجتمع، ولانهم اصحاب مشاريع ومناهج يسيرون وفقها، ومن اجل تحقيقها.

القائد هو الوحيد الذي ينظر لمقطع المجتمع العرضي، فهو يلاحظ كل طبقاته وما تحمل من تنوع، لذلك هو يعي بدقة احتياجات كل فئة، كما انه يعرف تماماً كيف يناغم أفكاره وتطلعاته، لانه يفهم جيداً ان المجتمع ماهو الا خلية تحمل العديد من العناصر الحية على اختلافها، لكنها منسجمة تحت غلاف خلية واحدة، اذن الاختلاف في ذات المحيط لايعني الفرقة على العكس تماماً

من الأمثلة الحية للقيادة الواعية التي استشرفت المستقبل بكافة ابعاده، وقدمت أطروحة كاملة وحلول ناجعة لمشاكله، هو (السيد محمد باقر الحكيم) خصوصا ونحن نعيش أيام ذكرى استشهاده، فهذا الرجل يثبت في كل مرة صحة وصدق فهمه للواقع الذي نعيشه، فهو صاحب مشروع (الدولة العادلة) وهو مفهوم لتأسيس الدولة العصرية الحديثة، بملامح وأسس ومرجعية إسلامية لكن بصيغة حديثة اكثر مرونة وانفتاح، بما يتلائم مع متطلبات العصر الحديث، ما يميز أطروحة انه عمد ونادى وأسس لمفهوم (الدولة العادلة) بعقلية منفتحة، فهو لم يقصد بالدولة (مسك السلطة ) بمفهوم ضيق، بل كان يعني( بالدولة العادلة ) “شكل النظام” الذي يضمن للافراد حياة كريمة مستقرة وضمان لحقوقهم المتساوية، هنا تكمن عبقرية الرجل وسمو نفسه، فهو لم ينادي بالدولة من اجل التولي عليها، بل كان يرمي لرسم ملامح للنظام الذي يضمن حقوق الجميع، بغض النظر عن من يتولى زمام هذه الدولة، كان يؤكد على اهمية الرؤية الواضحة والهدف من قيام (الدولة العادلة)
فالدولة العادلة أفرادها مطمئنون على ارواحهم ومصالحهم وحقوقهم، وهم على ثقة ان من يتولى شؤونهم أمين عليهم وعلى البلد اشد الحرص.

ان المرحلة التي تزامنت مع قدوم سماحة السيد محمد باقر الحكيم الى العراق، كانت الفترة الأكثر حرجاً من تاريخ العراق المعاصر، فالتخبطات والصدمة التي عاشها المجتمع والفوضى التي تلت التغيير، ووجود قوات اجنبية، مستحكمة على مقدرات البلاد، تراقب المشهد، وترصد أي بوادر للملمة الوضع، قبل ان تنفذ كافة مشروعها التي جاءت لتنفيذه، مع مراقبة دول الجوار للأحداث العراق، التي لم تبارك له التغيير الا بالأمس القريب، كلها أمور اجتمعت على التوجس خيفة من هذا الصوت الهادر، الذي انطلق باكراً من ولادة العراق الجديد، بل عدوه تهديداً لهم، فمشروع السيد الحكيم الرامي للوحدة، يتعارض مع المشاريع التي تعمل على تقسيم العراق، فالرجل يدعو لقيام (دولة عادلة) ضامة وجامعة لكافة اطياف المجتمع على اختلاف أطيافه، وتلاوينه، فهو مشروع يوحد الجميع، ويكفل حمايتهم في ظل التنوع
لذلك من البديهي ان يكون مثل هكذا فكر وصوت يروي قصة وطن، و يرسم مستقبل أمه، ان يكون وحيداً، يغرد خارج تيار الأحداث، وان يكون مرمى للسهام الغادرة والتصفية الجسدية .

أحدث المقالات