23 ديسمبر، 2024 2:05 ص

على احد الشواطئ كان هناك شاب يراقب كل يوم الأسماك الصغيرة التي تجرفها الأمواج فوق الرمال فيقوم بالتقاطها بسرعة ليعيدها الى الماء كي لا تموت ، وذات يوم رآه عابرُ سبيلٍ فاقترب منه وقال له: يا بني لماذا تضيع وقتك في هذا العمل فهناك ملايين الأسماك تموت كل يوم، وأنت لا تستطيع إنقاذها ؟ . لم يقتنع الشاب بهذا الكلام فالتقط سمكة ورماها في البحر وهو يقول: على الأقل سأنقذ حياة هذه السمكة.

لكل منّا إيمانا معينا يدفعنا للقيام باعمال تجعلنا نشعر بإنسانيتنا ونسبة الخير الذي في داخلنا، فنحن لا نستطيع أن ننقذ العالم الذي أصبح كعجوزٍ هرمة أو بلدنا الذي أكلته عثة الفساد والإهمال ولا حتى منطقتنا وهناك من يرى بيته يُهدم معنويا و لا يعرف ماذا يفعل، فنحن لا نملك عصى سحرية نضرب بها الاعوجاج فينعدل وهناك قضايا وأمور تكون اكبر من طاقتنا وحلولنا وردود أفعالنا. ولكن بالتأكيد نحن نملك أنفسنا وأرادتنا القوية لنقوم بأعمال تشملنا من ضمن المعمرين ونندرج بقائمتهم وتجعلنا بمنأى عن أفكار المدمرين، ونملك قدرة هائلة وضعها الله داخل هذا الجسد.

والأعمال كالمدرجات فنرى الناس تقف على مدرجات التفاضل ( , صادق، نزيه، أمين ، مخلص …..) منهم من نراهم في القمة أوفي أسفل سلم التقييم الذي يبدأ من النفس أولا ثم المحيطين وقبل هذا وذاك التقييم الجلي يكون من رب العزة.

وصاحب الثقة العالية هو من يهتم بتقييم ذاته، فهو الذي يمسك بقنينة الماء الفارغة ولا يقذفها إلا في مكانها المخصص رغم إن الشارع الذي يسلكه مليء بالنفايات، و يقف في الطابور ولا يتدافع مع المتدافعين ويأخذ مكان أحدهم وينتظر بكل صبر حتى يحين دوره، ويتكبد خسائر مادية كبيرة لإصلاح المجاري في حين باستطاعته حفر التبليط وفتح مجرى على النهر الذي أمام داره وتقليد جاره الذي يشجعه على هذه الفعلة، ويحفظ لسانه وينأى بنفسه عن كل الحوارات الطائفية والمتعصبة ويترفع عن سفاسف الأمور…الخ. فما يهمه هو تقديره لذاته.

أما الذي يتكلم ساعات عن الأخلاق والدين وحين يخرج مستعجلا ويضرب إشارة المرور فيتبع سلوكه الآخرين أو ينتقدونه أضحت خطبته كعفطة عنز لا تساوي شيء و انجازه في ذلك اليوم هو نزول درجة من سلم التفاضل لان الكلام يثبت بالأفعال وما يخرج من القلب يدخل الى القلب وما دام لا يملك رادعٍ أخلاقي في صغائر الأمور فهو كاذبٌ ولن يتأثر به الناس.