22 نوفمبر، 2024 10:51 م
Search
Close this search box.

مدحت باشا الاصلاح =نفي وسم زعاف

مدحت باشا الاصلاح =نفي وسم زعاف

توالى على وطني العراق وخلال الزمن ملوك وخلفاء حكام ورؤساء تباينت جهودهم واختلفت دساتيرهم فمنهم الظالم المتجبر ومنهم الضعيف الارادة ومنهم المتسلط على الرقاب يأخذ الناس بالظنة وينزل فيهم اليم العقاب .. منهم الذي نشر العدل قدر امكانه وحاول ان يحمي الضعيف وينصف المظلوم وامتازت حقبهم الزمنية بالعدل والامان النسبيين وان كان ذلك لا يشكل الا نسبة ضئيلة قياسا لأزمنة الاستبداد والجور …
من بين الذين امتاز زمنهم بشيء من الاستقرار وبذل جهده من اجل الاصلاح الوالي العثماني مدحت باشا الذي اصبح واليا على العراق سنة 1870 .

من هو مدحت باشا…؟
ولد في اسطنبول سنة 1822 م / 1238 هـ. وكان أبوه، الحاج حافظ محمد أشرف قاضياً شرعياً مستنيراً، فأدخله إلى الديوان الهمايوني وتعلم الخط الديواني الخاص بهذا القلم. وتردّد على جامع الفاتح، وهناك تعلم اللغة العربية، وأتقن لغة الفرس، وقرأ أدبهم وتاريخهم وقد عمل في احد اقلام الحكومة (دوائر رسمية) وارتقى في درجاتها ثم ارسل الى بعض الولايات للنظر في شكاواها ضد ظلم الولاة والنظر في شؤونها لما امتاز به من حنكة فاظهر مهارة في انجاح تلك المهمة وبين التحقيق الذي اجراه فضائح جسيمة ارتكبها كل من والي البلعار وسلسترة واعوانهما مما ادى الى عزلهما. لم يكتف مدحت باشا بذلك بل تجول بنفسه بتلك الانحاء واعاد الى ربوعها السكينة اذ اطلق سراح الثوار بعد ان اجابهم الى مطالبهم المشروعة واخذ عليهم المواثيق بالمحافظة على الامن فكافئه السلطان بمنحه رتبة الوزارة سنة 1860وواليا في الصرب وبلغاريا, وانتقل سنة 1870 الى ولاية بغداد .
نبذة عن الحالة العراقية
تحدثنا مدام (ديولافوا) التي تجولت مع زوجها في العراق عام 1881 عن مبلغ تفسخ الموظفين والضباط ,فذكرت عن أحد رؤساء الدوائر في بغداد أنه تعهد تشييد بناية عامة, فبناها مرتين, إذ هو في المرة الأولى لم يضع لها اساسا ثم عمد إلى احراقها .وحصل من جراء ذلك على مبلغ من المال كبير . وتقول ديو لافوا إن قواد الجيش كثيرا ما يفتخرون بسفرات حربية غير حقيقية يقومون بها ليتقاضوا عنها المبالغ المقررة لها. وحدث مرة أن سار بعض الضباط الكبار بجيش لا وجود له , وبعد فترة قليلة أخبروا ” الباب العالي” بأن الجيش قد أبيد عن بكرة أبيه .وهم انما فعلوا ذلك لتغطية ما كادوا يتعرضون له من فضيحة بيع أسلحة كثيرة والتصرف بمرتبات الجنود .وقد يحدث احيانا أن يسير القواد جيشا ثم يتفقوا مع بعض شيوخ القبائل على نهب الجيش في أماكن معينة ثم يقتسموا المنهوبات مع اولئك الشيوخ .
(مدام ديو لافوا)ترجمة علي البصري – ص 83-84
…….
يمكن ان تكون هذه القصص مختلقة أو مبالغا فيها ,كلها أو بعضها .ولكننا مع ذلك لا نستطيع ان ننكر وجود شيء من الصحة فيها قليلا أو كثيرا .فقد ادركنا بعض بقايا اولئك الموظفين ,وسمعنا من المعمرين حديثا كثيرا عن آخرين منهم. ونحن لا نستبعد تلك القصص التي تروى عنهم على وجه من الوجوه .
قيل ان المناصب والوظائف الكبيرة كانت تعرض في استنبول بما يشبه المزايدة ,حيث تمنح لمن يقدم رشوة أكبر. والرجل الذي يقدم الرشوة يطمح طبعا إلى استرجاع ما دفع مع” الفائض” المناسب ,من جيوب الرعية “المسكينة”.

كتاب المجتمع العراقي د. علي الوردي ص152
…………………

ما اشبه اليوم بالبارحة…الفضائيون ومعاملات الزور وانتشار الرشوة التي اخذت مسميات اخرى والبطالة المقنعة في مختلف الدوائر والنسبة العالية للعاطلين عن العمل والعقود الوهمية المزورة والوظائف التي تدفع المبالغ الطائلة للحصول عليها والمشاريع التي تنفذ على الورق لا على الارض والملايين المهدورة بل قل المليارات …لك الله يا وطني …لك الله يا وطني .
مع كل هذا لست بآيسة فهناك المخلصون المضحون وان كانوا قلائل وهناك الشباب الواعي الذي آمل ان يخوضوا غمار نهضة الاصلاح ومحاربة الفساد وسينتصرون بأذن الله تعالى فوطني يستحق ان يكون سالما منعما ناهضا متقدما.

هذه هي الحالة التي كان عليها العراق قبل وبعد ولاية مدحت باشا جهده لذابذل من اجل توطيد دعائم الأمن وانثنى الى الشؤون الداخلية ومن أهم اعماله في العراق:-

اسس اول مدرسة حديثة.
اسس مدرسة للصناعة.
اسس معمل للنسيج.
انشأ حديقة عامة.
بنى مدرسة للغرباء.
اوجد مطبعة وجريدة رسمية.
ساعد على تأسيس مدينتي الناصرية والرمادي.
وسع مدينة كربلاء.
وضع نظاما للبلدية في بغداد.
10-اكمل تعمير “القشلة” التي عمرت بدوائر الدولة.
11-انشأ شركة أهلية للترام بين بغداد والكاظمية .
12-حاول اصلاح وضع الاراضي الزراعية وحقوق التصرف فيها.
وهناك ملاحظة مهمة انه لم يهتم بتعمير المساجد واجراء الجرايات عليها ,انما اهتم بتعمير البلاد والارتقاء بواقعها لتضاهي البلدان المتقدمة نسبيا …….
كان الامر هكذا فإصلاحات كهذه تحتاج مبالغ كبيرة من البلاد وفرها الوالي مدحت باشا من المبالغ المرسلة الى استانبول ما كان سببا في غضب السلطان العثماني عليه فهذا السلطان لا يهمه تعمير البلدان التي يسيطر عليها انما المهم الاموال التي ترده منها ووال مصلح كمدحت باشا ليس بالوالي الذي يمكن ان يكسب رضا سلطانه مادام يفضل اصلاح البلاد التي يتولاها ولا يهتم بجمع الاموال الطائلة إرضاء لنهم السلطان.
فكانت النهاية المؤلمة لمدحت باشا اذ امر السلطان بنفيه ومن ثم دس السم اليه ..رحمك الله يا مدحت باشا شهيد الاصلاح الذي حاربه سلطان جائر ظالم جاهل متجبر متكبر آثم .

مدحت باشا والثورة والنهاية المفجعة

. بعد أن نشأ صراع بين دعاة التجديد وأنصار القديم. وانقسمت البلاد إلى معسكرين، معسكر مدحت باشا ومن حوله أحرار الفكر وأرباب الحرف والصناعات وفريق من العمال الواعين، ومعسكر السلطان عبدالعزيز ومن ورائه الحاشية والمقربون اتجه مدحت باشا إلى اسطنبول وقدظلّت الأحوال الداخلية والخارجية تسير في الدولة العثمانية من سيئ إلى أسوأ، وكان رجال الحكم يرون بوادر التذمر تسري بين جماهير الشعب فيحاولون قمعها بالإمعان في الظلم. إلى أن ثار مدحت باشا نفسه فكان على رأس الناقمين من أفراد الشعب الذين احتشدوا في جامع السلطان محمد الفاتح، ثم ساروا في تظاهرة صاخبة إلى الباب العالي، وهم يرددون هتافات تدعو الى سقوط الصدر الأعظم محمود نديم فما كاد الأخير يشاهد تلك. الجموع الغفيرة حتى لاذ بالفرار. وعيّن السلطان، مدحت باشا صدراً أعظم وعزل محمود نديم من الصدارة.

واتاح هذا المنصب لمدحت باشا الثائر والمصلح ان ينفذ اجراءات الاصلاح ليتدارك تهاوي الدولة وسقوطها وقد تألفت عقب ذاك عصبة عرفت باسم «الأحرار»، اعتزمت خلع السلطان عبدالعزيز
وفي مرحلة لاحقة، وفي ليلة الثلاثين من أيار سنة 1876 م، أوقظ الأمير مراد وأخرج ليصبح سلطان البلاد، وأتاح هذا الانقلاب لمدحت باشا، تأليف مجلس شورى برئاسته، فعكف مع زملائه على رسم المشاريع لوضع أنظمة الدولة، وتطهير دوائر الإجراء والجباية من المتلاعبين، وتأسيس المصارف الزراعية في مراكز الولايات. والغرض الأساسي من الانقلاب كان في إعلان الدستور. وفي صبيحة يوم الأحد في 5 نيسان 1876 م، انتحر عبدالعزيز. وإثرها رمى السلطان مراد بنفسه في الحوض بثيابه، ما أدّى إلى افتضاح أمره وانتشار خبر جنونه في الأستانة..
وكان مدحت باشا يجتمع بعبدالحميد سرّاً منذ بدأ مرض السلطان. وصرح عبدالحميد بأنه يرغب في وضع دستور يخول الشعب سلطة أوسع من التي نصّ عليها الدستور المعروض عليه، وزاد على ذلك أنه مستعدّ للتنازل عن العرش متى استعاد أخوه قواه العقلية.
لكن انى للمتجبرين الوفاء بعهودهم ا نهم يتعهدون حين يجدون ان لا مناص من ابداء اللين والمرونة واحتواء الازمة عند اشتداد الخطب ولكن لا أمان …أجل لا أمان فبمجرد ان يستقيم الامر لهم ويخف اشتداد الخطب يقدم على سحق الجميع وتمزيق العهود وهكذا فعل السلطان عبد الحميد الذي أعطى مدحت باشا صكاً خطياً تضمن جميع هذه العهود. وهكذا كان إذ لم تدم صدارة مدحت باشا في عهد السلطان عبدالحميد سوى 48 يوماً، وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني سنة 1877 م، أقيل من منصبه ونفي عن بلاده إلى الطائف، ويقال ان السلطان عبد الحميد لم يكتف بنفي مدحت باشا بل ارسل من دس السم اليه فمات شهيد الاصلاح والحرية والعدالة وظل اسم مدحت باشا رمزاً للحرية وللاستشهاد في سبيلها..

أحدث المقالات