18 ديسمبر، 2024 8:22 م

مخلمة جلجامش – 8

مخلمة جلجامش – 8

-8-
صُدمَ اطويرش حين قرأ المحقق امامه مقطع المصارعة التي جرت بين انكيدو وبين جلجامش، لقد فلّشوا بوابة اوروك، وكان ذلك بسبب محاولة جلجامش الدخول على عروس قبل دخول زوجها عليها، اطويرش ينظر إلى المشهد وكأنه جالس في ملهى ليلي يغص بالسكارى والراقصات، يتراءى له ان جلجامش وانكيدو يلبسان بدلات لونها رصاصي ولون الاربطة بنفسجي…[ لاادري لماذا يختار الحكوميون هذين اللونين بالذات…وهم الساقطون من شجرة البنفسج!!]…

جلجامش بيده قنينة ويسكي سعرها الف دولار حسب تصريف مدينة أوروك…وانكيدو بيده بطل عرق مغشوش…سرسرية…مسوين نفسهم رجال طين وكَاضيهه علينه بالارشادات والتعليمات الطينية وهمه مخلصينهه بالملاهي…بس عمي شعب اوروك يستاهل…شعب الذرى…الشعب العظيم الذي يشكو من آلام عظامه حين ينتهي من “النبت!!” في العراضات الوطنية!…حكومة شعب اوروك تصر على ان يرتدي السيد المواطن شطفة نظيفة وعقال جديد على راسه حتى لولم يلبس ملابس داخلية!!، الحكومة تنظر الى المواطن الذي لايلبس ملابس داخلية نظرة متشبعة بالرومانسية والشفافية لتسهل عملية خروج المارد من القمقم…انهم يحبون ان يصفق لهم الشعب بايديهم …وقلاقيلهم الوطنية.. مجتمع مخلوق للتصفيق لايمكنه ترشيح قائد..الا في الملاهي!!..

تستمر عركة السكارى..والشرطة ممنوع عليهم ان يتدخلوا…اذا تدخلوا سيحالون الى المحكمة وفق المادة 7 من قانون المجاري…واذا لم يتدخلوا يحالون الى المحكمة وفق المادة 7 من قانون المجاري…شرطة النجدة ابتلت في كل الأحوال…”رجال القانون ولايجدون قانونا يحميهم…”…جلجامش وانكيدو فلّشوا الملهى بعركتهم،…استخدموا جميع الأسلحة التي يحملونها…سرسرية انتو جايين تشربون بالملهى…جايبين أسلحة ليش؟ [ هذا الحادث المؤسف كان مدعاة لشعب اوروك ان يطالب الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة!!]، الشيء الوحيد الذي لم يره اطويرش ان جلجامش وانكيدو لم يستخدما بطالة العرك في ضرب احدهما الآخر…[بطل عرك يااطويرش هو الذي جعلك شاهدا ومتهما امام عدالة حكومة هذين الذين يتقاتلان مثل الثيران الوحشية…]…

في النهاية نجت العروس وعادت لزوجها، بينما اتفق جلجامش وانكيدو ان يكونا صديقين…

لا احد يهتم لك يااطويرش، وما انت وماخطرك؟ مؤخرة راقصة باستطاعتها اجبار حكومات على الاستقالة قبل ان تكف عن الهز… الدنيا تحتفي بالراقصات اكثر مما تحتفي بالمواطن المكَرود.

الشيء الوحيد الذي انتبه اليه اطويرش هو قيام اوروك من سباتها الشتوي…لقد خرجت تظاهرات شعب اوروك بسبب ظلم جلجامش الكبير لهم، ودعوة انكيدو ليكون بطلا جديدا لفيلم السهرة الوطني…

اوروك ثارت لحماية اعراض شعبها من اغتصاب القادة الضروريين جدا( يعني مو كلش ضروريين جدا…يعني نص ونص]، للذكور والاناث على حد سواء، الديكتاتور لايملك ان يغيّر الفكرة التي تسكن في هامة المواطن، شوارع الادمغة غير مبلطة، والتنقيب للعثور عليها مهمة مستحيلة ليس بإمكان “توم كروز” القيام بها، فيلجأ الديكتاتور للطريقة الاسهل لديه والمتمثلة بادخال اعضائه في اللحم الحي لافكار المواطن الكريم حتى يقوم به بكل اريحية!!، وحين تزداد عمليات الاغتصاب المادية والمعنوية من قبل النخب الحاكمة الملعوب باعداداتها، يلجأ المواطن للتظاهرات للاعتراض عليهم… هكذا الى ان تتجمع الاصوات المعترضة للخروج من غابة الاغلبية الصامتة الى حيث…. حرق الإطارات الخشبية في اوروك…

تهدر اصوات المتظاهرين الملثمين في اوروك القديمة وهم يحملون الطابوق الحجري المستورد من معامل طابوق الاخمينيين وهم يصرخون بهتافهم الموحّد:

– شلع.. قلع… عدكم… صرف مية..

المتظاهرون يواجهون شرطة الاداب… المتظاهرون يشكلون مخالفة اخلاقية في عرف آلهة الشرطة التي اشترطت على الشعب استحصال موافقتها ..للتظاهر ضدها!!..

اوروك اول مدينة على الارض حملت صوت المعارضة المنتجة!! …واطويرش شاهد على مستوى انحطاط المعبد الذي خرّج الالاف من البغايا اللواتي كنَّ يخدمن الوطن…. بالملابس الداخلية…

شعب اوروك شعب حي، عيبه الوحيد انه يستبدل الحكام المغتصبين.. بحكام جدد…شعب هوايته ابدال الوجوه التي اغتصبت اجداده كثيرا… كل مجد الحكام الذين نصفهم من آلهة ونصفهم من قمامة… انهم حولوا الشعوب الى بغايا تتوسل ارضاء حكامها بكل وسيلة.

تسير التظاهرة وهي ترفع الشعارات المكتوبة بالخط المسماري القديم فوق الطرق السريعة في اوروك…امانة اوروك علمت بموعد التظاهرة المركزية للشعب فقامت بتبليط جميع الشوارع في المدينة حتى تكون الطرق مستعدة لتحمل الاصوات الهادرة من طبطبة احذية الجمهور.. لو علم الناس ان حصيلة التظاهرات الغاضبة هو تبليط الشوارع لبقي شعب اوروك متظاهرا طيلة اعمار رموزه التاريخية الوطنية…

اطويرش يستمع لخطيب التظاهرات:

-هذا هو شعب اوروك العظيم… هذا الشعب الذي يتنعم بالحرية المطلقة التي وهبها له جلجامشنا المغتصب المقوّم… هذه الالاف التي تجمعت اليوم تريد ان ترسل رسالة إلى الاجيال القادمة ان غدكم آتٍ آتٍ… الاحلام التي تسكن في اعالي شعور هامات هذا الشعب العظيم ليس قمل الامال التي يعلقون ايامهم على مشنقتها، ايها السائرون في نومهم.. ايها البوالون على صفحات أمسهم القديم… انكم تكتبون تاريخكم الجديد ليكون مسلة تحفظ تاريخكم الجديد… ايتها الاصوات التي اسقطت حكومات التحاصص والتماصص بتفلة واحدة.. اعطوا مفاتيح خزائن بيت المال لجلجامش ونائبه انكيدو… انه قائدكم الأوحد الذي خلقه الاله شمش لخدمة شعب اوروك… انه ملك الصيرفة…..

اطويرش يصفن كعادته، بينما شعب اوروك يهتف بصوت واحد :

– شلع… قلع… عدكم صرف مية!!!