18 ديسمبر، 2024 9:11 م

مخلمة جلجامش – 25

مخلمة جلجامش – 25

-25-

بعد قتل خمبابا والثور السماوي، رجع جلجامش وانكيدو الى اوروك، (أقام جلجامش حفلا ساهراً في قصره دعا إليه مطربي الإذاعة والتلفزيون وكل فرق الموسيقى الشعبية مع الاهتمام بوجود آلهة الرقص الشرقي القديمة فيفي عبدو، نام البطلان واستراحا في فراشهما ليلا، عند ما نام أنكيدو رأى حلماً، فنهض أنكيدو وهو يبحث عن طاسة ماي بارد…ثم طلع النهار، فقص أنكيدو رؤياه على جلجامش قائلا: [يا صاحبي لِمَ اجتمعت الآلهة على العظام في مجلس الشورى!!؟، يا صاحبي أي حلم عجيب رأيتُ الليلة الماضية!، رأيت أن “آنو و انليل و إيا وشمش السماوي” قد اجتمعوا يتشاورون وعشتار تسقيهم العرق المغشوش!!، وقال “آنو” لأنليل: لانهما قتلا الثور السماوي وقتلا خمبابا، فينبغي أن يموت ذلك الذي اقتطع أشجار الأرز من الجبال، ولكن انليل أجابه قائلا: إن أنكيدو هو الذي سيموت، ولكن جلجامش لن يموت!، ثم إنبرى شمش السماوي وأجاب انليل البطل وقال: ألم يقتلا ثور السماء و خمبابا بأمر مني؟ فعلام يقع الموت على أنكيدو وهو بريء؟ فالتفت أنليل إلى شمش السماوي وأجابه حانقا: ألأنّك تطّلع عليهم كل يوم حتى صرت كأنك واحد منهم!!..)..

مجلس شورى الالهة قرر قتل انكيدو بدلا عن جلجامش، البشري وحده من يتحمل ذنوب الالهة!، الآلهة وأبناء الرؤساء يقتلون ويغتصبون وينهبون لأن دماء واعراض الناس ملك صرف ومسجّل في دوائر العقاري باسمائهم وأسماء ورثتهم!!، واذا اكتشف الناس معلومة ما!، فمن الواجب على الناس ان ينسبونها لانفسهم وليس للآلهة…كيف يمكن لآلهة سومرية ان تغتصب !؟ وكيف لها ان تقتل؟ الآلهة اشبه بممثل الشعب لدى السلطة التنفيذية والتشريعية…إذا اكتشف الشعب ان ممثلي الشعب لدى السلطات يمثّلون عليهم فان سمعة الآلهة في خطر!!… الآلهة معصومة لدى الالهة الأخرى!…وأي رجل دين لايؤمن بعصمة الهة سومر يتم اغتصابه وتصوير حادثة الاغتصاب فيديويا وبصيغة MP4 … ويتم تسريب الفيديو لدى مجتمع “معابد سومر” لغرض اجبار كبار الكهنة على اصدار فتاوى بتفسيق هذا المنحرف الضال المضل الزنديق الذي لايؤمن بعصمة الآلهة… وتحويله على نظام الأجور اليومية…

اقترح احد الآلهة ان يرسل الى انكيدو سيارة مفخخة يقودها ملثم إرهابي، احدهم اقترح ان يتم اغتياله بمسدس كاتم للصوت تم الحصول عليه من احدى الحاويات القادمة من الخليج!، احد الآلهة كان فيترجي قديم وصادف أن عثر على عطل ميكانيكي في مكينة عشتار ( كان يبخّر والرنكَات كَايمة!!!!) فتم ترفيعه الى آلهة باب ثاني!!، قال لهم : انا اقترح ان يتم تعطيل “البريك” في سيارة انكيدو الحديثة فتنقلب به السيارة حين يمر بضاحية المنصور وهو يتحارش ببنات اوروك، وربما يحتاج الوضع الى ترتيب محاولة اغتيال….انليل اقترح صنع فايروس يصيب انكيدو لانه مهمل ولايضع كمّامة على فمه وانفه…وهي طريقة تبعد الشبهات عن الالهة بانهم هم القتلة الحقيقيون، والايعاز الى قاضي تحقيق اوروك أن يسجل الجريمة ضد فاعل مجهول كالعادة!!…هكذا تم صنع اول فايروس في اوروك واسمته الالهة بفايروس كورونا…

الالهة لاتختلف عن المفخّخين الذين كانوا يفجّرون انفسهم بين ستين طفلا ، حظهم العاثر أوقف معهم جنديا أميركياً في بغداد الجديدة!!، الآلهة ومن باب اختبار البشرية، ترسل عليهم الصواعق والامطار والمرض والفقر والضفادع، فليكن هذا امتحان من الآلهة لسكان اوروك حتى يختبروا مناعتهم الصحية…، الآلهة الكريمة هيّأت لمن يموت منهم مقبرةً خاصة ليتم دفنهم بعيدا عن الموتى القدامى، أي كافر وخائن للوطنية بامكانه ان يتهم الآلهة بالتقصير في توفير مساحات واسعة من مقابرها الوطنية لينام الموتى فيها وهم مرتاحين ؟!..

شركة انليل التجارية لصنع الكمامات طرحت الملايين من بضاعتها المستوردة من الصين على انها صناعة المانية، وتم تحويل كامل المبالغ الى حساب الاله انليل في مصارف سويسرا…اللقاح الحقيقي لهذا الفايروس محفوظ لدى الإله إنليل!، وحده من يسمح بتفشي الفايروس…ومن ثم، وحده الذي يستطيع القضاء على الفايروس باخذ اللقاح الموجود لديه…اتظنّون ان صنع إله وصنع بطل قومي شغلة سهلة!؟!!..

بين ليلة وضحاها أصيب انكيدو بفايروس كورونا وخرطت صحته كتلة واحدة على الارض مثل …لباس اطويرش!!..

(خرب عرضك اطويرش…حتى لباسك الأبيض الذي يصل الى ركبتيك اصبح راية استسلام للعدو!؟)..

تم نقل المصاب انكيدو الى مستشفى الكندي في اوروك…ادخلوه الى ردهة الحجر الصحي!..قناني الاوكسجين تزود انكيدو بالهواء بعد توقف احدى رئتيه بنسبة 60 بالمئة…انكيدو الذي اشترك في قتل خمبابا والثور السماوي يشعر انه اضعف مخلوق يصارع فايروساً لايراه…بينما الفايروس لعب بيه تك كَول !!…

انكيدو في صحوة ضمير يستطيع ان يعترف بكل شيء وأن لايخاف من هذا المجتمع المصاب بالتوحد…الذي يعبر قنطرة الموت له ان يغسل يديه ورجليه من الجميع…يالك من مسكين أيها الولد الشقي…قضيت طفولتك وانت تقفز مثل القرود على أشجار وجودك القلق…وشبابك وانت تقفز من سرير امرأة لآخر …وكهولتك وانت تكفّر عن ذنوبك التي سطّرتها أمام عينيك من أجل سلطة سواك.. ها أنت في النهاية مسدوحٌ مثل جذع نخلة على سرير ابيض وتئن مثل عجوز انتهت صلاحيته في الوجود…ماذا فعلت بنفسك ياانكيدو؟…لو أنك خدمت الناس في احدى منظمات المجتمع المدني؟ انت تدري انهم حرامية بيت المال في اوروك…لكن اقلها انهم في خدمة الشعب!!… كان لك ان تلبس بيجاما مخططة وتقف في وسط الحديقة وبيدك صوندة ماي خابط، وان تبدأ برش الأشجار بالماء…ادري ان خدمات الماء الخابط غير موجودة…لك ان تملأ طشتا من الماء في باب بيتك…وان تقوم برش الاسفلت لتخلص شارعكم من التراب…اي بالطاسة…شبيك؟ هم هاي ماكَدرت عليهه يحظي؟! حتى هاي ماسويتهه لخدمة الشعب؟ زين …اسلق لك عشر بيضات واحمل معك عشرة ارغفة من الخبز واحمل معك عشر باكَات خِضرة…وروح مشي لاي امام او شيخ مدفون ببغداد…اقلها تكف شرك عن الناس…المشي رياضة تنفعك وتخلّصك من آلام عظامك…حتى المومس الفاضلة شمخة تركتك وحدك ولم تزرك برغم ان الزيارات الخصوصية مفتوحة لك على الدوام….شمخة طيّحت حظك ياانكيدو حين دخلت الى حياتك، كنت مرتاحا لانك كنت بعيدا في الغابة، السلطة اشبه بحديقة حيوانات وانت في قفص تدور حول نفسك، حينما تشعر بالجوع ترسل بطلب احدى الحيوانات المسجونة لتفترسها حتى تحافظ على ذاكرة انيابك التي تزرع الخوف تحت جلود الحيوانات، شمخة اخرجتك من نفسك وادخلتك بين فخذيها..لن تعرف الخروج بعد ان أغلقت شمخة باب الدخول ولبخته بمالج اسمنت ونثرثه بالرمل الخشن!…شمخة روّضتك مثل اسد لا يحسن سوى المزمزة بعظام ضحاياه..جعلتك نقيب اللحّاسين في وطن لم تنبت اسنانه اللبنية!!، ذنب شمخة الكبير انها فرّقت بينك وبين الحيوانات…وانت تموت ستعلم ان الحيوانات كانت اقرب المخلوقات اليك من الناس…. اقلها الحيوانات ماعدهه حسد وحقد وواسطة وتعيين ونقل وترفيع وكلهه تريد تستفيد براسك…الان تحمّل عدم تقديمك خدمة للشعب ياانكيدو!!!…

انكيدو وهو امطفي يتذكر الرشوة الوطنية التي طعن بها الآلهة انليل!، ويتذكر المومس الفاضل شمخة التي فتحت له فخذيها ليدخل بينهما!!، “أنليل” كان منشغلا حينها ببناء نص قطعة في قطاع 37 قريباً على السدة، وكان محتاجاً لباب خشبي كبير لغرفة الخطار، حينها جلب انكيدو له بابا خشبيا صنعه نجّار يسكن في “منطقة المعامل قريبا على بستان سامي!”…تذكر انكيدو الباب الكبير والثقيل، حتى ان سيارة مارسيدس اقجم كبيرة حملته وانفجر احد الإطارات بسبب طسّات الشارع الترابي التي لم تبلطه كوادر امانة اوروك!!..رفع انكيدو عينيه وخاطب “الباب” كما لو كان إنسانا مع إنه باب خشب غابة الأرز السماوي لا يفهم ولا يعقل:

“اخترت خشبك من مسافة عشرين ساعة مضاعفة قبل أن أبصر أشجار الأرز الباسقة،

إن خشبك، يا باب لم أر مثيلا له في البلاد، علوك اثنعش ذراعا،وأربع وتسعة اذراعة عرضك، لقد صنعك نجار ماهر في نفّر ونقله الى منطقة المعامل وجلبك منها .

أيها الباب لو كنت أعلم أن هذا ما سيحل بي وان جمالك سيجلب علي المصائب

إذن لرفعت فأسي وحطمتك، وان جمالك سيجلب عليَّ المصائب ولجعلت منك كلكاً “طوافة”، ولكن ما الحيلة يا باب وقد صنعتك وجلبتك لعل ملكاً ممن سيأتي من بعدي

سيستعملك ويزيل اسمي ويضع اسمه)…

[انكيدو حبيبي غرّد عن شمخة براحتك]..

(تعالي أيتها البغي اقدر لك مصيرك، وهو مصير لن ينتهي إلى الأبد، سألعنك لعنة كبرى، ستحل بك لعنتي في الحال، لن تستطيعي إن تبني بيتا يليق بجمالك، ليكن أكلك من فضلات المدينة، ستكون زوايا الدروب المظلمة مأواك، وفي ظل الجدار سيكون وقوفك، وسيلطم السكران والصاحي خدك، وعسى إن ينبذك عشاقك بعد إن يقضوا وطرهم من سحر جمالك)…

سمعه الإله شمش، لم يعارض على كل لعناته ضد كبير مجلس الآلهة “انليل”، لكنه اعترض على لعناته التي صبَّها على شمخة، [ ولما إن سمع الإله شمش كلامه ناداه من السماء وكلمه:

(علام تلعن البغي يا انكيدو؟ تلك التي علّمتك كيف يؤكل الخبز اللائق بسمةِ الإلوهية

واسقتك خمرا يليق بسمة الملوكية “ياناقص!”، وألبستك الحلل الفاخرة “يافكَر”، وأعطتك جلجامش الوسيم خلا وصاحبا (ياغدار!)، أفلم يجعلك جلجامش خله وأخيه؟

تنام على الفراش الوثير، أجل انه جعلك تنام على سرير الشرف!!، وأجلسك على كرسي الراحة الذي إلى شمال يساره، وجعل أمراء الأرض يقبلون قدميك، وسيجعل أهل أوروك يبكونك ويندبونك، ويجعل الفرحين من الناس يقرّبون القرابين ويصلون من أجلك، أما هو نفسه فسيطلق شعره من بعدك، ويلبس جلد الأسد ويهيم على وجهه في الصحارى)…

(ولما سمع انكيدو شمش البطل، هدات سورة غضبه، ندم انكيدو على كيل اللعنات للبغي فبدلها بركات إذ يعاود خطابه للبغي:

تعالي أيتها البغي لأقدر مصيرك، إن لساني الذي لعنك قد تبدل ليباركك، سيحبك الملوك والأمراء والعظماء، ولن يضرب أحد فخذه مستعيبا إياك، ومن أجلك سيهز الشيخ لحيته، وسيحل الشباب أحزمتهم من أجلك (لا ياكَواد!!…تموت ونفسك متعلقة بالكَوادة!)، وسيقدمون لك اللازورد والذهب والعقيق، وعسى أن يحل العقاب بكل من يمتهنك، ويكون بيته خالياً، وسيدعك الكاهن تدخلين إلى حضرة الآلهة، ومن أجلك ستهجر الزوجة، ولو كانت أم سبعة)..