23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

مخلمة جلجامش – 11

مخلمة جلجامش – 11

-١١-

خمبابا مواطن فقير لايملك اية واسطة في حكومة اوروك، حكومة اوروك نصفها آلهة ونصفها الثاني… آلهة!.. فكيف لمواطن نصفه فقير ونصفه الثاني… فقير! ان يتقرب من الجهاز الحكومي حتى يحصل على وظيفة؟

الحصول على وظيفة في زمن السلطات الجديدة امر اشبه بالمستحيل، الاحزاب تؤمن الوظائف لمن يدافع عنها وليس لمن يدعو لها في الظاهر… ويلعن الساعة السودة الي جابهه…( في الباطن طبعا!)..

يتذكر خمبابا : كنت نائما في بيتي الطيني متكوّرا على نفسي مثل قنفذ، دخل علي افراد من الشرطة، سيت راشديات وكوكتيل جلاليق لم اشاهدها او اسمع عنها من قبل، الشرطة فنانون في هذا النوع من السيتات والكوكتيلات التي تسلب الكرامة من البشر…اوثقوني ووضعوا الكيس الأسود على وجهي….اخذوني الى بيت من الطين…حين القوني على الأرض بلت على نفسي[ سمعت اطويرش لولا؟!…]، وبعد ساعتين حضر مسؤول حكومي كبير…الجميع أدى له التحية العسكرية..عرفتها من طبطبة بساطيلهم التي عزفت لحنا عسكريا في اذني، سمعت آمر المفرزة يقول:

-سيدي…. عد عيناك… جبناه!!..

احضروا للسيد المسؤول كرسيا من الطين ليجلس عليه…كانت الأصوات تتعالى داخل غرفة الطين:

-الله بالخير…الله بالخير…الله بالخير…[اين هو الخير الذي يأتي وانا مكوّم في زاوية مثل مجموعة نعل عتيكَة!]…

سألني المسؤول:

-انت المواطن خمبابا؟

-نعم سيدي!!!

-خمبابا احنه سألنه عليك اهواي.. لگينه سمعتك جيدة… وعاطل عن العمل، حتى ماعندك راتب مال رعاية اجتماعية… اتطگطگ العصريات بسوگ اوروك… ماخذ دربك… وراجع بدربك… بالرغم من ضخامة جسمك!…

-نعم سيدي !!!…

يأتيه راشدي على علباته وصوت يصرخ به:

-اسمع ولك…السيد المسؤول من يحچي لاتقاطعو!!..

-نعم سيدي!!…

-انته تريد تخدم الحكومة؟

-نعم سيدي!…

– الحكومة المصغرة لقيادة اوروك والقيادة الحكيمة تريد ان تكلفك بواجب وطني للحفاظ على اجهزة الدولة الديمقراطية خشية دخول الديكتاتورية إلينا من الشباك، هذا النظام الذي يحرص على بقائك على قيد اوروك وتطگطگ عصريات في السوق الشعبي في اوروك، النظام الان بحاجة إلى خدماتك السرية، لكن على نظام العقد… وان شاء الله حين تتوفر الدرجات الوظيفية فتأكد ان الاله “انليل” لن يبخل عليك بدرجة وظيفية، نحن نبني جيشا رديفا خارج الحدود ليكون على اهبة الاستعداد للتدخل في حالة تعرض اوروك لخطر داخلي طاريء، ومهمتك التي تكلفك بها الآلهة ان تكون حارسا لغابة الارز السماوية، وستصرف لك الحوافز والمخصصات اللازمة وهذا كتاب التعيين، وباچر تلتحق!!..

يتذكر خمبابا: ذهبت إلى علاوي الحلة فقالوا ان خط سيارات المحافظات الجنوبية في النهضة… فاستأجرت عربة يقودها ثور سكران، خمس مرات وگفونه المرور وسألوا السايق عن إجازته المرورية… المهم وصلت… والشرطة بالنهضة هماتين لزموه وقفلوا عليه وماعافوه الا بعد ان اخذوا منه رشوة وطنية واطلقوا سراحه قربة لوجه الله تعالى!!..

خمبابا يلتحق بوظيفته الجديدة التي لايعلم بها الا الإله انليل ابو الآلهة عشتار، واذا حدث اي خرق امني سيتبرأ مادام امر التعيين شفهيا، كيف يتم تكذيب آلهة وتصديق مواطن مكَرود لايملك حتى اجرة تاكسي ؟ الآلهة صادقة حتى لوكانت تسبح في هور الكذب صباح مساء…

خمبابا بجسمه الضخم، يدخل غابة الارز السماوي، يدوح في طرقها الترابية ويرقص كأنه حصل على لجوء سياسي في سويسرا… الارز اشبه بامراة تلبس الأخضر نكاية بالزمرد… والاحمر نكاية بالنار…خمبابا وهو يسير في دروبها اشبه بطلي لاتهمه الا اوراق الأشجار لياكلها حتى يرى شجرة الارز عارية… لينام تحت جذعها ويشخر!!!..

خمبابا لدى التحاقه راجع مدير المخازن فاعطاه بدلته الرسمية التي يرتديها اثناء الدوام الرسمي.. كانت البدلة عبارة عن جلد وحش حقيقي… قال له مدير المخازن [تبين فيما بعد انه ضابط أمن الغابة] :ان التعليمات الحزبية الصادرة من مكتب ممثل الاله انليل ان الموظف الجديد خمبابا ان يرتدي هذه البدلة من دون ان يسأل، نفذ… ثم ناقش، خمبابا لعن اليوم الذي وُلد فيه فقيرا وعاش وحشاً طيلة ايامه المعدودة… كانت وظيفته القبض على المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الغابة ليصلوا الى الطرف الثاني حين ينتظرهم القجقجية من اصحاب القوارب التي تعبر بهم الى.. الجانب الاخر من الحياة… لكن اغلبهم كان يغرق وتاكلهم قروش البحر!!!…