17 نوفمبر، 2024 10:23 م
Search
Close this search box.

مخطط الأخوان المسلمين … لتفتيت العراق

مخطط الأخوان المسلمين … لتفتيت العراق

غالبا ما تبدو النظرة المجزئة إلى أي حدث سياسي داخل الحدود المحلية المغلقة والإطار الوطني في اغلب بلدان العالم الثالث ومن بينها بلدان الشرق الأوسط  مظللة الى حد بعيد على الأقل في  فهم دوافعه ومحركاته الحقيقية والقوى الكامنة تحت السطح التي تخلق الحراك وتدفع به باتجاه مسرح الإحداث ….. فقد أثبتت تطورات القضية الوطنية في بلدان عديدة في القارات الثلاث التي تصارع عليها الأقوياء بشراسة منذ مطلع القرن الماضي  ان ما يبدو للوهلة الأولى وكأنة فعل وحراك محلي داخلي او انقلابات وتغيرات دراماتيكية لأصلة لأحد بها من خارج الحدود ما هي في حقيقة الأمر ألا امتداد لموجات قادمة من الخارج  تقتضيها مصالح القوى العظمى مخططاتها و التي قامت بدراسة هذه المجتمعات وتحليل شخصيتها وتاريخها وتركيبتها ومعتقداتها واستطاعت تدجين  الكثير من نخبها  في إسطبلات السياسة وكشفت اغلب تصدعاتها وبؤر خلافاتها العرقية والإيديولوجية والدينية حتى في إطار ألدوله القومية الواحدة التي لم تظهر بعد الحرب العالمية الأولى ألا بارادة المساحين البريطانيين والفرنسيين الذين رسموا الخرائط ودقوا الأسافين ودفنوا الديناميت في باطن الأرض حتى يحين الوعد .
 هذه الحقيقة الجوهرية التي غابت عن بال الكثيرين من الذين يتناولون بالتحليل واقع الأزمة العراقية الراهنة وما يجري في المنطقة العربية من صراعات وبراكين أسهب في شرحها البروفسور الراحل أدور سعيد في كتابيه الرائعين( الثقافة والامبريالية) و(الاستشراق) بما لا يدع مجالا للشك بان القوى العظمى التي اختزلت لأول مره في التاريخ بعد انتهاء الحرب الباردة بالقطب الأوحد  قادرة متى شاءت على تفجير التناحر والصراعات في الدول التي تمتلك مصالح استراتيجيه فيها بإخراجها إلى السطح مثلما تفعل بآبار النفط والغاز التي تحدد الكميات المستخرجة منها وأسعارها حسب طلبها واحتياجاتها في ظرف تاريخي معين .. بمعنى أنها لا تخلق دوما المشاكل في هذه المجتمعات بل تقوم باكتشافها و وتضخيمها و تفجر ما هو موجود في أعماق النسيج الاجتماعي من تناقضات متى ما شاءت وبمساعده قوى سياسيه معارضة غالبا ما تبلع طعم الشعارات البراقة وتساهم في تنفيذ هذه التغيرات  والمنعطفات الخطيرة في تاريخ شعوبها وقد تكتشف أخطاءها بعد فوات الأوان. مع قناعتنا المبدئية بان الخارج لا يستطيع أن يأخذ من الوطن ألا بمقدار ما يسمح به أبناء الوطن  أنفسهم  .

 قد يذكرنا هذا التشخيص الجدلي في التاريخ بعيدا عن نظرية المؤامرة  بمقولة هيجل حول ما يصفه ب “مكر العقل الكلي”. حيث يستخدم العنف واللين والمهارة والمكر وغيرها من الوسائل غير الأخلاقية، التي تحرك و تستغل  جشع الإنسان  وطبيعته الأحادية وموقفه من القومية و الدين والطائفة لتحقيق أهداف النظام العالمي الجديد، التي قد تكون خافية على أبناء الشعب الواحد المتعايش عبر ألاف السنين والذين يخدع بعضهم أحيانا بخطاب الدم الفائر حول ألطائفه والقومية ورفض السلطة الذي يحولهم من أشقاء وأبناء وطن واحد إلى أعداء متذابحين لتسيل دماءهم سدى وقد ترسم خارطة الوطن الجديد المجزأ ويتم تقطيع أرضهم ووحدتهم بحرابهم وبإرادتهم العمياء مثلما حصل في يوغسلافيا سابقا التي   كانت تمثل نموذجا للتعايش في أوروبا والبلقان وخاض شعبها أشرس حروب المقاومة ضد الغزو النازي بزعامة جوزيف بروز تيتو احد قاده حركه عدم الانحياز ومؤتمر باندونغ قبل ان يشعل الغرب نار الاستحقاقات الاثنية والدينية فيها بعد انتهاء الحرب الباردة وتفتيت الاتحاد السوفيتي بحيث تحولت بعد حروب عرقية دمويه ومجازر الى سبع دول صغيره كان للمجاهدين العرب والخطاب الأصولي دور أساس في تنفيذ أجندات تلك الحروب  في البوسنة والهرسك وكوسوفو بعد تدريب هؤلاء وإعدادهم في أفغانستان في الحرب ضد (الروس الكفار) أهم حلفاء العرب في حروبهم الوطنية وصراعهم العسكري ضد أعداءهم .
 
انه مبدأ ديني ذي طابع سياسي خطير استغله الغرب ببراعة و تمت صياغته منذ ان  غزا نابليون بونابرت ارض مصر عام 1798مستعينا بعدد من المستشرقين والعارفين بخفايا شعوب المنطقة ومللها ونحلها ، وكان  بونابرت أول من تعهد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وصولا الى  حقبه الرئيس الأمريكي ايزنهاور الذي وصف الشرق الأوسط عام 1956 ( بالساحة الفارغة)   حيث كان هناك تصور استراتيجي في الغرب مفاده  ان المشروع القومي الذي نجح في تفتيت ألدوله العثمانية  واتخذ منذ الخمسينات طابعا وطنيا ذي اتجاهات تقاربيه مع الاتحاد السوفيتي  بقياده عبد الناصر لابد من مواجهته وإجهاضه بالتقاطع مع  المشروع الإسلامي  الذي لابد ان يساهم في تفتيت المنطقة عبر طرح النموذج الإسلامي المشوه دون إدراك عمق الخلافات الطائفية والفقهية  وتشويه النص الديني والذي يبدو واضحا عبر قراءه دقيقه لتاريخ الصراع  السلطوي بعد وفاه الرسول( ص ) من هنا جاء تأسيس حركه الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م من قبل حسن ألبنا وعمره لم  يتجاوز 22 عاما  فقط عندما كانت مصر تحت الانتداب البريطاني .و.يكشف مسلسل (الجماعة)الذي أعده الكاتب المصري  وحيد حامد استنادا إلى وثائق رسمية سريه أن حسن ألبنا هو في الأصل  نجل يهودي مغربي هاجر إلى مصر وغير اسمه!! ولم يكن الكاتب يتخيل ان  السلطة بانتظار الإخوان في مصر بعد زواج عرفي مع( الشيطان الأكبر!!).

لم يتعص احد  في المنطقة من مصير منظري وقاده الجهاد الإسلامي والأصولية وما نجم عن تنفيذهم لتلك الأدوار الخطيرة لخدمه المصالح الغربية والترويج للشعارات المظللة لملايين المغيبين والأمين  والمهمشين والمتعصبين رغم انهم نقلوا الصراع الى خارج حلبته الحقيقية في قدس الأقداس وهؤلاء من أمثال عمر عبد الرحمن وأبو حمزة المصري والغنوشي وعمر بكري وأبو قتادة وأبو مصعب السوري تعامل معهم الغرب باحترام ومنحهم الجنسيات والحماية ومكنهم من  ترويج أفكارهم  المتطرفة وهو يعلم يقينا ان هؤلاء لا يؤمنون بالدولة المدنية والديمقراطية ويعتبرون الغرب( الكافر الصليبي) ألد أعداءهم لكنهم  كانوا يعدونهم لتنفيذ هذا المشروع الخطير للحيلولة دون  وصول تيارات الإسلام الحقيقي او الحداثة واللبرالية والقوى المؤمنة بالديمقراطية والدولة المدنية والتنمية في العالم العربي إلى السلطة والاستعاضة عنهم   باستغلال العواطف الدينية في العالم الإسلامي بما يخدم مصالح الغرب لان الدكتاتوريات العربية حاربت كل معارضيها وتوقفت عند حدود المساجد والتكايا والدرواويش ووعاظ الملوك ومروجي الخطاب الطائفي وفتاوى التكفير والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعضهم لازال ينكر حتى ألان كروية الأرض.!!
 
 ربما بعد فوات الأوان اكتشف منظر الجهاد الأصولي والمبشر بالحور العين للمجاهدين العرب في أفغانستان الفلسطيني الشيخ عبد الله عزام انه أخطا حين تناسى قضيه فلسطين معيار الذهب وأساس قياس الشرف والإخلاص للدين والوطن والعروبة وسار وراء مشروع بريجنسكي في أفغانستان لطرد الشيوعيين الروس من كهوف طورا بورا.. هذا المشروع  الذي نظر له سيد قطب متأثرا بآراء المودودي والذي تحول الى نهج مسلح  تكفيري عبر أفكار صالح سريه ومحمد عبد السلام فرج وعاصم عبد الماجد وعبد القادر عزيز ومولته أموال النفط ودرب مجاهديه العرب ضباط المخابرات المركزية الامريكيه في بيشاور والذي ولد في رحمه تنظيم القاعدة الارهابي… فما ان انسحب الروس حتى  تم اغتيال الشيخ عزام  في 24 نوفمبر 1989 من قبل المخابرات الامريكيه والباكستانية بواسطة خليه تابعة لأسامة بن لادن لأنه جاهر برفضه لأي احتلال او تواجد أجنبي على ارض إسلاميه وكان على خلاف شديد مع أيمن الظواهري واعترف عميل أردني مزدوج ان الظواهري كان وراء تصفيته.

 ولقي نفس المصير من نفس القوى الخفية القائد احمد شاه مسعود  الذي وقف بالضد من رباني وسياف وقلب الدين حكمت يار لأنه عرف صلاتهم المشبوهة بالأمريكيين والباكستانيين ألد أعداء المشروع الوطني في أفغانستان التي دخلت في حروب لن تنتهي أبدا  بعد ان اوصل الصراع حركة طالبان الى السلطه…نفس المجازر بين أبناء البلد الواحد نفذها المجاهدون العرب في الشيشان حيث شاركوا باغتيال سلمان راضوييف أشجع وأذكى القادة الميدانيين  ضد القوات الروسية …. وبنفس المهارة تعاون هؤلاء المجاهدون العرب ونقلوا احدث الصواريخ  والأسلحة الامريكيه وبضمنها صواريخ ستنغر الى كوسوفو وارتكبوا أبشع المجازر ضد الألبان المسلمين والصرب لأثاره الرأي العام ضد بلغراد … يقول الكاتب والمخرج البريطاني الشهير جون بيلغر مؤلف كتاب ( لا تقل أكاذيب ) نقلا عن قائد قوات الأمم المتحدة في البلقان عام 1999 الجنرال لويس ما كنري قوله : أن اغلب الذين ارتكبوا المذابح ضد المسلمين الألبان في كوسوفو كانوا من المرتزقة من الشيشان والأفغان والمجاهدين العرب وقوات لبلاك ووتر واتهموا لاحقا الصرب بارتكابها …
 و لعل ما تركه المجاهدون في السودان والصومال ثم في مالي من تمزق وصراعات أهلية  يكشف عن حقيقة هذا التيار ومن يتحكم به ولمصلحه من يعمل  بعد ان بلغ المشهد ذروته بالإعلان عن تصفية احد أهم قادته أسامة بن لادن في حكاية غامضة محيره. ليبدأ بعدها نقل المجاهدين لتحقيق سيناريو الربيع العربي في  ليبيا تحت إشراف الناتو ومشايخ الجهاد ومن ثم  انتقلوا إلى سوريا ليتحول اسم القاعدة المستهلك والممقوت إلى (جبهة ألنصره) ومقاتليه خليط من القادمين من كهوف أفغانستان وبنغازي والشيشان والمغرب والنيبال وباكستان بقياده وتوجيه مرتزقة وضباط  مخابرات أتراك وعرب وفرنسيين وبريطانيين سبق للمئات منهم أن  مارسوا الذبح والتفخيخ والاغتيالات في العراق .

أحدث المقالات