22 ديسمبر، 2024 8:18 م

مختطف ..عابر للطائفية

مختطف ..عابر للطائفية

.اعجبتني كثيرا قصة ذلك الرجل الذي كان يختطف الأطفال من شوارع بيروت عام 1937،اذ اكتشف الأهالي فجأة غياب باعة العلكة واليانصيب وماسحي الأحذية وبائعي الورد من الأطفال الحفاة والمتسولين الفقراء فدب الذعر و الهلع في نفوس اهاليهم . و بدأت الاتصالات و التبليغات عن فقدانهم تتوالى . و اذا بخاطف الأطفال هو وزير الدفاع الوطني آنذاك رشيد بيضون الذي اخذ حوالي ٤٠٠ طفلا واشترى لهم الثياب و الاحذية و كل مايلزمهم ووضعهم في المدرسة العاملية الابتدائية التي اسسها لاستقبالهم و تعليمهم على نفقته الخاصة . و اتصل باهاليهم و قال لهم : انا اتكفل بتعليمهم جميعا و ادفع لهم مصاريف عيشهم من اكل و ملبس و صحة . وسادفع اسبوعيا مساعدات للاهل تعادل ما كانوا يجنونه من عملهم .و بعد مدة تخرج غالبيتهم من المدرسة العاملية بشهادة البكالوريا . و ارسل القسم الاكبر منهم إلى ألمانيا و فرنسا و اوربا لمتابعة دراساتهم الجامعية .كان بيضون الذي لم يرزق اطفالا هومن أسس أول صرح علمي في بيروت يضم كل الطوائف ..فكل ماكان يهمه هو تعليم الأطفال وانتشالهم من مصيرهم المظلم على اعتبار ان التعليم هو القوة الحقيقية لأي بلد ولايمكن لأي مجتمع ان يتطور ويجاري البلدان الأخرى مالم يحرص على تعليم ابنائه ويحارب أميتهم بكافة الوسائل واولها انقاذهم من الفقر الذي يعد سببا اول لتفشي الأمية فمن لايجد في منزله كسرة خبز تسد جوع اطفاله سيضطر بالتأكيد الى الاستعانة بهم لمساعدته على دفع عجلة الحياة بأكفهم الصغيرة وتجاهل اصوات اقرانهم من التلاميذ وهي تجتاز جدران المدارس لتتناهى الى اسماعهم وتذكرهم بتخلفهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية والحصول على أبسط حقوقهم في تنوير عقولهم ذلك ان من الممكن تقييد المرء وتعذيبه وتدميرجسده – كما يقول غاندي – ولكن لايمكن أبدا لأحد أن يسجن عقله ، فالعقل يظل حرا ويمكن ان يكون متنورا ، وهو الأمر الذي يرعب من يسعى الى تجهيل الشعب واخضاعه لطاعته والسير مغمض العينين الى صناديق الانتخابات ، فاذا كانت الأسرة أمية وفقيرة ولاتهتم بالتعليم لعدم قدرتها على تكاليفه وتصدق الشعارات الانتخابية وكل ماتتصور انه سيخلصها من معاناتها فمن المؤكد انها تحقق للساسة الفاشلين اهدافهم في حشد أكبر عدد من الناخبين الأميين حولهم ..
اطفالنا بحاجة الى من يختطفهم من واقعهم المزري ويوفر لهم أبسط حقوقهم ..بحاجة الى من يوفر لهم لقمة العيش ويفتح لهم ابواب المدارس لأن الأمية تلاحقهم جنبا الى جنب مع الفقر والحروب والنزوح والعنف الطائفي والظروف السياسية غير المستقرة ، وتكاد تنتصر عليهم بعد أن تحول العراق من متفوق في القضاء على الأمية وحاصد لجوائز منظمة اليونسكو في السبعينات الى بلد تتفشى فيه الأمية بشدة وتتزايد في انتشارها مع بقاء أسبابها شاخصة ..
في اليوم العالمي للأمية الذي يحتفل به العالم اليوم ،من أين لنا اذن بمسؤول عابر للطائفية مثل بيضون ليختطف اطفالنا ، ومن أين لنا بساسة ناجحين يجدون تقدم البلد في تعليم ابنائه ولايبحثون عن مصالحهم في تجهيله !!