ضمن إصدارات الشعر العربي وعن دار الشؤون الثقافية ، يقدم محي الدين إسماعيل عبر ( نشيد قابيل ) مجموعة من التدابير لوضع أساطيره المختارة في موضعها المناسب ، وما يليق بتلك التدابير صفاتها المتمثلة بالخوف والرعب والتيه ، لتناجى الأشياء بالأشياء الوهمية في محاولة من أجل إكتمال تكاملها وتوليد قوى إنشطارية للخيال تصاحب يومياته ومستعرضات بصيرته وتداخلاته الصوتية التي لاترتب حاجاتها في سماعه ، وهنا لابد من وجود معطى حرفي يتنامى في الذات كوحش غريب بومضات ساخرة من الضوء والبعوض ، وتلك كلها مرتكزات يضعها محي الدين إسماعيل يضعها أمام مفاصل الكون المشلولة ليبدأ بتحريك الصوت واللون ورسم النص بالمجس الموسيقي وهو نفسه الذي يقول ، يقول: ولماذا كل هذا ،
أي أنه بدأ بإعداد سؤاله وما عليه إلا أن يجلب الحطب ويغني أغنيته عن النجوم رغم أنها بعيدة عن روحه ،
ولماذا كل هذا ،
كل هذا لتحقيق الإنتقالية ، إنتقالية الأشياء الجافة الى الأشياء الرطبة ، لأن حبة القمح تحتاج ذلك ، وتحتاج ذلك عين الديك ، وتلك المسافة بين الحاجتين مُقدرة ومخبوءة في الجمرة الخامدة وعند الرصيف السقيم ،وها هنا تجد (نشيد قابيل ) عبر زمكانيةِ مدينةٍ ليوثقها من خلال آلهة الفناء في سعي متواصل للإبقاء على لغته التي إختارها لتواكب المقدرات الغيبية بصرامة المعجز الغرائبي وبتواصل مركز مع الأحداث والوقائع لإستكمال ضرورة القصد من حواره الخطابي فأستحضر إبليس وبلقيس وسليمان ولم يعط لذلك الحضور بعدا دينياً ،أو تأكيدا لرمز ما رغم ورود تلك الشخصيات ومعرفته مسبقا بماذا تعني ،
وكلما عبرت به صورة شعرية لأخرى يعيد تسأله ، سؤاله الذي أعده سلفا : ولم كل هذا ..
إن الخلق الشعري في (نشيد قابيل ) قد إعتمد على التضادات اللاحسية وعلى الوعي بجدية العقل وبجدية السخرية وبالسمات الغامضة التي تطلسم الحكايا وتعيدها من الزمن المتهالك الى زمن التوالد والإستشعار :
ثم طرق الباب آدم على حواء ، وأبناء آدم على بنات حواء ،بعد ذلك تردد خبر في عالم البلقع اليباب أن قطرات من المطر تهطل مع الفجر ، وتدور عجلة الأصلاب والأنسال من جديد ،
ثم ولم كل هذا :
كل هذا يجده محي الدين إسماعيل في الخروج من حياة الوهم ، وأكتشاف البداية ، بداية الحكايات العميقة التي تملأ الأرض وتملأ الفكر التخيلي وهي تبحث عن منفذ للهبوط الى الأرض ومحاكاة الإنسان ،