محيميد هذا سائق في أحدى دوائر الدولة التجارية (يعني اسم الوزارة)، كان سائقا” فقيرا” راتبه قليل ومصروفه أكثر لايقوى على مصاعب الحياة وأحتياجاتها الكثيرة،وكان محيميد قبل سقوط النظام السابق أنسانا” بائسا” بالكاد يستطيع العيش والمعيشة هو وأفراد عائلته،وبسبب حالته المادية والتي أثرت بالتالي على هيئته الجسمانية النحلية،كان لاأحد يقترب اليه ولا يحب الاقتراب منه أو حتى الاختلاط به، لقد كان أنسانا” بائسا” بمعنى الكلمة. يبحث عن الكفاف في المعيشة والملبس والمسكن ولايستطيع الحصول عليه وحتى الحلم به.
وبعد سقوط النظام السابق وأحتلال العراق من امريكا والقوات المتحالفة وغير المتحالفة معها وحدوث التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق،وبعد ان تغيرت نفوس الناس وأمزجتهم وأنقلبت قوانين الحياة رأسا” على عقب،بعد حدوث الانفجار الكبير في العراق والذي ما زالت تبعاته مستمرة الى وقتنا الحالي،وهي أخذه في التطور نحو مديات ومنحيات خطيرة أثرت وستؤثر على البنية الاجتماعية للشعب العراقي،على أية حال(محيميد)وصلت اليه فكرة التغيير قبل الاخرين وهو عن حسن نية أو قد تكون كما نقول(أمه دعياله) في أمثالنا الشعبية،أصبح سائقا” للمدير العام في أحدى دوائر الدولة.
أن كل مدير عام هو أمبراطور ورئيس جمهورية في دولته عفوا” أقصد دائرته،يكون هو حامي الحمى وصاحب الحل والعقد والمتحكم في أمور الناس بدائرته،أختير محيميد سائقا” للمدير العام وفق مواصفات معينة وخاصة حددها المدير العام مع بطانته،ومن أولى وأهم تلك المواصفات هو ان يكون السائق كتوما” أي لايرى ولايسمع ولا يتكلم أو بالعراقي (ياكل ويوصوص) وبالفعل محيميد نادرا” ما نسمع صوته أو حتى نسمع بتحركاته أنه بالحقيقة شخص مخفي ،ركب محيميد سيارات المدير العام الفارهة أطلع على عائلة معالي السيد المدير العام ، أصبح الخادم المخلص وكاتم أسرار عائلة المدير، النعمة والوجاهة وتغير الاحوال طرأت على حياة محيميد الاقتصادية والاجتماعية وأضحى ذلك الشخص القليل الكلام والمقل فيه الى خطيب مفوه بعد أن تكالب الناس اليه وتقربهم وتمسحهم به وكأنه هو شخص المدير العام وليس سائقه، لقد أصبح من بطانة أقصد عصابة المدير العام بل أصبح فرد اساسي في مكتب وسكرتارية السيد المدير،وبدأ محيميد يأخذ بعض أدوار المدير العام وذلك لتفرغ المدير العام الى مهمات جسيمة اكبر(الله يكون في عونه) وحتى عندما جاءت دورات تطوير في اللغة الانكليزية لتلك الدائرة بعاصمة الانكليز(لندن)كان محيميد المرشح الاول والوحيد لتلك الدورة على الرغم من انه بالكاد يعرف اللغة االعربية،وبالفعل سافر محيميد الى لندن لمدة شهر كامل وعلى نفقة الدولة لتطوير مهاراته باللغة الانكليزية.
في دوائرنا مئات بل الالاف أمثال السائق محيميد ولقد أستفحل أمرهم مثلما أستفحل أمر أسيادهم المدراء وأضحوا يشكلوا طبقة خاصة في التسلسل الوظيفي العراقي الجديد،بعيدين كل البعد عن المحاسبة لانهم بعيدون عن الاخطاء فهمهم الاكبر وغايتهم الاسمى خدمة السيد المدير العام وافراد عائلته.
الامر أصبح ظاهرة أجتماعية جديدة تحتاج من الجميع وقفة جادة وصحيحة لننتشل حالة الدولة والتي أحتلت مرتبة متقدمة جدا”في سلم الدول الفاشلة (يعيب البعض تسمية الدولة الفاشلة ووصف حكومة العراق بها،لكن صدقوني أن دولة ودوائرها يكون للسائقي سيارات المسؤولين فيها أعتبار أجتماعي أكبر من حجمهم الطبيعي ويكون لهم دور في تمشية أمور دوائرهم اليومية بالتأكيد هي دولة فاشلة بل هي في طليعة الدول الفاشلة). أقول حتى نبتعد عن حالة الدولة الفاشلة وحتى نقلل من حالات الفساد الاداري المستشري في وزاراتنا ودوائرنا يجب ملاحظة الدور الرئيسي الذي تضطلع به البطانة المقربة من سيادة المدير العام، حيث هنالك مجموعة متحكمة ومتسلطة ذات صلاحيات واسعة،ومن الحلقات المهمة في تلك البطانة هم سواق المدراء العامون. فمثلما يجب سن التشريعات والقوانين الخاصة بتحديد فترة للمدير العام في دائرة واحدة،وعمل مناقلة مابين دوائر الدولة يجب تحديد فترة معينة للأفراد العاملين في مكاتب المدراء العامين وأيضا”يجب مراقبة سواقهم وتغييرهم مابين فترة واخرى، وبذلك تستطيع الدولة السيطرة على بعض حالات الفساد،وحتى لايستطيع هولاء أستغلال مواقعهم ومناصبهم بسبب تقادمهم فيها.
لقد تركنا أخونا محيميد منتظرا” لفترة طويلة وهو وقته ثمين جدا” وعند العودة اليه نضرب أخماسا” بأسداس لان محيميد سطع نجمه وبزغ قمره, فهو لايستقبل كل من هب ودب, وأننا نحتاج الى موافقة مسبقة لرؤيته وسبحان مغير الاحوال من حال الى حال, وحقا” ان لله في خلقه لشؤون.