تتفاقم المعاناة الإنسانية للاجئين الهاربين من جحيم طالبان و فوضى السلاح في العراق بسبب البرد والظروف المعيشية الصعبة الأخرى, فقد تناقلت الوكالات الاخبارية نبأ العثور على جثة امرأة عراقية على الحدود البيلاروسية – البولونية, مع تبادل اتهامات بين الطرفين في المسؤولية عن الجريمة.
ولقد تحولت معاناة هؤلاء اللاجئين إلى ورقة للضغط في الصراع السياسي والإعلامي بين بيلاروسيا وبولونيا بالخصوص ثم جمهوريتي البلطيق لاتفيا وليتوانيا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المتحاددة مع بيلاروسيا.
الحكومة البولونية التي يقودها حزب القانون والعدالة اليميني والتي كان لها مواقف متشددة من إيواء اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط في السنين الماضية واغلبهم من السوريين, والتي رفضت اقتسام استقبالهم, حسب نسب اقترحها الاتحاد الأوروبي, صعّدت من رفضها لقبول أي طالب لجوء قادم من حدود بيلاروسيا بسبب العداء الأيديولوجي لنظام الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو وقمعه المعارضة اليمينية من جانب ثم تحالفه المتين, من جانب آخر, مع روسيا وعلاقاته الشخصية المميزة مع رئيسها بوتين الذي تنظر إليه المجموعات القومية البولونية باعتباره قيصراً جديداً.
لوكاشينكو من جانبه, وعلى خطى أردوغان, فتح أبواب مطاراته وحدود بلاده أمام اللاجئين الراغبين بالعبور إلى دول الاتحاد الأوروبي, كرد فعل على فرضها العقوبات على نظامه وشخصيات بارزة فيه, بما فيهم رئيس البلاد لوكاشينكو نفسه بعد اعتقال أحد قادة المعارضة اليمينية في البلاد وقمع الاحتجاجات ضد سياساته الداخلية.
تدفق اللاجئين إلى حدود بولونيا وليتوانيا ولاتفيا جعل حكومات هذه البلدان الاتفاق على إجراءات مشتركة ( ليس منها إيجاد حلول انسانية وإنهاء معاناتهم حسب القانون الدولي ) تمنع بموجبها تجاوز حدودها مع بيلاروسيا بأي شكل من الأشكال, بدأتها بولونيا بنشر الأسلاك الشائكة على حدودها وتسيير دوريات مسلحة من الجيش البولوني, ثم اتفقت سلطات الدول الثلاث على فرض الأحكام العرفية في المناطق الحدودية مع بيلاروسيا ونشر حرس الحدود, لإجهاض محاولات لمنظمات حقوق الإنسان وأحزاب يسارية وليبرالية لتقديم المعونات وفتح ثغرات في الحاجز لتيسير مرور المحتجزين على الحدود.
تسوق الأوساط المحافظة البولونية والكنسية مبررات, يراها الكثير من المهتمين بالازمة, بأنها واهية وليست واقعية, فهي تخشى إمكانية استيطان هؤلاء اللاجئين الذي سيهدد الهوية الثقافية للبلاد والنسيج الاجتماعي, ويفاقم من أزمتها الاقتصادية..
إلا أن المعروف أن تشبث كل لاجيء بأدنى إمكانية للحصول على فرصة حياتية واعدة, لايعني بالضرورة رغبتهم في البقاء والاستيطان في هذه البلدان المصنفة بالأضعف اقتصادياً في الاتحاد الأوروبي, إنما يسعى أغلبهم للتوجه إلى بلدان أوروبا الغربية الغنية مثل ألمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية… لطلب اللجوء.
أحزاب اليسار ومنظمات حقوق الإنسان وشخصيات كنسية كاثوليكية, يعتبرون ان البلاد أمام امتحان أخلاقي, ولا يرون مبرراً لعدم استقبال الدولة البولونية لعدد محدود من اللاجئين في الوقت الذي تستقبل به دول الاتحاد الأوروبي من 4 – 4,5 مليون بولوني يتوزعون على أراضيها…
كما أنهم حملوا حكومتهم والناتو والولايات المتحدة بالخصوص, المسؤولية عن الأزمة, لأنها أعطت شعوب هذه المناطق أملاً في حياة آمنة ولكنها نصبت حكومات فاسدة, ثم انسحبت فجأة بعد 20 سنة من احتلالها لأفغانستان دون أن تنجح في إرساء أسس نظام ديمقراطي رصين فيها, وكذلك الحال ينطبق على العراق الذي يعيش نهباً للفساد وسلاح القتلة.
نتساءل: هل نحن ياترى امام ( ستار حديدي جديد او جدار برلين آخر ) تعليه الدول التي كافحت لاسقاطه يوماً ما ؟!!