23 ديسمبر، 2024 1:16 ص

محنة العراق والأودية المهلكة!

محنة العراق والأودية المهلكة!

صدق الرئيس الأمريكيّ السادس عشر أبراهام لنكولن ( اغتيل في 15 نيسان/ أبريل 1865) حينما قال: ( إنّ البيت المُنقسم على نفسه لا يستطيع النهوض)!
الانقسام في عراق اليوم هو انقسام فكريّ وعقائديّ ومجتمعيّ وأمنيّ وسياسيّ، فكيف يمكن أن تنهض البلاد وسط هذه الانشقاقات العميقة؟
ثمّ لماذا تترنّح الدولة العراقيّة في أودية الفشل والضياع، وأين الخلل، ومنْ المسؤول عن هذا التشرذم في غالبيّة المجالات؟
ما يجري يَأخذ ألباب الحكماء، ويُذهل العقلاء، ويحيّر العلماء ويضيّع الدهماء، أو عامّة الناس!
هل يعقل أنّ العراق ليس فيه شخصيّة واحدة يمكنها أن تُعدّل المركب، وتُلملم شتات البلد، وتُنقذه من الغرق؟
هل يعقل أنّ كلّ ما يُقال في المحطّات التلفزيونيّة ووسائل الإعلام المتنوّعة من المقالات والدراسات والتحليلات، وبينها آراء دقيقة وحكيمة، هي مجرّد صرخات في أودية سحيقة مهلكة لا أثر لها على الأرض، وأنّ السياسيّين يتجاهلونها كأنّهم في برج عاجي لا يهمهم ما يدور حولهم؟
هذا الحال المتآكِل جعل اليأس يدبّ في نفوس بعض (الوطنيّين والمثقّفين)، بينما يرى البعض الآخر بأنّها بداية التغيير المرتقب في العراق، رغم ظلمات الوديان العميقة، والمتاهات المخيفة!
وهنا يحقّ لنا أن نتساءل هل للعراقيّين أيّ مخرج من محنتهم؟
حالة الملل من الواقع وصلت حدّها، والنفور من الحلول (التخديريّة) وصل لمرحلة القنوط بعد أن تشبّعت عقول الناس بالوعود، ونفرت نفوسهم من الانتظار، وضاقت أرواحهم ذرعًا بتلك الحلول الوهميّة، أو البعيدة كالسراب الذي لا يمكن الإمساك به!
فهل سيبقى الحال هكذا لسنوات وسنوات؟
وهل الحلّ بيد الحكومة، أم الشعب، أم الطبقات الواعية؟
بلاد بلا حكومة واضحة المعالم، ومرفوضة من ساحات التظاهر، وخزينة الدولة في طريقها للإفلاس لأنّ 95 بالمئة من وارداتها تعتمد على سوق النفط المتدهور، وفيروس كورونا يتنامى في كلّ ساعة ولا أحد يعلم حجمه، وفوضى سياسيّة عارمة، ومخاوف من قطوعات كبيرة لرواتب الموظّفين، أو ما أسمته الحكومة الادّخار الإجباريّ باقتطاع 35 بالمئة من مخصّصات الموظّفين على أمل إعادتها في حال تحسّنت أسعار النفط!
واقع مليء بمشاكل عميقة ومتداخلة، وبلا حلول جذريّة، وحكومة حائرة وتتجاهل غالبيّة تلك المشاكل الكبيرة!
إنّ الوقوف على جوهر مشكلة العراق، وتفهمها بعمق وموضوعيّة، وتمحيصها تمحيصًا ذهنيًّا وطنيًّا أصيلًا يمكن أن نستلهم منه روح الاندفاع، وتلمّس بعض الضوء الذي يستنير به الوطن للوصول إلى ذلك النور المليء بالرحمة والتكاتف والعدالة والازدهار والإنصاف!
الأفكار الصحيحة تستدعي من الجميع الوقوف بجانب أصحابها والقفز على المصالح الشخصيّة والقضاء على (الأنا) والشَخْصَنة وزرع مفاهيم المصلحة العامّة القائمة على تحقيق الذات الجمعيّة عبر فريق متكاتف!
المفاهيم العميقة والحلول العمليّة لا يمكن قطف ثمارها بين ليلة وضحاها، وهي بحاجة لتطوير الخطاب الوطنيّ والإعلاميّ والدينيّ والمجتمعيّ للنهوض بالإنسان ليقف على قدميه بوجه الذين سرقوه باسم الدين والوطن و(النضال) ضدّ (الدكتاتوريّة)!
المثابرة وترك الراحة والدعة، وشدّ الأحزمة، والتسلّح بحبّ الوطن والاستعداد للبذل والعطاء في سبيله كلّها مقدّمات لبناء الإنسان والدولة والمستقبل!
وكذلك التفاعل الحقيقيّ ودوام التفكير الجماعيّ المثمر هو القوّة الدافعة نحو التغيير، والقادرة على البناء، واجتثاث الخراب الفكريّ والأمنيّ والمادّيّ من جذوره، والدافعة للعمل والعمران على أسس متينة وعميقة قائمة على الجرأة في مواجهة الواقع، والاستعداد للبذل من أجل التغيير، وعدم القفز على السلبيّات لبناء (وطن) على الأنقاض!
السعي لبناء (وطن) على الأنقاض دون الاجتهاد لمعالجة جذور تلك الآفات وتراكماتها هي محاولة “خبيثة” من أعداء الحياة للاستمرار في تخريب الدولة، وتدمير الناس عبر مخطّطات سياسيّة وعمرانيّة وهميّة وسقيمة!
الأداة الوحيدة لردم الانفصام بين الشعب والدولة العراقيّة هي السعي لبناء منظومة الدولة العادلة، وهذه بدورها تقود لمرحلة بناء الإنسان، وهي المرحلة الأهم، ودون هذه الخطوات لا يمكن لأيّ قوّة أن تنجح في قيادة البلاد، حتّى ولو بالقبضة الحديديّة!
بناء الوطن يبدأ بتحديد المشكلة، وعدم السعي لتشتيتها، ثمّ بتلبية احتياجات الناس، وتنظيم مرحلة انتقالية ضمن برنامج وطنيّ شامل تشارك فيه كلّ القوى النقيّة بعيداً عن سُرّاق الحياة والوطن وساعتها يمكن القول إنّنا وضعنا قطار العراق على المسار الصحيح لنصل في نهاية المطاف لتحقيق الدولة العادلة والحياة الكريمة للمواطنين!