23 ديسمبر، 2024 7:05 م

 ان في عصرنا هذا – وللأسف الشديد – عصر التكنولوجيا والعلم وهناك من يؤمن بوجود السحر وان السحر هذا يغير حياة الانسان ويبدل مستقبله ، وانه كذلك يؤثر على نفسيته ، ويجعله يفعل اشياء لا يدري انه قد فعلها ، فهو يتصرف بأفعال وامور يفترض ان لا يفعلها لكنه يفعلها مرغماً بتأثير السحر ، على حد زعمهم .

   والطامة الكبرى هناك بعض الفضائيات المأجورة تروج الى ذلك مستغلة بذلك الجهلة والسذج من الناس وانصاف المتعلمين ، وهنالك دجالين ومشعوذين يستغلون هؤلاء الجهلة ، فيقبضون منهم الثمن بالدولار بحجة ان الشخص المصاب الذي يراجعهم بانه مصاب بالسحر و ( متلبس) اي مصاب من قبل الجن ، اذ يقوم الدجال بقراءة بعض آيات القرآن ، وبكلام غير مفهوم وليس له اي معنى وعلى سبيل المثال كقول بعضهم (خرتوش،برتوش،نفرتوش قاروش ) او(برهتيه ،طوران مزجل ،بزجل ) فيوهمون المقابل بانهم يخاطبون الجن بهذا الكلام ، ويطلبون منه فك السحر ودفعه عن المصاب وهم بهذه الخزعبلات ينصبون على الناس ويأخذون اموالهم .

   وفي العالم العربي والاسلامي هناك كثير من (التكايا) التي تروج لهذه البضاعة في العراق ومصر والسعودية والكويت والاردن ودبي والسودان وغيرها من البلدان الاسلامية .

   وغالباً ما تنتشر هذه الامور وتسوق في البلدان الفقيرة والنامية ، وحينما ينتشر الجهل والفقر والبطالة وكذلك حينما تتأزم الحكومات وتضعف هيبة الدولة ، ولم تكن الاجهزة الامنية بقادرة على حفظ الامن والنظام ، اذ تنتشر مثل كذا قضايا على نطاق واسع وفي المدن الشعبية بالذات ، كما راينا في العراق بعد سقوط نظام صدام ، اذ ان هناك كثير من السماسرة راحوا يروجون لهذه البضاعة ويفتتحون ( تكايا) خاصة بهم .

   مفهوم السحر

   قال الراغب في (المفردات) ((والسحر يقال على معان : الاول الخداع وتخيلات لا حقيقية لها نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الابصار عما يفعله لخفة يد ، وما يفعله  النمام يقوم مزخرف عائق للأسماع وعلى ذلك قوله تعالى {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } (الاعراف :116) وقال (يخيل اليه من سحرهم ) (طه : 66) وبهذا النظر سموا موسى عليه السلام ساحراً فقالوا : (يَا أَيّهَا السَّاحِر ادْعُ لَنَا رَبّك) (الزخرف :49).والثاني : استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب اليه كقوله تعالى ( هل انبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك اثيم) ( الشعراء : 121 ،122) .

   وعلى ذلك قوله تعالى (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (البقرة:102) والثالث : ما ذهب اليه الاغتام وهم اسم لفعل يزعمون انه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الانسان حماراً ولا حقيقة لذلك عند المحصلين . وقد تصور من السحر تارة حسنة فقيل ان من البيان لسحراً وتارة دقة فعله حتى قالت الاطباء الطبيعة الساحرة وسموا الغذاء سحراً من حيث انه يدق ويلطف تأثيره ، فقال تعالى : { بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} (الحجر:15) اي مصروفون عن معرفتنا بالسحر . وعلى ذلك قوله تعالى : ( انما انت من المسحورين) (الشعراء :143) قيل ممن جعل له سخر تنبيهاً انه محتاج الى غذاء )) ( راجع ص233) .

يقول الزمخشري في تفسيره عند تفسير الآية 102 من سورة البقرة : (يفرقون بين المرء وزوجه : اي علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين من حيلة وتمويه كالنفث في العقد ، ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك (الكراهية) والنشوز (الانحراف والخروج) والخلاف ابتلاء منه لا ان السحر له اثر في نفسه بدليل قوله تعالى (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) .

لأنه ربما احدث الله عنده فعلاً من افعاله ، وربما لم يحدث ) ( راجع ص159ج الثاني )

  ويقول ابن كثير في تفسيره ما ينقله عن ابي عبد الله القرطبي ( وعندنا ان السحر حق له حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافا للمعتزلة وابي اسحاق الاسفراييني من الشافعية حيث قالوا : انه تمويه وتخيل ، قال : ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة ، والشعوذة : البريد لخفة سيره ، قال ابن فارس : وليست هذه الكلمة من كلام اهل البادية ، قال القرطبي : ومنه ما يكون كلاماً يحفظ من اسماء الله تعالى ) (راجع ص191 تفسير القرآن العظيم من الجزء الاول ) .

ويروون عن النبي انه قال : ( حد الساحر ضربه بالسيف ) وينقل ابن كثير عن الرازي انه عدد انواع السحر بثمانية . الاولى : سحر الكلدانيين ، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة ، وهي السيارة ، وكانوا يعتقدون انها مدبرة العالم ، وانها تأتي بالخير والشر . والثاني : سحر اصحاب الاوهام والنفوس القوية . والثالث : من السحر ، الاستعانة بالأرواح الارضية وهم الجن خلافا للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين : مؤمنين ، وكفار وهم الشياطين . والرابع : من السحر التخيلات والاخذ بالعيون . والخامس : الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية كفارس على فرس في يده بوق . والسادس : الاستعانة بخواص الادوية يعني في الاطعمة والدهانات . والسابع : التعليق للقلب ، وهو ان يدعى الساحر انه يعرف الاسم الاعظم وان الجن يطيعونه . والثامن : السعر بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس . ( راجع تفسير ابن كثير ج1 ص118 وما بعدها ) .

 فيا ترى ما نوع السحر الذي اصاب محمد على يد لبيد بن الاعصم اليهودي ، كما يدعي اصحاب الحديث .

اصابة محمد بالسحر  .

   قال البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه ، والفظ للبخاري : (( عن عائشة رضي الله عنها قالت : سحر رسول الله (ص) رجل من بني زريق ، يقال له لبيد بن الاعصم ، حتى كان رسول الله (ص) يخيل اليه انه يفعل الشيء ، وما يفعله ، حتى اذا كان ذات يوم او ذات ليلة وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ، ثم قال : يا عائشة ، اشعرت ان الله افتاني فيما استفتيته فيه ، اتاني رجلان ، فقعد احدهما عند رأسي ، والاخر عند رجلي ، فقال احدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الاعصم ، قال : في اي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر . قال : واين هو ؟ قال : في بئر ذروان . فاتاها رسول الله (ص) في ناس من اصحابه ، بجاء فقال : ياعائشة ، كأن ماءها نقاعة الحناء ، او كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين . قلت يا رسول الله : افلا استخرجه ؟ قال : عافاني الله ، فكرهت ان اثور على الناس فيه شراً ، فامر بها فدفنت )) (البخاري، كتاب الطب باب السحر الحديث رقم 5763 ) .

   فاذا كان محمداً وهو نبي ، مسدد من الله يفعل به السحر ما يفعل ، فما بال الانسان البسيط الذي لا حول له ولا قوة . ومن هذا الباب وغيره فان المشعوذين والدجالين ينصبون على الناس ، وعلى مدة تاريخ طويل ، الى ان جاء عصر العلم فاسقط النظرية هذه ، الا ان السذج من الناس ما زالوا يؤمنون بها ولا يريدون ان يخضعوا لمعايير العلم ، اذا ان العقل والمنطق يرفض الخزعبلات والترهات ،وكل شيء لا يخضع للعقل والمنطق الصحيح . ولا شيء يتقاطع والعقل كتقاطع السحر الذي يراد منه تغيير صورة الشيء او ايقاع ضرر بالإنسان او ما شابه ذلك . اما الالعاب السحرية فهي ليست تغيير الحقيقة وانما هي خفة اليد كما ذهب القرطبي وغيره الى هذا الرأي ، ومثله ما تستعرضه بعض الفضائيات من باب التسلية ليس الا.