18 ديسمبر، 2024 9:41 م

محمد سهيل أحمد:.. برق الالتماعة الأولى والانبثاق(1 -2 )

محمد سهيل أحمد:.. برق الالتماعة الأولى والانبثاق(1 -2 )

لا تنحصر تجربة القاص “محمد سهيل احمد” الثقافية في توجهاته وممارساته السردية فقط ،بل بدأ بالشعر ، و نشر قصائده في الصحف (البصرية – العراقية)، ثم توجه للقصة ، وقبل تخرجه في كلية التربية- جامعة البصرة- قسم اللغة الانكليزية، تقاسم مع القاصين(محمد خضير ومحمد عبد المجيد) الفوز بجوائز مسابقة القصة القصيرة ،لملحق جريدة “الجمهورية” الثقافي عام 1964 ، كما مارس الترجمة في الصحف والمجلات العراقية والعربية، ومنها رسائل”رامبو” ، التي قدم لها الشاعر “حسين عبد اللطيف”، ونشرت في مجلة (الأقلام) صيف عام 1974 ، دون اسم مترجمها (محمد سهيل أحمد )،وقد حاول(محمد) مع مجلة (الأقلام) لغرض التنويه عن ذلك في الأعداد القادمة، فلم تعبا هيئة تحريرها بذلك ولم يحصل(محمد) على ما أراد؟!. لظروف خاصة غادر،(محمد)، البصرة نهاية السبعينات، وخلال عقد الثمانينات عمل في الصحافة الكويتية،أضطر للعودة إلى البصرة بعد احتلال الكويت، وفي تسعينات سنوات الحصار، غادر ثانية وعمل في الصحافة الأردنية، ثم ذهب إلى ( ليبيا) لتدريس اللغة الانكليزية. بعد سقوط النظام، عاد إلى العراق وعمل في صحيفة” المنارة” البصرية- نصف الأسبوعية، والتي توزع في كل أنحاء العراق ، وبعض دول “الخليج العربي،واختار (الصليب الأحمر الدولي) قصته( متاهة الجندي) لتطبع ضمن كتاب بعنوان (جروح في شجر النخيل) وضم قصصاً لـ(20) قاصاً عراقياً بينهم القاص احمد خلف والقاص احمد سعداوي ، صدر عام 2007، وعرض في معرض دمشق الدولي للكتاب و سجل أعلى أرقام الكتب المباعة في المعرض. كما ترجمَ (محمد) عن اللغة الانكليزية ،لأول مرة، إلى اللغة العربية، رواية (أردابيولا) للشاعر الروسي (يفتوشينكو) وصدرت عام 2014 عن دار تموز – دمشق.وقد قدمها (محمد) بلغة عربية مشحونة بشاعرية مرهفة ، وهي من السمات المعروفة عن قصصه، التي أعقبت
بداياته الثقافية. نلاحظ إن رواية (أردابيولا) تعد بمثابة نكتة فظة وشديدة القسوة في وجه الدنيا كلها وكارثة شخصية لبطلها وتمهيد لرحلته الجنونية، سعياً وراء الخروج من يأسه نحو أمل متجدد يكمن في ذاته. وحاولت الرواية أن ترسم صوراً تفصيلية عن مرحلة ما قبل وبعد (البيروسترويكا). وهي تندرج عن قصد أو دونه، ضمن ما يطلق عليه بـ(الكتابة الضد)، لكنها لا تقع في منطقة (البروباغاندا) السلطوية النفعية والمجانية والدعائية، ولعلها توثيق حقيقي لشرائح اجتماعية ينتمي الكثير منها إلى ما يطلق عليه، وفق التوجهات الفكرية والاجتماعية السابقة بـ “الشغيلة المثقفة”، أو “شبه المثقفة”، وبعضها تَقدمَ في السن وعانى الإحباط، بعد أن نهكته وانتهكته (السلطة) بقهرها الدائم وشكوكها غير المبررة إنسانياً، وكذلك بفظاظتها، وفق الوقائع الفعلية التي جرت بالارتباط مع قناعات ناس تلك المرحلة، بالترافق مع أهوال الحروب الأهلية التي أثارتها القوى المضادة للتغيير الذي حصل في ثورة (أكتوبر) التي أدت لسقوط الحكم القيصري، والحروب المفروضة، قصداً، لمواجهة تلك التغييرات التاريخية والساعية بمختلف الوسائل لوأد ما أنتجته من تحولات كانت أثمانها مريرة ومفجعة وباهظة جداً على الناس. وكان من نتائج التغيير أن تحولت أحلام القسم الآخر الأكثر شباباً من المواطنين نحو الحياة في الغرب، وبات يواجه مصاعب سنواته عبر التعامل، خلسة في السوق السوداء، حتى وإن كان عبر المضاربة بتذاكر دور العرض السينمائية التي تعرض أفلاماً هندية، وعاش شغوفاً بجميع ما هو قادم من العالم الرأسمالي: الدولار، الكوكا كولا، بناطيل الجينز، الويسكي خاصة (الوايت هورس)، وسجائر ( الـمالبورو) برائحتها النفاذة القادمة من بعيد، والانخطاف بالـ (روك اند رول) بإيقاعاته الصاخبة. ما بين صدور مجموعة” محمد سهيل أحمد” القصصية الأولى (العين والشباك) ، مطبعة الرسالة- الكويت 1985، و التي حظيت باهتمام بعض النقاد والكتاب العراقيين والعرب، و مجموعته القصصية الثانية المعنونة “الآن أو بعد سنين” التي صدرت، بعد (20 ) عاماً على صدور مجموعته الأولى، نلاحظ إن “محمد سهيل أحمد ” كاتب قصة يتقن الصنعة، وقصصه مشحونة بالتوتر، والسرد القصصي لديه يخضع لمعارفه وقدراته وخبراته
المتراكمة في التكنيك الفني عند كتابته للقصة القصيرة ، وهو لظروف ومعوقات خاصة به ، لم يأخذ مكانه الطبيعي بين القصاصين العراقيين خاصة الذين بدأ مسيرته القصصية معهم. وله مساهمة في كتاب”بقعة زيت” حصيلة (المشغل السردي في البصرة)، وكذلك كتاب “ذاكرة المقهى”،وقد صدرا ضمن كتاب(فنارات)- مجلة اتحاد وأدباء كتاب البصرة، كما صدرت مجموعته القصصية الثالثة “اتبع النهر”-2012 – عن اتحاد أدباء وكتاب البصرة- وثمة طبعة ثانية لها تكفلت بها دار الشؤون الثقافية، ضمن مشروع “بغداد عاصمة الثقافة”. (محمد سهيل أحمد) في القصة القصيرة ينحو إلى ثلاث مراحل، نرى انه لا بد لكل قاص أن يمر بها وهي : برق الالتماعة الأولى أو الانبثاق ، والخزن الذي قد يطول أو يقصر زمنياً،ومن ثم الاشتغال والمعالجة. نلاحظ التبدل الجوهري الذي طرأ على الخطاب السردي في مجموعته الأولى ، حيث كان أسيراً للحالة الشعرية التي ميزت بداياته الثقافية، ومن هنا عمل على توظيف شخوص مجموعته الأولى مع إضاءة بعض هذه اللحظات شعرياً، وذلك عبر النفس الغنائي الوجداني، و هذا النزوع طبع معظم قصص مجموعته تلك عدا قصة “يوميات فراشة ملونة” الذي كان مكثفاً مكتنزاً بالوقائع اليومية- القاسية و التي اكتنفت حياة طالبة مدرسة – ابنة دلالة سلع تحيطها الشائعات- إضافة إلى اعتماده في الاشتغال بقصته تلك على آليات التقطيع والسيناريو السينمائي، ما أهل قصة (فراشة ملونة) لأن تتحول إلى فيلم تلفزيوني عُرض في الفضائية العراقية أواخر التسعينات وأخرجه المخرج ” فائز الكنعاني”. “محمد سهيل أحمد” لم يتخل عن توجهاته الشعرية التي تعَد فرعاً من فروع السردية ، ففي مجموعته الثانية “الآن أو بعد سنين”- وزارة الثقافة – دار الشؤون الثقافية- بغداد، والتي يبدأها بمقطع شعري أطلق عليه اسم (تكريس) وهو ضمن قصيدة للشاعر الراحل حسين عبد اللطيف حملت عنوان (جرح الوردة):
“.. مع العشب ضعنا..
فقل أيها القلب مَن ذا
يرد المسافر وحده
ومَنْ ذا..
يرد السنين؟!”.
كما بدأ ،كذلك ،مجموعته القصصية تلك، بمقطع نثري آخر لـ( لوُنغفيلو) ورد فيه:”.. يشيد جميع الرحالة كثيراً بذكر (يوليسيس) لأنه عرف الكثير من أخلاق البشر ورأى الكثير من المدن..”. نرى أن (محمد سهيل) قنن جرعات جانب صياغة الشعر في “الآن أو بعد سنين”باتجاه منظور علائقي ظاهراتي تميز بالتماثل والتضاد والانسجام والتنافر والقبح والجمال .