يبدو ان قدر هذا الشعب المفجوع دوماً وابداً ان يعيش لحظات الفقد لأحبته في كل لحظة ويقف كل يوم على ابواب المستشفيات ليتسوق احزاناً جديدة ويمزجها بدموعه المنهمرة من ثقل مصائبه التي لانهاية لها مادام في العراق وضع سياسي قائم على الاسترزاق بدماء الابرياء لزيادة الرصيد الانتخابي والسياسي لحزب السلطة الذي اصبح يستغل كل الظروف التي يمر بها العراق لتمرير مشاريعه على بسطاء القوم الذين لازالوا ينخدعون بالشعارات التي يسوقها لهم اشباه السياسيين الذين لامناخ لهم سوى مناخ الازمات الذي يعتاشون عليه بسبب افلاسهم السياسي والاجتماعي ، اسوق هذه المقدمة قبل الدخول في حادثة مقتل الدكتور محمد بديوي التي تضع علامات استفهام عديدة حول سلوكيات بعض الاجهزة الامنية واستهتارها الفاضح بحياة وكرامة المواطن، وتكشف عن الجهل الكبير الذي يغلف اغلب عناصر هذه الاجهزة وعدم امتلاكها ثقافة امنية تستطيع من خلالها التعامل مع شرائح المجتمع، ان جريمة مقتل الشهيد الدكتور محمد بديوي الشمري يجب ان تكون باباً من ابواب الإصلاح للعديد من مفاصل المؤسسات الحكومية وخصوصاً المختصة في الجانب الامني، وان دماء الشهداء تستطيع ان تحدث صحوة في حياة الامم وتجعلها قادرة على تشخيص مواطن الخلل في الانظمة السياسية القائمة في كل زمان ومكان، والملاحظ في هذه الحادثة ان دم الشهيد المظلوم ايقض ضمير دولة رئيس الوزراء من سباته الطويل واكتشفنا من خلال انفعاله المصطنع وحضوره الى مسرح الجريمة وخطابه الذي يتنافى مع ابجديات رجل الدولة واعلى هرم فيها بقوله (الدم بالدم) ولا اعلم اين اصبح القانون الذي يتبجح به وينتقد خصومه ويتهمهم انهم لايلتزمون بالقانون، انه لم يكن يعلم بآلاف الضحايا من الابرياء الذين يذهبون بدم بارد وفي كل يوم من ايام الوطن المفجوع والمبتلى بانصاف السياسيين، ولااعلم اين كان السيد المالكي عندما قتل المدرب المظلوم محمد عباس في العام الماضي من قبل قوات سوات التابعة له دون ان ينتهي التحقيق ويأخذ الجناة جزاءهم العادل وكذلك المئات من المواطنين الابرياء والكفاءات العلمية والثقافية الوطنية التي كانت هدفاً لأسلحة المجرمين بكل عناوينهم، ويبدو ان قرب الانتخابات واستثمار الاحداث بدا واضحاً في سلوكيات دولة الرئيس من خلال هذه الحادثة وزيارته لعدد من الدوائر وتوجيهه بتخفيف السيطرات العسكرية بعد ان كان غافلاً عنها طيلة السنوات الماضية التي ذاق فيها المواطن اقسى انواع الالم والمعاناة، وعلى رئيس الوزراء ان يعلم إن الشعب اصبح يميز بين السلوك العفوي الصادق والسلوك الانتخابي المفضوح وان كل ماتقوم به حتى وان كان بحسن نية فإنهُ يدخل ضمن خانة الدعاية الانتخابية خصوصاً وانه كان يرى دولة الرئيس قابعاً كل تلك الفترة في المنطقة الخضراء المحصنة ولا يعلم بكل مايجري من حوله ويعتمد فقط على مستشاريه الذين يقربون له البعيد ويبعدون عنه القريب وجل همهم زرع الرضا على تقاسيم وجهه الممتلئ بتجاعيد القلق والخوف من القادم، ارى ان يترك رئيس الوزراء وغيره من السياسيين الشهيد ينام في قبره بهدوء فقد رحل مضرجاً بدماء الشهادة والمظلومية حالماً بالكثير من الامنيات التي لم يحققها بعد لأن رصاص القتلة وحده من يتحكم بمصائر الحالمين والمبدعين والمثقفين الذين نزفوا سنين اعمارهم من اجل العراق، اتركوا دم الشهيد فهو اقدس من مصالحكم ومكاسبكم الانتخابية، لقد غادر الدكتور محمد بديوي وترك خلفهُ عائلة مفجوعة واطفالاً يتامى وطلبة واصدقاء لازالوا في صدمة هزت اركان كيانهم وارواحهم وكانت لغتهم الوحيدة هي الدموع على هذا الرحيل المفاجئ.