22 ديسمبر، 2024 2:49 م

“العراق” الحديث منذ تأسيسه في العشرينيات من القرن الماضي، مر بثلاث تجارب سياسية (الحزب الشيوعي العراقي) الذي تبنى “الفكر الماركسي” ، وقد نجح في اذابة الهويات الفرعية في هوية الوطن، لكنه فشل في اقناع المجتمع العراقي ذو الغالبية المسلمة بنظريته الوافدة ازاء فكرة الوجود والخلق، فكانت عقدته من الدين سبب في تلاشيه وانحساره، وبالتالي غيابه عن المشهد السياسي العراقي. (حزب البعث العربي الاشتراكي) نجح ايضاً في اذابة الهويات الفرعية في هوية الوطن، مستنبطاً افكاره من المؤرخ البريطاني ” ارنولد توينبي” 1889ـ 1975″ صاحب نظرية ( الاعتكاف والعودة) المرتكزة على ان جميع المصلحين مروا بفترة اعتكاف ثم خرجوا بنظريات غيرت مجرى التأريخ، ويستشهد “ميشيل عفلق” مؤسس (حزب البعث العربي الاشتراكي)، باعتكاف الرسول “محمد ص” بغار حراء حتى نزول الوحي عليه برسالة السماء و بعثه للامة الاسلامية، وهو بذلك يدغدغ مشاعر الشعب العراقي المسلم، ويعالج خطأ الشيوعيين بفكرة الوجود، ويماهيهم بفكرة الاشتراكية، لكنه وبرغم نجاحه في الالتفاف على الدين فشل قومياً، فكانت اسم الحزب (حزب البعث العربي الاشتراكي) اقصاءاً واضحاً لـ “18%” من المجتمع العراقي يمثلون القومية الكردية. (حزب الدعوة الاسلامية)، لم يكن مشروعاً سياسياً في بادى تأسيسه بل كان ردة فعل على تهميش ثلثي المجتمع العراقي “63%” يمثلون العرب الشيعة، وهم برغم حجمهم السكاني لم يمنحوا تمثيلهم المناسب في تسنم منصب رئاسة الوزراء طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة “83” سنة، وكانت حصتهم لا تتجاوز اصابع الكف الواحدة بينها وزارتين بزمن حقبة البعث !، برغم عدد الوزارات البالغ “32” وزارة!.
وبذلك شكلت تركيبة المجتمع العراقي العرقية والطائفية عائق حقيقي امام انتاج تجربة سياسية ترسو في العراق على بر الامان، برغم وجود عناصر قوة كبيرة بين مكونات المجتمع العراقي تقف في مقدمتها الرابطة العشائرية بحيث تتقاسم بعض عشائر العراق الجسد العراقي نصفين، ويأتي الدين عاملاً مضافاً ومعززاً للحمته الوطنية، اذ يشكل اتباع الامام الاعظم “ابو حنيفة النعمان” 90% ” من العرب السنة، وهم يعرفون بمحبتهم لآل بيت النبي محمد ص من ابناء فاطمة الزهراء، وتشكل الزواجات المختلطة بين العوائل العراقية “26%” دليلاً على حجم الترابط الاجتماعي بين العراقيين، بيد ان تلك العوامل وعلى رغم قوتها كانت تتعرض بين الحين والاخر الى فواعل خارجية تشعل فتيل الازمات والصدام بين الطوائف العراقية مستغلة بعض المساحات الرخوة التي يغذيها التخلف السياسي والافكار المتطرفة، وتلك منطقة يصعب تجاوزها بفعل الاحتلالات المتبادلة من قبل دول الجوار وعلى مدى اربعة قرون.
عام “1982” وبعد هجرة وغربة ” جلس السيد محمد باقر الحكيم” ليضع وصفه تعالج المشكلة العراقية، وتردم المساحات الرخوة عبر تقليل الاحتكاك بين مكوناته، وبالتالي بناء ” الدولة العصرية” دولة المواطنة والحقوق. التي وضع لها استراتيجيته ثلاثية المبادى:
1ـ اسقاط صدام.
2 ـ كسر المعادلة الطائفية التي حكمت العراق ( الاقلية تحكم الاكثرية).
3ـ الادارة اللامركزية ( النظام الفدرالي).
تحقق المبدأ الاول والثاني، فيما اصطدم المبدأ الثالث، وهو الاهم لأ نجاز الوصفة والتعافي، برؤى مختلفة، اشدها وطأة اتهامه بتقسيم العراق، فيما حرص سماحته على وحدة العراق، عبر برنامجه الفدرالي الذي وضعه، اذ وضع العاصمة بغداد وكركوك اقليم فدرالي، للحد من المطالب الكردية بالانفصال، وبالتالي منع قيام دولة كردية، وجعل من حق ثلاث محافظات اقامة اقليم خاص يتمتع باستقلالية لإدارة موارده، اليوم نسمع اصوات مطالبة بإقامة اقاليم بعضها كان رافض لفكرة الأقليم بذريعة التقسيم، والاخطر من ذلك هناك دعوات لشخصيات ذات ارتباطات مشبوهة طالبت بأقامة نظام “كونفدرالي ” ، ولم نسمع من يرد عليها وهي دعوات تهدف تقسيم العراق الى ثلاث دول.
لم تكن ارادات القوى السياسية المناوئة وحدها التي وأدت مشروع ذلك الفيلسوف الكبير، بل كان تخلي ورثته مضطرين اكثر ضرراً ، بسبب نرجسية الرعيل الاول ونفوره عن قيادة السيد عمار الحكيم، على خلفية استراتيجيته في ضخ دماء جديدة للتيار، لتبدأ مرحلة صراع ” الازاحة الجيلية”، فدخل التيار مرحلة اللاعودة واختار المواجهة مع الرعيل الاول واتخذ السيد عمار الحكيم الانفصال وتأسيس “تيار الحكمة” ، بعد اليأس من توظيف الجيلين وتعشيق بعضهما البعض.
وعلى الرغم من النكسة التي تعرض لها تيار الحكمة في الانتخابات الاخيرة، لكنه لازال يمتلك من العناصر التي تؤهله للعودة للمشهد السياسي وبقوة، شرط تبني مشروع صاحب الذكرى المحتفى به بثلاثيته، فلو كان الجنوب يمتلك اقليم لدخل العراق ضمن مشروع ” الحزام والطريق”.
[email protected]