في تلك السنين العجاف وفي ذلك الزمن الرديء وفي وقت كانت الادوات القمعية للنظام البعثي تُحكم قبضتها على كل شيء في بلادنا ولاتسمح حتى للهواء ان يدخل إلى رئة الوطن إلا باذن السلطان وزمرته العفنة، كان المجتمع يعاني من اليأس وقد ركن إلى الاستسلام لعدم وجود قيادات دينية متصدية تتبنى قيادة المجتمع وانتشاله من ذلك الواقع المتردي المرير، كانت الامة بحاجة الى من يأخذ بيدها ويرسم لها طريقها ويضع اساسيات النهوض من ركام الجهل الديني حيث كانت سائدة في تلك الفترة ممارسات بعيدة كل البعد عن المفاهيم الاسلامية مما جعل الشباب يغرق في اوحال الحياة ومستنقعاتها التي تتاكثر فيها سلوكيات أبعدت الشباب عن الخط والنهج الحقيقي للمدرسة الاسلامية، هذه الاجواء كانت تصب في صالح النظام لأنه كان يسعى وبكل الوسائل لأشغال الشباب وابعادهم عن المؤسسة الدينية لعلمه بخطرها الكبير على السلطة وإنها اي المؤسسة الدينية وحدها من تستطيع ان تقف بوجه النظام لأنها تملك ادوات تحريك الجماهير وهناك شواهد كثيرة تختزنها ذاكرة النظام حيث كانت حركة الشهيد الاول محمد باقر الصدر (قدس سره) تنزف بالثورة والغضب واحدثت هزة قوية في البنية الاجتماعية، وبعد إعدام الشهيد الاول واخته العلوية من قبل نظام البعث عاش المجتمع مرحلة الصمت والخضوع والاستسلام وكان المولى المقدس يتحسس آلام الامة وهمومها ومواجعها وينظر إليها بمنظار المصلح الذي تقع على عاتقه مسؤوليته ايجاد رؤى وحلول ترسم ملامح الاصلاح والتغيير الذي يصبو إليه المجتمع العراقي مع علم الجميع بقسوة النظام وجبروته وانتهاكه لكل القيم السماوية والاجتماعية، ويدرك جيداً ان آلة القمع البعثي لاتقف عند حد معين بل ان سياسة النظام ماضية بإتجاه إزالة كل من يقف بوجهه وينتقد ممارساته، كل هذه التحديات لم تشكل عقبة امام مشروع السيد الشهيد الصدر (قدس سره) فقاد ثورته المباركة التي امتدت بسرعة اذهلت الجميع بما فيهم المؤسسة الدينية التي لم يكن لها حضور في فترة الحرب ضد الجارة ايران او في فترة دخول الجيش العراقي لدولة الكويت وما تلا الحربين من حصار انهك المجتمع وقضى على روح الثورة بداخلة. ان الاحداث السياسية في الساحة الداخلية بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة واختلال موازين القوى العالمية من خلال انفراد امريكا في الهيمنة على العالم كل هذه المتغيرات كانت حاضرة بقوة في المشهد الحوزوي الجديد واقصد الحوزة الناطقة التي اخذت على عاتقها مسؤولية التصدي لكل الممارسات المنحرفة التي تعصف بالمجتمع العراقي لذلك لم يكن محمد الصدر مرجعاً كلاسيكياً ينتمي إلى الحوزة التقليدية التي اعتاد عليها المجتمع والتي نأت بنفسها عن الخوض في الامور السياسية خشية التصادم مع النظام بل اعاد للحوزة حضورها وقيادتها للمجتمع فكانت حركته بداية لأنعطافة جديدة في التاريخ الشيعي، تلك الحركة التي اربكت النظام وبعثرت اوراقه السياسية عندما وجدت ان السيد الشهيد الصدر (قدس سره) قد سحب البساط من تحت اقدامها واصبح هو الحاكم الحقيقي للجماهير وعندها شعرت بخطورة حركته فلم يكن امامها من حل سوى تصفيته فقامت بجريمتها البشعة بإغتيال شهيدنا الحبيب ونجليه ليبقى دمهُ مشعلاً حياً تقتدي به الاجيال الثائرة، فكان محمد الصدر اول المجاهدين وقائد الثائرين وهو من اسس مدرسة الرفض لكل الممارسات المنحرفة التي اجتاحت المجتمع في تاريخنا المعاصر. محمد الصدر اختصر الزمن واستطاع في فترة قصيرة جداً ان يحقق ماعجز عن تحقيقه غيره لعقود لأنه كان على صلة صادقة مع السماء لذلك احدث هذا الانقلاب الديني والفكري والاجتماعي في جسد المجتمع، فسلامٌ عليك ياشهيد العقيدة والمواقف الخالدة.