23 ديسمبر، 2024 5:52 ص

محمد الصدر …. رائد الاحتجاج السياسي

محمد الصدر …. رائد الاحتجاج السياسي

في ظل الثورة الإصلاحية الكبرى التي قادها المرجع الكبير محمد صادق الصدر  .. وما خلفته من تأثيرات كبيرة على الواقع العراقي الديني والسياسي ..كان هناك سؤالا يهزني من الأعماق .. هل كان السيد الشهيد الصدر  محتاج الى الإعلان بانه  ( الأعلم ).. او قوله ( انا اعلم الأحياء والأموات ) . وهل كانت النجف محتاجه الى مرجع يضاف الى ما موجود فيها من المراجع ..
هل اراد فعلا ان يكون مرجعا . حاله كحال المراجع الآخرين او أراد ان يثبت حالة جديدة تلفت انظار الناس وتهز المجتمع من الأعماق .. لاسيما وان المجتمع العراقي في نهاية التسعينات قد خيمت علية نتائج الحروب الدموية التي قادها النظام الطاغي ضد جيرانه ..وتركت طبقة من المجتمع يلفها الضياع ..  وكذلك افرازات الانتفاضة الشعبانية .. وانتاج جيل  متحرك رافض للواقع الذي  يعيشه ..
 من هنا اقتنع المولى الصدر ان هذه الارهاصات التي يعيشها المجتمع محتاجة الى قيادة تنبع من الواقع العراقي وتلمس جذور حاجاته ومتطلباته وتطلعاته ..
 لهذا حمل السيد الشهيد مشروعا كبيرا في نفسه.. مشروعا لغرض تغيير الوضع الذي يعيشه البلد .. لاسيما وان النظام البعثي الفاشي ..قد اغلق جميع منافذ  الرفض والاحتجاج والمطالبه بالحقوق من  خلال سياسة الحديد والنار التي اتبعت عللى الشعب العراق
لهذا كان الفعل الابرز  في هذا المجال هو تكريس خطاب الاحتجاج السياسي في حياة العراقيين سواء في حياته ومؤلفاته ومواقفه من يوميات السياسة العراقية
فالاحتجاج كممارسة مرجعية تم تغييبها بقوة في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية خصوصا بعد تصفيه المرجع الكبير السيد محمد باقر الصدر (رض) 1980 ومطاردة الحركة الاسلاميه في العراق..وذبح خيرة قياداتها وكوادرها .. ومنذ ذلك الحين استبدل الاحتجاج السياسي في العراق لغته وتحولت في الداخل إلى لغة أشبه بالهمس تتناقل على نطاق ضيق محصور بين غرف طلاب الحوزات العلمية وجلسات البيوت … لذا فان لغة الاحتجاج السياسي سجلت هبوطا خطيرا منذ ذلك التاريخ ..
       فالسيد الصدر أعادة في الواقع الصور السياسية الاجتماعية المفترضة للاحتجاج السياسي .. وجلسه على ثوابت جديدة من حيث المبنى والغاية والأهداف .. ففي الوقت الذي كان خطاب المرجعية في السابق يطالب بإنصاف الشعب العراقي على مستوى ممارسة حريته بإقامة الشعائر الدينية ورعاية العتبات المقدسة والاهتمام بالحوزات الدينية .. وإعفاء طلبة العلوم  الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية.. وإطلاق الحريات العامة .. فان السيد الصدر وخلال فترة تصديه القصيرة للشأن القيادي والمرجعية.. حقق مالم تحققه المرجعيات الدينية .. وحتى الاحزاب الاسلاميه في حياة الشعب العراقي لان الاحتجاج السياسي عند السيد الصدر ممارسة عبادية  وفريضة واجبه قبل ان تكون عنوانا رئيسيا من عناوين الصراع الفعلي مع السلطة الحاكمة في العراق ..
         وهو منهج حركة إسلاميه قادرة على إحياء قيم الإسلام قبل ان تكون نقطة حركة سياسية تريد تحريك الصراع على قاعدة الفوضى والانتحار مقابل جهاز ديكتاتوري معبأ بأحدث وسائل الموت والدمار الذي أعطى للاحتجاج لونا أشبه بلون الماء فهو يؤدي فعله السياسي المتمرد ضد النظام وجهازه  وغرضه الايجابي في الأوساط الاجتماعية من دون ان يكون له لون او رائحة تؤدي  الى الصدر.. وقد أراد السيد الصدر من وراء إرساء مفهوم الاحتجاج بالشكل الذي ظهر فيه في العراق … تسويق الاحتجاج بوصفه فعل امة وممارسة شعب أكثر من كونه (فعل قائد ) و( ممارسة مرجع ) .
        عبر هذه الواقعية السياسية استطاع السيد الصدر إحياء قيم استنهاض الشعب العراقي وتحريكه باتجاه المطالبة بحقوقه والدفاع عن حرياته السياسية والاجتماعية ونقله من حالة السبات والغياب والموت الجماعي وعدم  المشاركة في الحياة السياسية بشكل فعال..إلى اليقظة والوعي والعمل الحقيقي إزاء واقع ديكتاتوري فاقع..
1.         فكانت ابرز ممارساته بهذا الاتجاه هي الهتافات التي كان يرددها مع الجماهير أثناء صلاة الجمعة .. مما حفز القواعد الشعبية على ترديد هذه الهتافات في كل المحافل حتى في المناسبات الدينية.. ..وأصبحت شعارات معروفة للسيد الصدر … وابرز الحالات التي سجلت هي الشعارات المضادة لشعارات النظام  ألبعثي.. فبدلا من ( نعم نعم للهدام )  أصبح الشعار ( نعم نعم للإسلام .. نعم نعم للمذهب ..)  واستنكارا لحالات الجور والظلم فكانت شعاراته رفضا للواقع الديكتاتورية المقيتة مثل ( كلا كلا للباطل .. كلا كلا للشيطان ) وبهذا اخرج منظومة الاحتجاج من الصدور والكبت وإطلاقها في فضاء الحرية … و علم الناس ان يرددوا معه مطاليب كان خطوط حمراء لايستطيع احد ان يتفوه بها مثل ألمطالبه بإطلاق سراح المعتقلين.
2.         من حالات الاحتجاج التي تحدى فيها السلطة البعثية.. هو محاولة فك الضيق عن ممارسة وإحياء بعض المناسبات الدينية الخاصة بالشيعة ..حيث إننا نعرف ان السلطة البعثية قد منعت إحياء جميع المناسبات الدينية في العراق وبالأخص زيارة الأربعين للإمام الحسين (ع) حيث وضع البعثيون إرهابهم الإجرامي بالتعامل مع الزائرين من السجن والاعتقال بل الحكم سنوات طوال لجريمة إن الإنسان يمارس حقه الطبيعي بالتعبير عن مايؤمن به من عقيدة ..ولكي لاتاخذ السلطة أية ذريعة للتنكيل بالزائرين اوجب السيد الصدر زيارة النصف من شعبان لكي تكون بديلا عن زيارة الأربعين  بدليل قوله (إننا نعلم  انه منذ سنين  ربما عشرين سنه .. المشي الى كربلاء لزيارة الأربعين .. محل منع.. إلا انه لم يصدر أي منع في المشي في مناسبات أخرى .. ففي الإمكان استغلال أي مناسبة دينيه رفيعة لأجل المشي لزيارة كربلاء المقدسة.. والان أمامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان  ليلا ونهارا من نصف شعبان .. فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خير  ))  فانطلقت جحافل الزائرين من كل مدن العراق وقراه وقصباته.. لتقول نعم للإسلام ونعم للحسين .. وكلا للطاغوت.. واسقط حجية النظام البعثي وجعله أمام الشعب وجها لوجه .
3.         وتماشيا مع إخراج ممارسات المذهب إلى الشارع هو عملية إحياء بعض الطقوس التي شدد عليها النظام البعثي  مثل ( اللطم على الصدور ) بذكرى استشهاد الأئمة (ع) فقد مارسها السيد الصدر بمناسبتين خلال تصديه المبارك مرة في الخطبة (4) وكانت بذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) والخطبة (39) بذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).. وكانت هذه الممارسة تحدي كبير لممارسة السلطة البعثية  وكسرا لكل قراراتها  الجائرة ضد هذا المذهب الجليل .
 لهذا كان هذا الأسلوب من الاحتجاج  هو الذي زلزل الأرض تحت أقدام الطاغية وحزبه ..
و تعلمت الجماهير عملية الرفض والاحتجاج الميداني وخرج الى خارج مسجد الكوفة المعظم .. بل أصبح شعارا كبيرا حمله مريدي هذا المرجع الكبير .. وعرفوا به .. بل اصبح علامة بارزه لطبقة من المجتمع حملت على عاتقها رفض الواقع والاحتجاج ضده .. والنضال ضده واعطت الارواح والدماء رخيصة لهذه التربية التي تلقوها من نبع صافي رفض الظلم والطغيان  والاستبداد ..