درجة الإجتهاد وهي من أعظم الدرجات العلمية لكل علم وليس فقط في الفقه والأصول فالعلم الحصولي النظري يحتاج الى برهان وإستدلال لأن مثل هذه العلوم لا تحصل بالبداهة والإضطرار بل لابد من إمعان النظر والتفكير..
فكل نظرية في مختلف حقول المعرفة تحتاج الى إقامة البرهان بل الدليل هو السبب في حصول العلم واليقين..
ودرجة الإجتهاد هي القدرة الراسخة على الإستدلال..
إن الاستدلال هو أحد اقسام البرهان والبرهان هو اليقين بثبوت المحمول للموضوع عن طريق معرفة العلة في ثبوته له (الاسس المنطقية للاستقراء للسيد محمد باقر الصدر) فالإستدلال لا يكون صحيحا الا إذا كان منتجا لليقين والا فهو باطل وهذا كثيراً ما سمعناه من السيد محمد الصدر (قدس) حينما كان يردد هذه العبارة (اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال)..
إن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) تعرض الى أنواع مختلفة وعديدة من الظلم قد يعجز هذا القلم القاصر من إحصاءها وحصرها وإنا لله وإنا اليه راجعون..
والذي يهوّن الخطب هو انني سوف أتعرض لبيان الظلم الذي يخص هذا الموضوع وأترك للقارئ الكريم إستنتاج المظالم التي تعرض لها الشهيد محمد الصدر(قدس سره).
والظلامة في هذا الموضوع الذي مهدت له هذه المقدمة هي ان السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) كان سبباً لنشر الثقافة والعلوم الحوزوية وهو الذي رفع مستوى فهم الناس العلمي بل إن تلك الفترة هي الفترة الذهبية التي عرف الناس خلالها وجوب التقليد مع التدقيق في شرائط مرجع التقليد وقد ذكر السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) في لقاء الحنانة هذا المعنى حيث قال ما نصه (التقليد باصطلاحي بإن هذا الوعي الذي نُشر بفضل ربي يقولون هو منتسب لي, أنا لا أنسب لي شيئا, كله بفضل ربي, إنه تحديد الأعلمية, تحديد الصفات وكذا, لم يكن موجودا لما تعلمون, كأنما رفع ووضع “تقلد من تشاء” الشيء الذي يهواه قلبك ويرجحه تقلده هذا عالم وغيره عالم…) إنتهى
والملاحظ وكما هو مصرح به إن الأوساط الحوزوية تتسامح في التدقيق بالشرائط بالرغم من وجود هذه الشرائط في الرسائل العملية..
فإذا كان الوسط الحوزوي الذي هو بيئة علمية كان متسامحا في التقليد فكيف الأمر بالنسبة لعامة الناس هذا يعني إن التفكير في نشر ثقافة التدقيق في الشرائط بين عامة الناس هو بمنزلة المستحيل,,
ومع ذلك فقد إنتشرت هذه الثقافة بفضل الله عن طريق عبده الصالح السيد محمد الصدر (قدس) والظلامة تكمن في أن السيد محمد الصدر(قدس) بالرغم من كونه بفضل الله صاحب الفضل في نشر الوعي والثقافة الفقهية.
ومع ذلك بدأ البعض ممن ينتسب للحوزة التشكيك في أعلمية السيد أو إجتهاده بل تعدى الأمر الى التشكيك في جميع شرائط مرجع التقليد..
إن الأغلب الأعم من هؤلاء المشككين ليسوا طلاب حقيقة بل هم طلاب دنيا..
ويكفي شيء واحد يدحض شكوكهم وهوأن علماء الحوزة ومجتهديها وفضلائها كلهم يسلمون بإجتهاد السيد محمد الصدر (قدس) وورعه وتقواه بل ان السيد محمد الصدر(قدس) كان مشهوراً بالتقوى والزهد والعبادة والعلم في فترة الستينيات والسبعينيات……
إنه لظلم عظيم يرتكبه هؤلاء بحق السيد محمد الصدر (قدس).. ففي فترة الثمانيات تعرضت الحوزة لحملة شرسة وقاسية بحيث أصبح طلابها لا يتعدون أصابع اليد وبفضل الله وجهود السيد محمد الصدر (قدس) إزداد عدد طلاب الحوزة الى أكثر من أربعة الآف طالب وبالرغم من هذا نجد البعض منهم يشككون ويطعنون بالشهيد محمد الصدر(قدس)!!!! وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)حينما قال ما مضمونه (وإذا أكرمت اللئيم تمردا)
ومع ذلك لم يستنكف السيد محمد الصدر(قدس) في بيان وإثبات إجتهاده وأعلميته بالأدلة الحدسية والادلة الحسية بل إنه (قدس) هو الذي نشر وعي الاجتهاد وألأعلمية بعد ان كانت عبارة عن قصص خيالية طوبائية !!!! كنا قبل مجيء الشهيد محمد الصدر(قدس) نسمع الكثير من قصص الاعلمية والمرجعية فكثيرا ما كانت الأحلام هي التي تحدد المرجع الجديد وهكذا مع ان هذه القصص الخيالية يرفضها العلماء ولكنها منتشرة وشائعة ومشهورة في أوساط المتدينين ولكن الوعي إنتشر مع بزوغ نجم مرجعية محمد الصدر(قدس)..
فأصبح عامة الناس يتكلمون عن الرسالة العملية وعن أهل الخبرة وعن الحجة الشرعية وكثير من الأمور التي كانت حكراً على بعض المشايخ….
إن الخوض في الأدلة والمؤيدات التي تثبت إجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر(قدس) تكتسب أهمية تترتب عليها فوائد عظيمة منها:
1. إقامة الحجة على المشككين بمختلف توجهاتهم ومقاصدهم يعني إقامة الحجة على كل طالب للحقيقة وغيره وبالتالي سوف يكون تشكيكه بلا موضوع ومبرر بل ويكون تشكيكه معصي’ ومحاربة لأولياء الله ونصب العداء لنائب الإمام !!!! والواجب هو الولاء وليس العداء.
2. إن مجرد الخوض في هذا الموضوع يكون نافعاً وسبباً للترقي العلمي لأن الباحث سوف تنكشف له حقيقة السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) بحسب إستحقاق وإخلاص الباحث عن الحقيقة وسينفتح له باب ينفتح منه الف باب ..
3. سوف تتاح للباحث فرصة تمحيص كل أدعياء الاجتهاد لأن الأمر سوف لا يقتصر على السيد محمد الصدر(قدس) في البحث بل سوف يشمل جميع المراجع والمجتهدين وكذلك يشمل مدعين الإجتهاد وسوف يكون الفرق واضح في المستوى العلمي الذي يتمتع به الشهيد محمد الصدر(قدس) ومستوى الآخرين!!!! وهذا ما حصل فعلاً لي شخصيا حيث أن البحوث الموضوعية في إجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر (قدس) قد كشفت لي وبوضوح أن السيد محمد الصدر(قدس) يصح ان نطلق عليه لقب مجتهد المجتهدين بمعنى ان المجتهدين اذا نسبناهم الى السيد محمد الصدر(قدس) يكونون بمنزلة المجتهد المتجزئ ويكفي ذلك في إثبات اجتهاده المطلق وأعلميته المطلقة (أعلم الأحياء والاموات) وهذا المعنى ذكرته في بحث (السيد محمد الصدر الأعلم في الفقه والاصول) وبحوث اخرى…فكثير من الفروع أو ما يسمى بفقه المستحدثات تفرّد بها السيد محمد الصدر(قدس) وهو الرائد فيها كفقه الفضاء وفقه الموضوعات الحديثة وفقه الطب وفقه الدائرتين القطبيتين وبحث الهلال …..الخ ولا يوجد من الفقهاء قد سار في هذه الفروع الامر الذي يمكن تفسيره وتعليله بسبب عدم وجود ملكات الإجتهاد التي ترتبط بهذه الفروع والذي يؤيد ذلك ما ذكره السيد الشهيد الصدر(قدس)في أحد اللقاءات الصوتية التي أجراها الشيخ البهادلي قال ما مضمونه (إنني عندما زرت السيد الخوئي(قدس) في المستشفى أهديته نسخه من كتاب فقه الفضاء فقراه السيد الخوئي ملياً ولم يناقش)وتعليقاً على هذه القصة إن السيد الخوئي(قدس) وبالرغم من المرض قرأ الكتاب ملياً لأنه يستحق القراءة حتى لو كان الانسان يعاني من مرض الموت مع أنه لو لم يقرأ الكتاب لكان معذورا بسبب المرض ولكنه قرأه ملياً لأهميته ومع ذلك لم يناقش وهذه المفردة(يناقش) في عرف الحوزة تستعمل في حال وجود إشكال أو تفنيد رأي أو وهذا بحد ذاته إقرار بالإجتهاد وشهادة ضمنية به لأن عدم المناقشة دليل على الاعلمية لأن فقه الفضاء هو رسالة عملية مرتبة كترتيب الرسائل العملية حيث يقسمونها الى كتب ككتاب التقليد والاجتهاد وكتاب الطهارة وكتاب الصلاة….الخ ومن المعلوم أن الفقهاء لا يتفقون في كل كتاب بل نجد ان في كل كتاب فقهي يوجد مجموعة من المسائل الخلافية والسيد الخوئي(قدس) قرأ الكتاب مليّاً بالرغم من مرضه وحتى لو كانت له مناقشة فيكفيه ان يشير إليها إجمالا دون الخوض في التفاصيل يعني يقول انه توجد لدي مناقشة فقط إلا أنه (قدس الله سره) لم يناقش وهذا يؤكّد اجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر(قدس) على حد سواء كما لا يخفى على كل منصف ولبيب بقي أن أشير الى مسألة في غاية الأهمية وبحسب ما ينقل عن السيد محمد الصدر(قدس) أن السيد الخوئي(قدس) كان عندما يجري صيغة طلاق يجعل السيد محمد الصدر(قدس) شاهداً على الطلاق لأنه يعتقد بعدالة وورع وتقوى السيد محمد الصدر(قدس) لأن الطلاق مشروط بشهادة عادلين…. والسيد الخوئي(قدس) يعلم بتصدي السيد محمد الصدر للمرجعية في فترة الثمانينيات ولو كان السيد الخوئي(قدس) لا يعتقد بإجتهاد السيد محمد الصدر(قدس) لكان من باب أولى أن لا يعتقد بعدالته ولا يتخذه شاهد طلاق!!!
بقي الحديث عن الادلة الحسية والحدسية التي تثبت إجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر(قدس) أحاول أن أجعل من كلام السيد محمد الصدر(قدس) المصدر الاساسي في ذلك وعلى الله التوكل….
أدلة الإجتهاد والأعلمية
أود التعرض لبيان لأدلة الحسية والحدسية التي تثبت الإجتهاد والأعلمية للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (قدس) معتمداً على الله وعلى ما ذكره السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) في مناسبات عديدة وكذلك بعض ما ذكرته في بحوث سابقة كرسّتها لأجل بيان أعلمية السيد محمد الصدر (قدس) وهي بحوث عديدة نشر بعضها في بعض الصحف والنشرات والمواقع.
يقول السيد محمد الصدر (قدس) جوابا عن سؤال طُرح عليه في الرسالة الاستفتائية الثالثة ما نصه:
(إنني حين إدعيت الأعلمية, لم أترك ذلك عشوائيا وإنما دعمت ذلك بالأدلة فان كان من المراجع “أدام الله ظلالهم” من يدعم دعواه بالأدلة فليفعل, جزاهم الله خيرا.
الدليل الاول: درسي في علم الاصول فإنني أعتقد إن علم الأصول هو الأهم في الحوزة الشريفة خاصة وفي الفكر الإمامي الظاهري عامة لما فيه من العمق والسعة والنظريات الكثيرة المعمقة في كثير من الحقول والمعارف وإن لنا في الحوزة الشريفة حرية الدراسة فالطلاب الذين يكونون على مستوى حضور بحث الخارج لهم أن يحضروا في دروس كل العلماء ولا يستطيع أحد أن يمنعهم عن ذلك هذا وإن طلابي في درس الأصول كلهم فضلاء وورعين وقد حضروا عند جماعة من المجتهدين وعندي أيضا لمدة عدة سنوات وعرفوا مستوياتنا جميعا فنتج عن ذلك أنهم شهدوا بينهم وبين الله أني الأعلم وقلدوني فعلا ً كما أعلم.
الدليل الثاني: إن كتاب (ما وراء الفقه) بالرغم إنه ليس كتاباً إستدلالياً كما كتبنا في مقدمته إلا إنني وددت أحيانا في بعض فصوله التعرض الى بعض الاستدلالات كما هو غير خفي على من إطلع عليه كما كان خلال الحديث عن بعض القواعد الفقهية في كتاب الطهارة او كتاب الصلاة او كتاب التجارة او غيرها.
وكانت هذه الإستدلالات مختصرة نسبياً وقد قلنا في نهايتها وتمام الكلام في الفقه وإني ذكرت المطالب الفقهية التي ذكرها أسلافي وأساتذتي مثل المحقق الخوئي والسيد الحكيم والسيد أبي جعفر والسيد محمد بحر العلوم صاحب(بُلغة الفقيه)وغيرهم وناقشتهم واحداً واحداً فأنت كمتفقه تستطيع الإطلاع على ذلك فإن وجدت الأمر الذي ذكرناه والدليل الذي عرفناه يحتوي بوضوح على دحض أدلة السابقين إذن فقد حققت السير في الفكر الإمامي ولو خطوة بسيطة وهو المطلوب.
الدليل الثالث: في رسالتي العملية(منهج الصالحين) حيث اجريت فيها عدة تعديلات وزيادات على السابقين نذكر منها:
اولا: تقسيم المسالة المطلوبة الى عدة مسائل.
ثانيا: تعريف كل العقود والايقاعات والاصطلاحات الرئيسية.
ثالثا: اضافة فروع جديدة مبثوثة خلال الكتاب.
رابعا: اضافة ملحق كامل في الموضوعات الحديثة وأحكامها في كل جزء من الأجزاء الخمسة.
خامسا: وهو محل الشاهد هنا وإن كانت الأمور السابقة مهمة أيضا وهو أنك تجد في المصدر كمنهاج الصالحين فرعا او مسالة بسيطة وأما أنا فحللتها من المنهج الى عدة محتملات واعطيت لكل منها حكمه المناسب فاذا رأيت كلامي هنا جيدا فإنك ستعرف بوضوح إن السابقين اذا لم يكن الفرد منهم قد ألتفت الى هذا التفصيل فهو قاصر وإلا فهو مقصّر ومهما كانت النتيجة فهي الى جانبي لا محالة.
الدليل الرابع: إنني أعلم عن تجربة ويقين: إن الفرد الفاضل الذي يحضر عدة بحوث من بحوث الخارج فإنه سوف يمّيز المجتهدين من حيث مستوياتهم وأياً منهم أعلم ومن هو دونه ومن هو دونهم ومن هو دونهم وهكذا. وانا حينما كنت بهذا المستوى قبل حوالي ثلاثين عاما كنت أحضر بحوث عدد من المجتهدين وكنت أّمّيز الأعلم منهم عن غيره بالحس واليقين وكان في النجف الاشرف يومئذ عدد معتد به من المجتهدين من مدرسي بحوث الخارج بجدارة وكنت اعلم يومئذ ولا أزال أشهد بذلك ان الأعلم مما سواه تقريبا هو المحقق الخوئي ولا يوجد من هو أعلم منه إلا واحد وهو السيد (محمد باقر الصدر “قدس”) على اي حال فكتبهما ومطالبهما لا زالت موجودة يمكن المقارنة بينهما من قبل المختصين كما يمكن المقارنة بينها وبين غيرها من كتب الاخرين وقد كان على ذلك فهم واعتقاد عدد من فضلاء الحوزة من عرب وغيرهم ولا حاجة الى ذكر اسماءهم وذلك لأن السيد (محمد باقر الصدر “قدس”) نحى في علم الاصول منحى معمق وبني فيه
(مدرسة ) رئيسية ضخمة وشديدة لا تشبه اية مدرسة أخرى يمكن مقارنتها به في علم الاصول .
وهذا ينتج أمرين لا مناص من الاذعان لهما إذا تمت هذه المقدمات .
الأمر الاول: إن أولئك الخاصة من طلاب السيد (محمد باقر الصدر “قدس”) الذين حضروا عنده دورة اصولية كاملة وفهموا واقع مطالبه, هم الذين يستحقون أن يكونوا الأعلم من غيرهم على الأطلاق,كما هو أعلم من غيره على الإطلاق, وغني عن الاشارة الى إنني أفتخر أن أكون قد تشرفت في كوني واحداً من هؤلاء الخاصة.
الامر الثاني: إن كل مجتهد لا يتيسر له أن يفهم تلك المطالب والخصائص حق فهمها, ولم يكن مسبوقا بها لأي مانع من الموانع فلا يحتمل أن يكون هو الأعلم سواء كان من الاحياء أو الاموات أو في اي بلاد الشيعة كان..وينبغي ان نكسر سنان القلم انتهى كلام السيد محمد الصدر(قدس).
وجاء أيضا في لقاء الحنانة حيث قال السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) ما نصه:
….قال لي السيد محمد باقر الصدر(قدس الله روحه) أنهم جاءوني يبدو أنهم ذهبوا واستأذنوه في انه نريد ان نحضر خارج عند السيد محمد الصدر فماذا رأيك؟ فقال فرحت كثيراً وباركت لهم وقلت لهم جزاكم الله خيرا… انتهى.
وتعليقاً على هذه القصة اقول إن الفرح الكثير للسيد محمد باقرالصدر(قدس) ومباركته لهم والدعاء لهم لأنهم طلبوا أن يدرسوا بحث خارج عند السيد محمد الصدر(قدس) يدل وبوضوح الشمس ان السيد محمد باقر الصدر (قدس) يعتقد بإجتهاد السيد محمد الصدر (قدس) بل ويفرح ويبارك ويدعو بالخير لكل من يكون مظهرا لهذا الاجتهاد!!! إن إعطاء الإذن والإجازة والمباركة لتدريس بحث الخارج هذا الامر يكشف عن شهادة بالاجتهاد والأهليّة لتدريس بحث الخارج وهذه القصة حصلت سنة 1978 فأين يذهب المشككون من هذه الحجة.وهناك شهادة أخرى بإجتهاد السيد محمد الصدر سنة 1967 وهي شهادة الحجة محمد صادق الصدر(قدس) والد السيد محمد الصدر(قدس) حيث قال ما مضمونه أن السيد محمد الصدر نال الإجتهاد باليمنى واليسرا ومن المعلوم ان الحجة محمد صادق الصدر هو من طلاب المحقق محمد حسين النائيني (قدس) ….
أيضا جاء عن السيد كاظم الحائري (دام عزه) يصف فيه السيد محمد الصدر (قدس) ما مضمونه (كان السيد محمد الصدر مرجعاً جامعاً للشرائط) وهذه شهادة واضحة بإجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر (قدس) لأن السيد الحائري يعتبر الأعلمية والإجتهاد من أهم شرائط مرجع التقليد وأيضا جاء عن السيد كمال الحيدري في لقاء في اذاعة طهران وهذا القاء مسجل في كاسيت وانتشر سنة 1999 حيث جاء فيه ما مضمونة ان السيد كمال الحيدري شهد بان السيد محمد الصدر(قدس) هو الأعلم ويذكر لذلك دليلين احدهما ان السيد محمد باقر الصدر(قدس) قد أوكل تدريس أصعب الحلقات في علم الاصول للسيد محمد الصدر(قدس) والدليل الآخر إن السيد محمد باقر الصدر(قدس) قد اناب السيد محمد الصدر بدلاً عنه في مناقشة الدكتور علي الوردي مع وجود خيرة طلاب السيد محمد باقر الصدر(قدس) وهنا لا أريد أن استعرض أقوال جميع أهل الخبرة الذين شهدوا بأعلمية السيد محمد الصدر(قدس) وإنما مجرد الاقتصار على ما يصلح أن يكون حجة على المشككين المعاندين اسأل الله ان يهدينا ويهديهم الى الحق إنه سميع مجيب……
ان الحديث عن أدلة الإجتهاد والأعلمية حديث يطول الامر الذي يؤدي بالضرورة الى حصول الوعي التام في هذه المسالة وذلك بسبب تجليات ملكة الاجتهاد عند السيد محمد الصدر(قدس) الذي يصف ملكة الاجتهاد في إحدى مواعظة بأنها نور يقذفه الله بقلب من يشاء وتعليقاً على هذا الكلام العظيم أقول إن حصول الوعي التام سببه هذا النور الالهي..
ونستمر في إستعراض الأدلة على الاعلمية..
وينبغي التنويه على ان إثبات الأعلمية يعني من باب أولى إثبات الإجتهاد والملاحظ هنا أن الأعم الاغلب من الادلة هي أدلة إثبات ألأعلمية وهذا يدل على علو المقام العلمي للسيد محمد الصدر (قدس) ويمكن ذكر بعض الأدلة والمؤيدات:
أولا: منهج الاصول وقد عبّر عنه السيد محمد الصدر(قدس) بإن الدليل الحسي الأهم في إثبات الأعلمية وهو كتاب إستدلالي في أصول الفقه وطبع منه خمسة اجزاء ويتميّز منهج الاصول أي هذا الدليل الحسي بأنه يستطيع ان يطلع عليه العلماء والفضلاء واهل الخبرة في اي مكان وفي اي زمان في هذا الجيل أو في المستقبل ويستطيع ان يقارنه مع البحوث الإستدلالية الاصولية لجميع المجتهدين وبالرغم من ان السيد محمد الصدر (قدس) قال عن منهج الاصول أنه الدليل الحسي الأهم الذي يثبت أعلمية السيد محمد الصدر (قدس) المطلقة إلا انه لا يمثل كل ما عند السيد محمد الصدر (قدس) كما اشار في مقدمة هذا الكتاب قائلا ما نصه (وهو لا يمثل كل ما ينبغي ان يقال بطبيعة الحال, وانما هو مجرد اطروحة أعرضها أمام فضلاء الحوزة,….)إنتهى وهذه سابقة لم يسبقه فيها اي واحد من المجتهدين لأنهم في البحث الخارج يبذلون قصارى جهودهم ويعطون كل فهمهم في سبيل إعطاء النتيجة النهائية لما يعتقدون به…..اما السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس) فهو بالنسبة إليه مجرد أطروحة بالرغم من أنها أعمق وأدق من البحوث الاستدلالية الاصولية لباقي المجتهدين المحققين ولو أطال الله في عمر السيد محمد الصدر لرأينا العجب العجاب..
بقي شيء آخر إن منهج الاصول يمثل عرض آراء مدرستين أصوليتين عظيمتين والتي تتلمذ على يدها ونال الاجتهاد منها وهي مدرسة المحقق الخوئي التي تمثل الميراث الإمامي لعلم الاصول ومدرسة السيد محمد باقر الصدر وهي تمثل الزيادة النوعية والكمية على المدرسة الإمامية.. فكان السيد يستعرض آراء المدرستين ويزيد عليها قدماً الى الأمام في الفكر الاصولي الإمامي ويناقش فهو يعرض المحاسن وكذلك يناقش..
ثانيا: بيان الفقه هو كتاب استدلالي في الفقه طبع منه الجزء الاول وقد يصل الى أكثر من أربعين جزء وهو متيسر لجميع طلاب العلم وأهل الخبرة وقد ذكر السيد مقتدى الصدر(دام عزه) في مقدمة هذا الكتاب تحدياً أن يأتوا بمثله وهذا البحث الاستدلالي الفقهي الذي كتبه السيد محمد الصدر (قدس) وطُبع بعد استشهاده.
ثالثا: فقه الفضاء وهو رسالة عملية تحدد الاحكام الشرعية في الفضاء والمركبات الفضائية والكواكب والأجرام السماوية متعرضاً فيه لكل كتب الفقه من إجتهاد وتقليد وطهارة وصلاة وتحديد القبلة وصوم….الخ فهو يشمل العبادات والمعاملات ويمثل فقه الفضاء صرخة في الفقه الاسلامي عامة والفقه الشيعي الإمامي خاصة.. ومن المعلوم لدى أهل العلم إن الفقه الاسلامي لم يقدم لحد الان الاحكام الشرعية التي تبين أحكام الفضاء وهي تمثل تحدي حقيقي للفقه الاسلامي بمختلف مذاهبه بما فيهم المذهب الجعفري الذي يتميز عن غيره من المذاهب بكثرة الفقهاء المجتهدين ومع ذلك لم يتصد أحد من كبار المحققين والمجتهدين لبيان فقه الفضاء بالرغم من غزارة علمهم وبالرغم من إهتمامهم بالفقه الإستدلالي وحيث أن فوق كل ذي علم عليم فقد تصدى السيد محمد الصدر (قدس) في الثمانينات الى هذه الرسالة العملية الفريدة النادرة وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة سنة 1990 وقد أهدى السيد محمد الصدر (قدس) نسخة منه للمحقق الخوئي عندما زاره في المستشفى وبالرغم من مرض السيد الخوئي (قدس) الشديد فقد قرأه ملياً أثناء الزيارة ولم يناقش وهذا بحد ذاته شهادة على الاقل بالاجتهاد فضلا عن ألأعلمية.. وهذه الحادثة يرويها السيد محمد الصدر (قدس) في احد اللقاءات الصوتية..
ولا بد ان نسأل انفسنا لماذا استطاع السيد محمد الصدر (قدس) وعجز غيره من فقهاء المسلمين سنة وشيعة عن بيان الاحكام الفقهية المرتبطة بالفضاء؟
والجواب باختصار أعلمية السيد محمد الصدر في الفقه والاصول هي التي مكنته من ذلك دون غيره وقد ذكرت في بحث السيد محمد الصدر (قدس) أعلم في الفقه والاصول الأسباب التي جعلته (قدس) يتفرد في فقه المستحدثات فبعض هذه الأسباب يكمن في العلوم المرتبطة بهذين العلمين (أعني الفقه والاصول) كالفيزياء والكيمياء والفلك والاحياء والطب والرياضيات والفلسفة والعرفان والقانون وعلم الاجتماع….الخ.
ويمكن أن يطبق نفس الكلام الذي ذكرناه بحق كتاب فقه الفضاء على الكتب الفقهية التي تندرج تحت عنوان فقه المستحدثات كفقه الطب والموضوعات الحديثة والدائرتين القطبيتين…الخ.
وهناك الكثير من الأدلة الحسية والحدسية التي تثبت الإجتهاد والإعلمية أهمها مؤلفاته العظيمة التي لازال الكثير منها مخطوطا وقد قام السيد القائد مقتدى الصدر(دام تأييده) بدور عظيم في طباعة هذه المخطوطات النادرة فجزاه عن الإسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين….
بقي الإشارة الى أمر لطيف ومهم وهو يتعلق بالرسائل العملية للسيد محمد الصدر فقد كتبت عن هذا الموضوع بحثا كاملا أحصيت من خلاله عدد الرسائل العملية وقد تجاوز أكثر من عشرين رسالة والرقم قابل للزيادة بحسب المخطوطات الموجودة وهذا الرقم القياسي من الرسائل العملية يثبت بوضوح أعلمية السيد محمد الصدر(قدس) في الفقه والأصول…