إن أهم ظاهرة يمكن ملاحظتها في حركة السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) الهداية التي حصلت للمجتمع بشكل لم يخطر على بال العدو والصديق..
وهذه الهداية كانت بدرجة بلغت الذروة في تأريخ المجتمع العراقي..
وهذا ما صرّح به السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) في الجمعة السابعة والعشرين حيث قال ما نصه:
(( ومن هنا يمكن أن نلاحظ أن ما حصل هنا بهذه “صلاة الجمعة” الملتزمون بها جميعا إن شاء الله حصل هنا ما لم يحصل على مدى التأريخ لأي أحد)) انتهى.
فهي ليست شيئاً طبيعياً أو معتاداً بل هي شيء عظيم وتأريخي ينبغي التأمل فيها (اي الهداية) طويلاً لأجل خير الدين والناس أجمعين..
إن النظام الصدامي المقبور حارب بكل ما أوتي من قوة الشعائر الحسينية ولعشرات السنين وسقط بسبب هذه الحرب الشعواء عشرات الالاف من الشهداء العراقيين..
لإن صدام وحزبه أدركوا ما لهذه الشعائر من خطورة على إستمرار حكمهم وتسلطهم على رقاب الشعب العراقي فهذه الشعائر تمثل وجود الأمة وشخصيتها الذي يحد من سطوة الطغاة..
ومع ذلك فإن الهداية التي كانت تحصل بسبب الشعائر كانت على مستوى أفراد قليلين ممن يوفقه الله للتوبة النصوحى.
ومع ذلك إستطاع صدام المقبور من منع هذه الشعائر الحسينية….. وبدأ الإنحدار ينمو في كيان المجتمع العراقي والضلال وإنتشار الأخلاق الرذيلة وتدني وتسافل الأعم الأغلب من أبناء الشعب هذا كان كله!!! بسبب صدام وعصابته البعثية..
حيث حارب كل ما يكون سبباً لهداية الناس..
وزج الشعب العراقي بالحروب تلو الحروب مروراً بالحصار الإقتصادي الخانق..
ونستطيع أن نجزم ونقسم بأن بداية التسعينات من القرن الماضي تمثل الأسوء بالنسبة للشعب العراقي بحيث بلغ الفساد والتسافل والإنحطاط والفقر والجهل والمرض وكل ما هو شر الدرجات العظمى والارقام القياسية.. وأصبح الفرد المتدين شخصاً غريباً منبوذاً من قبل الجميع فهو معرض للإعتقال والسجن من قبل السلطة الحاكمة وقتئذ..
ومن الطريف أن المؤمن إذا أراد أن يحاول العمل من أجل هداية الآخرين فهذا العمل بالرغم من خطورته وصعوبته في تلك الظروف إلا أنه يواجه الصد وعدم التأييد من قبل بعض المتدينين الذين دبّ اليأس في نفوسهم من هداية الآخرين متغافلين عن ما كان سبب لهدايتهم فيكون أيضاً سبباً لهداية غيرهم. وأنتشرت في تلك الفترة وبحسب العقل الجمعي وقتئذ أفكار عجيبة وغريبة منها أن الناس كانوا بقرارة أنفسهم غير راضين لما هم عليه من تسافل وإنحراف الذي كانت من أهم علاماته إنتشار الغناء والاغاني والمغنين بحيث أصبح إحياء الحفلات الغنائية شرطاً اساسياً أو ضرورة إجتماعية ينبغي أن يتحلى به حفل الزفاف..
بل يجد الشخص أو العائلة صعوبة عظيمة في حال عدم أحيإء الزفاف بالحفلات الغنائية الموسيقية الراقصة وإختلاط الجنسين مع ما يرافق ذلك من شرب الخمور هذه الحالة كانت حالة إعتيادية وطبيعية كان الناس يعترفون بوجدانهم أن هذه الأشياء غير صحيحة ولكنهم بدأوا يصطنعون الأعذار بأن هذا هو إنتقام من الله وكأن الله هو الذي أجبر هذا الشعب على الإنحراف وكذلك الكثير ممن يتذرع بأن هذا هو عبارة عن إستجابة لدعاء أمير المؤمنين (ع) على أهل العراق وكأن أمير المؤمنين يريد للعراقيين ذلك والعياذ بالله..
مع أن امير المؤمنين ضحى بنفسه من أجل هداية العراقيين وغيرالعراقيين..
وكذلك إنتشرت فكرة أنه لا يجوز أن تعلم أحد الصلاة لأنه سوف يصلي ومن ثم يترك الصلاة فتتحمل أنت الذنب وهذه الفكرة جعلت الكثير يعرضون عن تعليم الصلاة..
وغيرها كثير من الأمراض المعنوية والأعراض المنحرفة التي تغلغلت داخل كيان الفرد والمجتمع..
ان تلك الحالة المأساوية وظهور الفساد في البر والبحر هي السبب في دخول اليأس والقنوط للأعم الأغلب من المتدينين على قلتهم في ذلك الوقت!!!!!
بقي شيء أن أشير إليه وأشهد الله عليه وكفى به شهيداً لم يكن في تلك الفترة شيء أسمه التقليد بل كان التقليد يقتصر على عوائل العلماء وبعض المؤمنين وحتى هذا البعض لا يعرف من التقليد إلا أسمه…..
وهذه من المآسي التي كان يعانيها المجتمع العراقي..
ولكن وحين بزوغ مرجعية السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) حصل إنقلاب جذري وثورة إجتماعية يصعب عليَّ إحصاءها والتعرض الى مستوياتها ومجالاتها بل إقتصر على ما تيسر تاركين لوجدان القارئ وعقله المجال في التأمل والتفكير..
كان السيد محمد الصدر(قدس سره) بارعاً في صناعة الإنسان..
إن أحد العلماء والعرفاء قال:
((من السهل أن يكون الإنسان عالماً ولكن من الصعب أن يكون الإنسان انساناً)).
إن صناعة الإنسانية في الإنسان ليست بالأمر اليسير وهي عين الهداية فليس كل من تعلم إهتدى الى الصراط المستقيم..
إن التربية التي أحدثها السيد محمد الصدر(بفضل الله ومنه) كانت تربية عظيمة شملت العلم والمعرفة والأخلاق والنفوس إستطاع السيد محمد الصدر(قدس سره) أن يهدي الفرد والمجتمع بل وبدأت تتسرب الهداية الى بعض مفاصل الدولة!!
إن الملاحظ في تلك الفترة أن الشعائر الحسينية أحييت من جديد وعلى يد هذا العبد الصالح الذي كان بنفسه يلطم وينشد وأصبح اللطم بالشوارع..
ولم يكتف السيد محمد الصدر(قدس سره) بهذا بل أحيا الكثير مما عُطّل من شعائر وفرائض..
إن السؤال الذي لازال في الذهن كيف استطاع السيد محمد الصدر(قدس سره) هداية المجتمع في أصعب ظروف مرَّ بها المجتمع العراقي الذي كان محكوماً بالحديد والنار من قبل أعظم طاغية في التأريخ..
وليس الأمر يقف عند هذا الحد بل إن هناك الكثير من الحوزات العلمية ورجالات الدين في داخل العراق وخارجه وقف ضد السيد محمد الصدر (قدس) في مشروعه الإلهي ووقفوا من حيث يريدون أو لا يريدون بصف الطاغية من أجل ايقاف عجلة الهداية التي كان يقودها السيد محمد الصدر(قدس سره)ومع ذلك كله فقد نجح الشهيد محمد الصدر في هداية مئات الالاف بل الملايين من العراقيين..
كيف إستطاع وهو لوحده هداية أمة بأكملها وعجزنا نحن وخصوصاً بعد زوال الطاغية صدام؟
إن السر في ذلك أن السيد محمد الصدر(قدس سره) بلغ درجة العصمة الثانوية لأن هذه الهداية هي هداية العصمة فالسيد محمد الصدر(قدس سره) تربى على يد محمد وآل محمد(ص) تربية عالية وجليلة بلغ مقامات عالية من درجات التكامل الأمر الذي جعله بفضل الله قادراً على التأثير في النفوس….
ونحن إذا أردنا ان نؤثّر تأثيراّ طيباً فعلينا الإهتمام بالتقوى والعبادة وبتطهير نفوسنا من الأدران والأوساخ والأحقاد وحب الدنيا..
وعلينا ان نتدرج في الهداية والتقوى إبتداءاً من الإلتزام بالشريعة الظاهرية يعني فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات ومن هنا ينفتح باب الخيرات والرحمة الإلهية التي نستطيع أن نجود بها على الآخرين في سبيل هدايتهم الى الحق والعدل والخير والصلاح….