9 أبريل، 2024 12:34 ص
Search
Close this search box.

محمدُ الصدرِ شهيدُ العدالةِ الاجتماعيةِ

Facebook
Twitter
LinkedIn

هناك جدلية بين المفكرين الإسلامين تتعلق بالدولة الإسلامية من حيث أسبقيتها وتسبيبها ومن المفكرين من تبنى هذه النظرية التي تقول بإن إقامة الدولة العادلة (الإسلامية) أولاً ومن ثم المجتمع الإسلامي العادل..
إلا أن الشهيد محمد الصدر(قدس سره) يرى عكس ذلك بإن المجتمع الإسلامي العادل هو الذي تنبثق منه دولة العدل الإسلامية وإلا فمصيرها الفشل وهذا ما نجده واضحاً وجلياً في موسوعة الإمام المهدي(ع) حيث إن طول الغيبة يؤدي الى تمحيص وتكامل المجتمع فكرياً وعاطفياً..
وقد أشار السيد محمد الصدر (قدس سره) في الجزء الأول من الموسوعة تأريخ الغيبة الصغرى من خلال حياة الامام حسن العسكري (ع) وبالتحديد حينما تعرض لموقف الخليفة المهتدي الذي أراد أن يسلك مسلكاً مشابهاً لمسلك عمر بن عبد العزيز في الإهتمام بالعدل والمظالم وإليك أخي القارئ بقية الكلام في نفس المصدر حيث ذكر السيد محمد الصدر(قدس) ما نصه:
((وأما بالنسبة للمهتدي العباسي, فما قد يلاحظه التأريخ كونه متحنثاً متديناً, يتشبه بعمر بن عبد العزيز, وكان يواصل الصيام وكان يركع ويسجد الى أن يدركه الصبح (المروج ج 4)

وإنه بنى قبة للمظالم جلس فيها للعام وللخاص وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرّم الشراب ونهى عن القيان وأظهر العدل (المروج جزء 4 ص 96)
{ … وهذا وإن كان تقدماً نحو الحق بالنسبة الى أسلافه وتخلصاً عن كثير من العثرات والإنحرافات التي وقعوا فيها إلا أنه على اي حال حق بمقدار فهمه وإدراكه.. حق مبتور ناقص.. لا يمكن أن يكون هو التطبيق الصحيح للإسلام.. ومن ثم وقف الناس منه موقف الرافض المستنكر وذلك إنطلاقاً من إحدى وجهتي نظر

وجهة النظر الأولى:
وجهة من يجعل إلهه هواه, ويستصعب الحق والعدل ويستكين الى اللهو واللعب الذي عوّدهم عليه الخلفاء السابقون. فكان مسلك هذا الرجل ضيقاً عليه وإحراجاً لموقفه. يمثل هذه الوجهة أكثر الشعب وأكثر القواد والوزراء والمنتفعين. يقول المسعودي! فثقلت وطأته على العامة والخاصة, فأستطالوا خلافته وسئموا أيامه وعملوا الحيلة عليه حتى قتلوه (المروج ج 4 ص 96).

وجهة النظر الثانية؛
وجهة نظر الإمام عليه السلام الواعية لحقيقة المشكلة الإجتماعية من ناحية وللعدل الإسلامي من ناحية أخرى. فليست المشكلة الأساسية في المجتمع, ما أدركه المهتدي من سوء القضاء أو إنصراف الخليفة عن مصالح الناس أو كثرة البذخ في البلاط أو زيادة في مكتسبات القواد ورواتبهم.. فإن كل ذلك وإن كان ظالماً خارجاً على حكم الاسلام.. إلا إن ذلك كله فرع الحقيقة الكبرى للمشكلة, وهو إنحراف المجتمع أساساً عن العدل الإسلامي وعدم وعيه له وعدم إستعداده لتطبيقه والتضحية في سبيله. والحل لا بد من محاولة إيجاد الوعي وتثقيف الناس, حتى يخضعوا للحكم العادل ويكون طيباً على نفوسهم)) انتهى.
[المصدر “تأريخ الغيبة الصغرى ص(171-172)”]

يا له من كلام عظيم ينمُ عن وعي وإدراك منقطع النظير إن هذه الكلمات طبعت سنة 1970 ميلادي وبالتالي فإن هذا الرأي قبل ذلك التأريخ على أقل تقدير في فترة الستينيات.. حيث أشار السيد محمد الصدر(قدس) الى عدة امور:
1. إنحراف المجتمع أساساً عن العدل الإسلامي.

2. عدم وعي المجتمع للعدل الإسلامي.

3. عدم إستعداد المجتمع لتطبيق العدل والتضحية في سبيله.

هذه الأمور الثلاثة تمثل المشكلة الإجتماعية الكبرى وقد أشار السيد محمد الصدر(قدس) أن سببها هو إتخاذ الهوى إلهاً فيكون الهوى صنماً يُعبد من قبل صاحبه!!!..

وأيضا ذكر السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) الحل والعلاج لأصل المشكلة!!!
وهنا تكمن عبقرية هذا الإنسان وإبداعات العالم الناطق المخلص… إن الحل هو محاولة إيجاد الوعي وتثقيف الناس حتى يخضعوا للحكم العادل ويكون طيباً على نفوسهم….
إن هذا الفكرة التي ذكرها السيد محمد الصدر(قدس) قبل أكثر من عشرين عام من تصديه لقيادة المجتمع العراقي لاحظ أنه يقول أن الحل هو المحاولة.. وهذا ما كان يردده كثيراً على المرء أن يسعى بمقدار جهده وليس عليه أن يكون موفقاً..

وهذه المحاولة تستهدف إيجاد الوعي عند الناس وتثقيفهم..

وعلى هذا الأساس قسّم السيد محمد الصدر(قدس) الحوزة الشريفة الى ناطقة وساكتة إعتماداً على محاولة إيجاد الوعي والتثقيف في المجتمع فالسيد محمد الصدر (قدس) يرى أن الحوزة مسؤولة ومكلّفة في إيجاد هذا الوعي..

أما الحوزة الساكتة ترى أنه ليس من الواجب دقُ باب المجتمع وعلى هذا الأساس بنت الحوزة الساكتة فلسفتها الإجتماعية..

إن محاولة السيد محمد الصدر(قدس) إيجاد الوعي الإسلامي تمثل أهم حدث تأريخي في عصر الغيبة الكبرى حيث إستطاع أن يحطّم ملايين الأصنام التي كانت تعيش في نفوس الملايين من أبناء المجتمع وهي آلهة الهوى التي كانت سبب للغفلة والنومة الطويلة وعدم الشعور والوعي لأهمية العدل..
كانت محاولة السيد محمد الصدر(قدس سره) تستهدف الجانب العاطفي والوجداني من جهة وتستهدف أيضا الجانب العلمي والثقافي وقد نجح بفضل الله في كلا الجانبين ولا زالت آثار تلك المحاولة التربوية حية تعيش في وجدان المؤمنين.. قلنا فيما سبق أن السيد محمد الصدر(قدس سره) أحيا وظائف دينية كثيرة أهمها وظيفة التبليغ ووظيفة الهداية(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وصلاة الجمعة التي كانت تمثل المغتسل الروحي لنفوس المؤمنين وليس غريباً أن يتوفق السيد محمد الصدر(قدس) في ذلك أولاً لإخلاصه الذي لم يشهد له نظير
وثانياً لوعيه ،
وثالثاً لعدله وعدالته ،
ورابعاً لحبه وعطفه وحنانه على الناس أجمعين.
———————————

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب