صرح القائم بالأعمال الأمريكي “جوّي هود”:
“القوات الأمريكية ستخرج في حال طلبت الحكومة العراقية منّا ذلك”.
المراقب البسيط يقرأ تصريح مثل هذا هو إحراج للحكومة العراقية،فهو “يعصب برأسها” خروج القوات الأمريكية من العراق،وبالتالي فهو عامل ضغط عليها،وليس تخفيف كما ذكر احد “المحللين” كما نُعت من قبل إحدى القنوات الفضائية وأنا أتابع صباح اليوم أخبار العراق.
ترى ما الذي يدعو المحلل السياسي قراءة ذلك الخبر بطريقة حجي راضي؟
وما الذي يدعو تلك الوسيلة الإعلامية إلى اجتزاء الخبر؟
”الحراك الذي يجري داخل البرلمان العراقي لتمرير تشريع يُخرج القوات الأمريكية، هو حراك طبيعي، لكن بعض النواب يستعجلون وعليهم التأني، إذ أخبرنا الجنرال في الجيش العراقي “عثمان الغانمي” والجنرال “عبد الأمير يار الله “أن القوات العراقية ما زالت بحاجة إلى مساندة قوات التحالف“.
(المقطع الأول لتصريح “جوي هود”).
لازلت مصراً أن بعض وسائل الإعلام ،هي سبب الخطيئة بنسبة كبيرة جداً،عما يجري في العراق منذ تغيير النظام عام “2003 ” ولحد اللحظة.
والسبب هو غياب المهنية والمعايير الأخلاقية،فعندما يتحول الولاء إلى الوسيلة الإعلامية،وليس الوطن تكون البضاعة “تخلف سياسي” وبالنتيجة “الاحتلال”.
القاعدة الإعلامية تقول: (أن الحياد خرافه لا توجد ألا في رؤوس من يفكرون بها)،بمعنى أن جميع الوسائل الإعلامية،وجدت لتحقيق غايات وأهداف انطلقت من اجلها،هذا في ظروف طبيعية تعيشها البلدان الديمقراطية،لكن ما يميز عدم الحياد هناك مساحة محدوديته،كونه لا يتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها مواثيق الشرف الإعلامية،والحريات الفكرية التي تقف عند حدود الوطن و الآخرين،المكفولة دستورياً تحت ظلال الديمقراطية.
انهيار “سد الديكتاتورية” المقيت،وتدفق “شلال الحرية” بقوة عام “2003 “،كان مبرر أن يحدث فقدان للتوازن في الكثير من البؤر،الثقافية، الاجتماعية،السياسية،لحداثة التجربة،وهذا أمر طبيعي في حركة الشعوب والمجتمعات،سيما مع الانعطافات الحادة.
“التندر”المتعارف للسقف الزمني،المشابه لتجربة العراق،ترافقه حروب أهلية كما حصل في “الحرب الأهلية الأمريكية” التي استمرت “خمسة عشر سنة”.
الشعب العراقي نجح في تجاوز مراحل الحروب الأهلية،رغم شراسة رياح الفتنة،وعبر بسفينته، ورسا ببر الأمان،وهو عازم على تصحيح تجربته الفريدة في المنطقة،وأحداث التغيير السلمي عبر صناعة رأي عام واعي،تمثل في المقاطعة الانتخابية عام “2018 “،وصل حد فقدان شرعيتها،كان “مدفع أمساك”، أوقف استهتار القوى السياسية ،وجعلها تدرك أن التغيير سيأتي من الخارج الشعبي،ولو بعد حين،مالم تحدث تغيير من داخلها،تكون بوصلته تحقيق طموحات الشعب العراقي.
فكان المخرج حكومة “عبد المهدي”،التي تتعرض اليوم إلى ضغوطات،بسبب النضوج التراكمي للتجربة الديمقراطية،المحاطة بشرنقة من “الأنظمة الديكتاتورية” التي تدرك بوعي خطورة نجاحها في العراق،وإمكانية تجاوزها للحدود كـ (نموذج ناعم)!،لذا فهي تدفع الخطر عنها بشتى الوسائل،ومن أهمها “التسميم الإعلامي”، الذي ينفذه “محللي الطشة”،الذين لا هم لهم سوى القفز من على منابر المحطات الفضائية،دون أن يكترثوا لفساد البضاعة التي يقدمونها للجمهور الذي بلغ من الوعي أن يحدد انتماءاتهم وهوياتهم.