23 ديسمبر، 2024 6:51 م

هي محطة أخرى من محطات رحلتي، أتوقف عندها وفي يدي سجل ما فات متسائلاً: ماذا جنيت !
ألاف الكلمات والسطور خلال ثلاث سنوات منذ أن بدأت تحت هذا الأسم، بدأت في تموز  2009 حين كان الوطن محتلاً بالهزيمة والإنكسار يغسل جرحه بدموع الحرب الطائفية، وها أنا الان بعد ثلاث ثقال أكتب والوطن محتل بالحزن حد الإشتعال، وبالدم حد الطوفان، وبالطائفية حد اللعنة.
بدأت خلف كيبورد في غرفة حارة ليس فيها شيء لتلطيف الهواء الخانق غير مروحة سقفية رغم وجود سبليت يونيت الذي صار لونه كلون التراب بسبب عدم قدرة الطاقة الكهربائية حينذاك على تشغيله، وها أنا أكتب الآن والحالة نفسها مع دفع هدية معتبرة لصاحب المولدة لكي أستطيع أن أنام تحت المروحة السقفية في نهار رمضاني حارق خانق.
بدأت والكل يذبح الكل بسبب هيستيريا الأصبع البنفسجي، كتل تتحالف، صيحات مزعجة كأنها تصدر من الذي يحمل أسفارا أو من الذي إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث، وإغتيالات نوعية لتصفية هذا المنافس او ذاك، ولقاءات هي في الاساس مدفوعة الثمن لفضح هذا الطرف أو تلك الجهة. والآن الكل يذبح الكل تحت مسميات نفسها مع زيادة الرغبة في البقاء على كرسي السلطة أو البرلمان أو على بطون الناس الخاوية.
في 2009 كان الفلان الفلاني شخصية (وطنية) لأنه كان معارضاً للدكتاتور رغم ما في هذا الكلام من زيف تأريخي، وبعد ثلاث سنوات صار هذا الفلان الفلاني هارباً رغم تاريخه (الوطني) تلاحقه جرائم قتل طائفية . بدأت مع وجود رئيس جمهورية رغم أنه لم يكن يوماً رئيساً للكل غير حزبه وقومه، والآن أكتب من بلد رئيسه ميت دون إعلان رسمي لاسباب أطول من ألفية أبن مالك.
قبل ثلاث سنوات، كان هناك وزير داخلية يجتمع إجتماعات وزارته في طهران لأن الكهرباء متوفر والجلسات غير مراقبة !! والآن لا وجود لوزير داخلية غير وجه تلفزيوني يحب المايكروفون أكثر من حبه لأي مواطن عراقي!. وكان هناك وزير دفاع فاسد جاء على أثر وزير دفاع فاسد، وها نحن الآن، الشخص نفسه وقد لبس وجه المثقف الملتحي وزير الدفاع بالوكالة .
بدأت وكان أكبر إنجاز حكومي هو توسيع جناح الطب العدلي لأستلام الجثث وليس البحث عن الحلول لوقف القتل، والأن بعد ثلاث عجاب، فان أكبر إنجاز حكومي هو عدم الحاجة إلى الطب العدلي، فلا وجود للجثث الكاملة، وما تبقى من الجثة ليس من إختصاص الطب العدلي، فالتكة واللحم المهروس المخلوط بأسفلت الشارع، أو كف بلا جسد، او رأس دون ملامح في عربة بيع الخضار، كلها ليست من إختصاصات الطب العدلي في بلد صار فيه الطب مصدره صيدليات البسطيات في سوق مريدي أو الكاظم أو بغداد الجديدة.
بدأت، وكانت المدارس  في العراق مزدحمة إلى درجة 47 طالباً في الصف نصفهم يتشاركون في رحلات مخصصة لطالبين، إن كان محظوظا، او يضطر أن يجلس على أرض رطبة في الشتاء، وحارة في الأشهر التي تقترب من الصيف ونهاية الدراسة، والآن، مدارس في ثلاث أوقات دوام بسبب قلة عدد المدارس، ومدارس يأتي الطالب إليه وهو يحمل كرسيه البلاستيكي المكسور معه هذا إن كان طالباً يحرص على الدراسة.
بدأت بعد جولة لي في أحد الشوارع حين رأيت أعلام العشائر والاحزاب أعلى من علم الوطن، والآن، لا وجود لعلم الوطن، لا وجود لعلم معتمد نتفق عليه، مع زحمة أعلام ملونة حتى العلم الخاص بتشجيع نادي ريال مدريد أعلى من العلم الوطني لجمهورية العراق.
بدأت حين كان في موبايلي أسماء أكثر من مائة وخمسين صديقا، والآن، أمام مائة وثلاثين منهم كلمة الراحل…رحل قتلاً أو أختفى أو هاجر أو صار راحلاً عن القلب !
بدأت وأنا أحمل في جسدي مرضا واحدا من تبعات خدمتي في الجيش العراقي، والآن أحمل إرتفاع الضغط والقولون العصبي وكوابيس أسبوعية وهلوسات وبداية زهايمر بسبب تآكل الدماغ في الجزء المخصص لذكريات الوطن.
 هذه بعض حصيلة ما حملت من عربانتي في ثلاث سنوات من رحلة ستستمر، وربما، سيكون هناك من يخبركم عن الحصيلة بعد ست سنوات، حين تجلسون في غرفة حارة ، ليس فيها حتى مروحة سقفية لترطيب هواء الغرفة، بل صورة لمروحة سقفية، إحتراما لذكرى الراحل العزيز…الكهرباء عليه رضوان السماء ولعنة العراقيين كلهم لانه أهانهم أكثر من أي شيء آخر.
[email protected]