23 ديسمبر، 2024 11:53 ص

” الاحتجاج السياسي… ظاهرة اجتماعية سياسية سلمية… تحوي الإجراءات التقليدية واللا تقليدية… ولا تتضمن افعال المواجهة والعنف… انما تضم المظاهرات والإضرابات والعصيان المدني… وانتهاءً بالإيماءات الرمزية في رفع صورة العلم الوطني… لرفض وكبح الواقع العربي الفاسد !!!”
لا يوجد تفسير واضح لمفهوم الاحتجاج السياسي، يشمل جميع الباحثين، استنادًا إلى مهامهم العلمية الخاصة والى العديد من الإجراءات السياسية وأشكال المشاركة السياسية المختلفة للمواطنين في هذا المفهوم، وان وجهة النظر المشتركة إلى حد ما هي تعريف الاحتجاج السياسي باعتباره أحد أشكال المشاركة السياسية للمواطنين معبراً عنها في تجسيده للموقف السلبي تجاه النظام السياسي ككل أو لعناصره الفردية ، القواعد ، والقيم في شكل مفتوح ، فتشمل أشكال الاحتجاج السياسي المظاهرات والإضرابات والاعتصامات إلخ. كما ان الاحتجاج السياسي يعرف بأنه عمل جماعي أو نظام من الإجراءات الجماعية يهدف إلى تغيير أنظمة السلطة التمثيلية أو التنفيذية ، أو سياسة الدولة أو العلاقة بين المواطنين والدولة ككل، وأنه يستخدم الأعمال الجماعية المدمرة التي تستهدف المؤسسات والنخب والحكم والجماعات الأخرى وملتزم بتحقيق بعض الأهداف والمطالب الجماعية للمتظاهرين. فيتم فهم الاحتجاج السياسي ، أولاً وقبل كل شيء ، كشكل جماعي للمشاركة السياسية غير النظامية كما يتم قبول تفسير مماثل للاحتجاج السياسي من حيث نموذج المشاركة السياسية غير التقليدي أو غير القانوني ، مما قللها فقط إلى تصرفات الجهات الفاعلة الجماعية المباشرة، وفهم سلوك الاحتجاج باعتباره شكلاً من أشكال المشاركة ، بما في ذلك مجموعة من ردود الفعل السلبية العلنية للفاعلين الاجتماعيين على أنشطة النظام السياسي ، بهدف التأثير في صنع القرار. وعبر ذلك يبدو لنا أن هذه التعاريف تترك أشكالاً سلبية من سلوك الاحتجاج تتجاوز نطاق التعريف كما في شكل عدم وعي مشاركة السكان في الحياة السياسية، وفي الوقت نفسه وفي ظل الظروف الحرجة تنخفض قيمة المؤسسات الانتخابية ويصبح رد الفعل عبر عدد هائل من السكان حينما يقاطعون او يمتنعون عن الانتخاب مما سيعرف بأنه “احتجاجاً انتخابياً”، وان التصويت “ضد الجميع” أو إفساد الأصوات أو التجاهل المتعمد لإجراء الانتخابات ليس من قبيل المصادفة أن يُنظر إلى الغياب الجماعي للناخبين العراقيين من قِبل العديد من الباحثين على أنه رد فعل سلوكي منطقي تمامًا لعدم وجود المنافسة السياسية ولشيوع التزوير والاحتيال في الانتخابات ويمكن تقييمه بحق كعنصر من عناصر سلوك الاحتجاج.
ان تحليل “الاحتجاج السياسي” ، والذي يرتبط بتقييم بعض الباحثين لهذه الظاهرة على أنها مشاركة سياسية غير تقليدية بحتة ينطلق من فهمه باعتباره مشاركة سياسية غير قانونية للمواطنين، وأنه يختلف عن السلوك غير التقليدي من حيث أن هذه الأعمال لا ينص عليها القانون، ولكنها لا تنطوي على اللجوء إلى العنف كما أن تلك الأعمال غير التقليدية والاحتجاجية والعنيفة تشكل تسلسل هرمي أحادي البعد، فلذا ومن وجهة نظرنا فأن الاحتجاج السياسي هو ظاهرة اجتماعية سياسية متعددة الجوانب ، والتي يمكن أن يكون لها أكثر الأشكال تنوعًا بما في ذلك الإجراءات السياسية التقليدية وغير التقليدية والممارسات السلوكية، والتي لا تتضمن افعال المواجهة والعنيفة فحسب بل تشمل أيضًا الأعمال التقليدية بدءًا من المظاهرات والإضرابات عن الطعام وانتهاءً بالإيماءات الرمزية في صورة رفع العلم أو الاختراق الصوتي ضد واقع الفساد اليومي، وبالتالي فإن مفهوم “الاحتجاج السياسي” ينبغي ألا يشمل فقط أشكالا نشطة وعامة من السخط الاجتماعي، ولكن أيضا الممارسات السلوكية السياسية السلبية التي تعكس عدم الرضا الاجتماعي عن النظام السياسي الحالي أو عناصره الفردية. وهنا نؤكد أن وجهة نظر بعض الباحثين الذين وسعوا مفهوم الاحتجاج السياسي إلى مستوى الوعي العام والحالات الاجتماعية ذات الطبيعة المعارضة تبدو متطرفة مختلفة، وإدراكًا لأهمية مراعاة المكونات المعرفية والأخلاقية والنفسية والعاطفية للظاهرة الاجتماعية السياسية التي تم تحليلها، نعتقد أن الاحتجاج السياسي لا يتحقق كظاهرة اجتماعية إلا في ردود الفعل السلوكية النشطة والسلبية على حد سواء للفرد أو الجماعة، ولذا يجب التمييز بين الهياكل العقلية والمشاعر العامة المعارضة في الاحتجاجات السياسية المناسبة.
بالنسبة لمهام البحث في الاحتجاج السياسي ، من المهم تنظيم الأشكال الرئيسية لردود الفعل الاحتجاجية، لذا يمكن تصنيف نشاط السلوك الاحتجاجي لثلاثة أسباب: مستويات منخفضة النشاط ومتوسطة وعالية، فالمنخفضة هي المتمثلة بالاحتجاج المتغيب كقراءة وسائل الإعلام المعارضة والمشاركة في “الشبكات الاجتماعية” الافتراضية للتوجه الاحتجاجي والتوقيع على طعون المعارضة والالتماسات والنداءات الموجهة إلى السلطات، اما المتوسطة النشاط فتكون متمثلة بإنشاء محتوى معارض في “الشبكات الاجتماعية” والقيام باحتجاج انتخابي وإنشاء محتوى متطرف في الشبكات الاجتماعية و المشاركة في المظاهرات والتجمعات غير المصرح بها والإضراب عن الطعام، اما مستوى النشاط العالي فيتمثل بالمشاركة في عمل أحزاب المعارضة وفي الحملات الانتخابية والمشاركة في تجمعات المعارضة والاجتماعات والبروز بالنشاط كسياسي في الترشح والمشاركة في الانتخابات، وقيادة الحركة السياسية أو الحزب و المشاركة في أعمال العصيان المدني وعدم دفع الضرائب والمشاركة في الاستيلاء على المباني والشركات ورفض مغادرة مكان العمل وحظر حركة المرور والمشاركة في أعمال العنف.
هناك الكثير من الاستفسارات والتساؤلات التي طرحتها وتطرحها قيام وتصاعد قضية الاحتجاجات ومن ابرزها سوسيولوجيا الجهات الفاعلة وأماكن الاحتجاج فمن أين أتوا المحتجين؟ ومن هم ؟ ان الهدف من ذلك هو فهم الطرق السياسية والمسارات الاجتماعية للمتظاهرين وقادة ومنسقي حركات الاحتجاج ، بناءً على مناهج السيرة الذاتية “النوعية” أو المسوحات المنهجية فأن من الواضح أن تحليل ملامح المحتجين وانصارهم لا يمكن فصله عن تحليل أماكن الاحتجاج ، مما يفتح انعكاساً محتملاً على تأثير الأسرة أو القرية أو التضامن الإقليمي أو حتى القبلي في إطلاق وتطوير الحركات. كما ان العلاقات والمعاملات والتحالفات بين المعارضة والمحتجين هي مع وجوبها فأنها متوفرة وضرورية للطرفين، في حين تميل وسائل الإعلام والمراقبين إلى وصف الاحتجاجات بأنها “عفوية” و “غير رسمية”، بينما الأوضاع كانت ولازالت أكثر تعقيدًا ، لأنها تكشف عن وجود ائتلافات مركبة، حيث سعى غير المحترفين في الاحتجاج بسرعة إلى الحصول لدعم بين أحزاب المعارضة والنقابات وحتى بعض القطاعات “المنشقة” في الأنظمة، لذلك ارى وجوب مراعاة تعقيدات التحالفات والائتلافات والاحتجاجات، مع التركيز على تسليط الضوء على “العناصر التجميعية الجديدة” وظواهر التبعثر والتمزق التي تميز المواقف السياسية.