19 ديسمبر، 2024 12:09 ص

محبس أم علي يعصم الساسة من الحسد

محبس أم علي يعصم الساسة من الحسد

إحدى قريباتي، مصابة بعقدة الحسد؛ تخشى أن تطال العين، ما حققه زوجها، من انجازات مالية وتحولات إجتماعية، إبان حكم الطاغية المقبور صدام حسين، حينما “خَضّر” الباذنجان في أمعاء العراقيين.
فابو بيتها.. حينذاك.. يعمل مدرسا جامعيا، ويشتغل بتجارة الاقمشة، تطورت حالهم المعيشية، منتقلين من مدينة “الثورة – الصدر حاليا” شديدة الشعبية، الى حي “الجامعة” رفيع الرقي.
هذه “الفوبيا – العقدة” لم تدعها تهنأ عيشا.. حرمتها من الإستمتاع بالوفرة المالية، التي تجر معها رفاها رغيدا؛ يفترض به ان يجعل الحياة حلوة، لكن “الحسد!؟” ينغصها؛ الى حدٍ دق أسفينا بينها والمحيط الاجتماعي، منعزلة عن “حبايبها” بشكل يقترب من القطيعة… فهي تحذر التبسط معهن؛ كي لاتبوح باسرار تطور حياتها؛ متحاشية حتى أمها وشقيقاتها غير المتزوجات.
عالجت ولدها الكبير.. علي، في اوربا.. مطلع التسعينيات، إذ أجريت له عملية جراحية مكلفة نسبيا، وكلما سألوها عن التكاليف، لم تعطِ رقما محددا، إنما تسرد قصة المحبس الذي باعته؛ ليتعالج علي بثمنه! وابتليت بولد محدود الاستيعاب دراسيا؛ فاضطرت لتاجير مدرسين خصوصيين له، قبل امتحانات بكلوريا الاعدادية، من دون ان تذكر المكافأة التي تقاضاها المدرسون، مكتفية بـ “بيع المحبس”.
ثم زوجت ولدها المهندس الذي استشهد لاحقا بايدٍ غادرة يتبرأ منها أهل “الاعظمية” باعت لأجل زواجه.. نفس المحبس للمرة الثالثة.. على التوالي، وبنجاح منقطع النظير، يتندر به الأقرباء!
رباط السالفة شاهدت سياسيين كانوا حفاة.. عراة في حواري دمشق وطهران وخرايب اوربا؛ يعيشون على صدقات الدول والامم المتحدة، يتحدثون الآن عن ملايين وقصور يمتلكونها ابا عن جدٍ.. أحدهم قال خلال لقاء على إحدى الفضائيات: “ورثت في الخمسينيات 5 مليارات عن والدي” وفي الخمسينيات، لم تكن ميزانية 15 دولة تصل الى 5 مليارات.. على الاقل كذبوا بـ “عرفة” لتغطوا على فسادكم.. “إذا إبتليتم فإستتروا”.. لا تنتهجوا سبيل عدي صدام حسين، الذي نشر على صفحات جريدته “بابل” أن بطاقته التموينية ضاعت، تضافرا مع تصريح شقيقه قصي، بأن والده باع غنمات ورثها عن جده، وزوج أخاه!
ما يعني أن كل حكومة تجيء “تبيع لواتة بروسنا” وتعاملنا على أننا مغفلون؛ فسياسيو ما بعد 9 نيسان 2003، أعرف أصولهم من عوائل معدمة، في العراق، عانوا شظف العيش مغتربين، إعتمادا على راتب اللجوء، البالغ 250 $.
باستثناء كم شخصية معروفة، من عوائل ثرية، وانا طبعا لست منهم؛ لاني من عائلة متوسطة الحال، جاهدت بعد تخرجي في كلية القانون؛ وأشتريت دارا في المنصور، مساحتها ٦٤ م٢، يعني النوم فيها وقوفا، ولم أستغربها؛ لأن ضيق الزنزانات.. خلال الاعتقالات السابقة، هيأني عضليا ونفسيا، للنوم وقوفا.
لم يترك لي والدي.. صبري حداد، سوى ٤٥ م٢، من دار العائلة في شارع فلسطين،  تنازلت عنها لشقيقاتي اللاتي دخلن معتقلات أمن صدام، ولم يكتب لهن الزواج؛ كون من يتقدم لخطبتهن اما فقير واما واحد من ضحايا البعث؛ فيرفضن؛ كي لا يفطرن على بصلة، الى ان حل السحور وأغلقت قلعة الزواج بواباتها، فـ… واصلن الصيام، حتى أرذل العمر!
عودا الى محبس ام علي.. قريبتي.. التي تزوجت سنة ١٩٦٤، فإنها تشبه سياسياً يدعي إمتلاكه ملايين الدولارات منذ عهد النظام السابق، وآخر يقول أنه كان ينفق على الوزارة من مطعم “الطبيخ” وثالث.. جده تاجر ورث عنه… محبس ام علي، ورابع ملأ فمه بالقول: “نصف بغداد إلنا.. من جسر الأئمة، الى الباب الشرقي” فعلق صديق طفولته: “جا إشمالكم عايفين نصف بغداد، وساكنين بالايجار”.
بالنتيجة أم علي تدرأ فوبيا الحسد بالمحبس، والساسة يغطون على فسادهم بـ “ورث” غير المعقول!