22 ديسمبر، 2024 6:42 م

محاولة اغتيال ترامب… خلفيات اجتماعية وتاريخية

محاولة اغتيال ترامب… خلفيات اجتماعية وتاريخية

لم تكن محاولة اغتيال دونالد ترامب معزولة عن الاحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي انتهت بفوز بايدن، وهي ايضاً استمرار للتطورات السياسية والامنية التي تعاني منها الولايات المتحدة منذ العام 1975، جراء ما تركته هزيمة الاميركيين في حرب فيتنام من اثار سياسية واجتماعية واقتصادية.
اضف الى ذلك ان ازمة الرهائن في سفارة الولايات المتحدة بطهران عام 1979، ارخت بظلال من الشك شعبياً بشأن القوة الاميركية، فيما لم تشفع لها هزيمة الاتحاد السوفياتي في افغانستان اواخر الثمنينات، بل انها دفعت الى مزيد من عدم الثقة الوطنية، لان النصر كان عبر وكلاء، وليس بإيدي اميركية، معطوفاً على ذلك الخسارة الاميركية العسكرية الثقيلة في لبنان عام 1983، التي انهت الدور الاميركي في لبنان، آنذاك، بضربة واحدة، وهي مؤشر تالياً على الضعف في مناطق اخرى، ومنها لاحقاً الصومال واليمن وليبيا والعراق وسورية، وحاليا العجز الاميركي في العالم العربي.
لهذا لا يمكن الاخذ بكل هذه الاحداث بمعزل عن بعضها بعضا، فالحزبان الديمقراطي والجمهوري شريكان بهذه الاحداث، ويتحملان المسؤولية فيها بالتساوي، ولهذا كانا دائما يحاولان ابعاد الشبهات عنهما عبر إشغال المواطن بقضايا ثانوية، فيما لم يعملا من اجل اعادة ترميم المجتمع الذي مزقته تلك الاحداث، يضاف اليها العب المالي الكبير جراء الديون الهائلة التي وصلت اليوم الى مستويات لا يمكن القبول بها.
يدرك المراقبون جيداً ان طبع الدولار لا يغير في واقع العجز الكبير، لان الولايات المتحدة الاميركية كأي دولة في العالم لا يمكنها الاستمرار بضخ المليارات من دون اي غطاء تجاري او صناعي، بينما القوة العسكرية في هذا الشأن تبقى محدودة، اذ لا يمكن ارغام الدول او الشعوب على التعامل بالدولار بالقوة، فهذا سذاجة اولاً، وثانياً تفسح في المجال للقوى الاخرى لعزل اقتصادها عن الاقتصادي الاميركي، ولقد بدأت بعض الدول بالابتعاد عن الدولار.
من هنا، وطالما لم، ولن، تكشف دواعي المواطن الاميركي الذي حاول قتل ترامب (الدوافع الحقيقية، وليس كرهه لترامب والجمهوريين، رغم انه جمهوري)، فالنظريات في هذ الشأن ستستمر الى ما لا نهاية، لكن ذلك لا يلغي الاسباب الجوهرية المستمرة منذ عقود.
هنا لا بد من الاشارة الى كل محاولات الاغتيال، او الاغتيال التي جرت في الولايات المتحدة، منذ اعلان الاستقلال كانت اسبابها اقتصادية – اجتماعية، وليس سياسية فقط، انما غُلفت بشعار سياسي، لهذا حين يقول حاكم ولاية بنسلفانيا غوش شابيرو: “ان الخلافات السياسية يجب ألا تواجه أبداً بالعنف”، فهو يدلل على ان الامر ليس مقتصراً على الخلافة الرئاسية، فهناك قضايا اخرى اشد تأثيراً على المواطن، منها ارتفاع معدل البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي،  وارتفاع عجز الموازنة الحكومية، وحجم الدين، اضافة الى  فوضى السلاح، والإجهاض والتمييز العنصري، والطبقية، والفقر، وكل هذه العوامل تضغط على المجتمع فيما لا تجد حلولاً، ما يؤدي الى المزيد من الفوضى، ويرفع معدلات الجريمة والاقبال على المخدرات، وايضا بسبب العجز عن تأمين ابسط مقومات العيش يكثر تفكك العائلات، وهذه المشكلة الاجتماعية دفعت الى بنسبة لا بأس بها من الاميركيين الى البحث عن حلول خارج بلادهم.
في المقابل هناك شبه انفصام سياسي، من كلا الحزبين، حيال تلك الازمات، والاكتفاء بتنمية القوة المالية للشركات الكبرى على حساب المواطن، ولهذا هي تأخذ الصراع بعيداً عن الهموم الاجتماعية للشعب الذي يجد نفسه في دوامة لا فكاك منها.
اياً كانت النتائج لما ستنتهي اليه التحقيقات بمحاولة اغتيال ترامب الفاشلة، الا انها كشفت عن المزيد من الاهتراء السياسي، وكذلك الامني الداخلي، وكل هذا على حساب المواطن الاميركي.
نعم، ربما تعزز محاولة الاغتيال الفاشلة حظوظ ترامب في الانتخابات، لكنها لن تغير من الواقع شيئاً، فالمواطن الاميركي واقع بين نارين، لهذا صدق الصحافي الاميركي توماس فريدمان بتوصيف الحال بعد اعلان نتائج الانتخابات في نوفمبر المقبل حين كتب “نخشى من فوز بايدن لأنّنا سنحتاج جميعاً إلى الصلاة من أجل أن يتمكّن من النهوض من السرير كلّ يوم لتنفيذ أجندته، اما اذا فاز ترامب سيتعيّن علينا جميعاً أن نصلّي من أجل أن يظلّ في السرير طوال اليوم حتى لا يتمكّن من تنفيذ أجندته المتهوّرة”، وهذا المرة الاولى التي يصدق فيها فريدمان.
كاتب، صحافي لبناني