أدعوكم إالى متابعة محاكمة حسني مبارك، وأدعوكم الى تتبع جلساتها بكل دقة وانتباه، فهي محاكمة القرن، أو هكذا يقولون ونسمع. يشدد الاعلام العربي على هذا الوصف نافياً كل جدل يخطر على البال، ومتجاهلاً أي سؤال قد يطل برأسه من شبّاك المنطق: بماذا نصف ـ إذاً ـ محاكمة صدام حسين؟ قد تكون نظرة متأنية أو سريعة الى المحاكمتين كافية للإجابة على هذا السؤال.
في القاهرة: لم يتفوه مبارك بشيء، سوى رد الاتهامات دفعة واحدة، بينما وضع هو ومن معه خلف قفص عالٍ، وقد حُجب النقل المباشر لدواعٍ أمنية، هذا أهم ما في المحاكمة.
وفي بغداد: كانت محاكمة صدام ورموز نظامه موقعة تاريخية، نُقلت أحداثها على الهواء مباشرة عبر شركة عالمية خاصة تحملت تكلفتها الحكومة، يأتي صدام حسين الى القاعة مرتدياً “قبوطاً” فاخراً، وخلفه أركان نظامه يرتدون العقال العربي الذي نسوه عقوداً ولم يعترفوا به, تحدث صدام حسين كما يريد، سبّ، وشتم، بل إنه تعدى حالة الدفاع عن النفس ورد التهم الى القاء الخطب والتوجيهات والانتقادات، وكأن العقود المريرة لم تكفه، واحتاج الى وقت مستقطع ليكمل النقص. ليس هذا فقط، بل إن اركان نظامه ـ شهوداً ومتهمين ـ أخذوا وقتهم في الدفاع عن انفسهم والهجوم على الآخرين أيّاً كانوا.
ليس هذا فقط ما تمتعت به محاكمة القرن العراقية، فهناك جيش المحامين العربي المتعدد الجنسيات، الذي تصدى للدفاع عن المتهم، تقوده المحامية الدكتورة الفريق الركن عائشة القذافي، الذي يتلقى اجوره العالية من دول ومنظمات.
لقد اهتمت كل وسائل الاعلام بالمحاكمة العراقية، ولم يصفها أحد بمحاكمة القرن، حتى اصحاب الشأن أنفسهم. بل ان الكثير من الاعلاميين ومنابرهم لم تعجبهم هذه التسهيلات الديمقراطية، فأطلقوا صفة الامريكية والصفوية والعميلة على المحكمة، التي كانت درامية أكثر منها مسيّرة أو مفبركة!
برأيي ان محاكمة صدام حسين كانت محاكمة لنسق وسياق وفكر، وإن ما دار فيها كان نشراً لأخلاقيات وأساليب حكمت العالم العربي باسم الثورة والوطنية، كانت وقائع الجلسات سرداً تاريخياً مليئاً بالألم والهزيمة: الدجيل، حلبجة، الانتفاضة الشعبانية، اعدام التجار.. الخ.
[email protected]