23 ديسمبر، 2024 5:32 ص

محافظ البصرة …الخطوة والالف ميل

محافظ البصرة …الخطوة والالف ميل

اذا عملنا فلاش باك في كيفية ، استلام محافظ البصرة الحالي لمنصبه ، فسنرسم دائرة تساؤلات كبيرة ، كيف اجمعت كتل الاسلام السياسي في البصرة ، على ترشيحه ودعمه للمنصب ، وهو ذو الاتجاه المدني وان لم يعلن ذلك ، لكن انتماءه لحزب المؤتمر الوطني ومنصبه القيادي فيه دليل غير قابل للنقض . الاجابة هنا قد تكون ، انه بقدراته اسنطاع ان يقنع هذه الكتل بترشيحه ، ففي حينها البصرة كانت مستعرة بالتظاهرات اليومية ، المطالبة بمحافظ مستقل ، وقد يكون ذلك عنصر قوة لصالح المحافظ ، لاننسى ان بعض هذه التظاهرات هتفت ضده عند دخوله المحافظة لاستلام منصبه ، باعتبار انه نتاج لكتل سياسية تسلطت على البصرة ، ولم تنتج سوى الفشل والفساد .
مساره بعد ذلك وخلال عام ، لم يحدث فرقا عن سابقيه ، بقيت البصرة على حالها تعاني البطالة والفقر ، ولا مشاريع فيها غير المقرنص ، الذي يبدل كل عدة اشهر ، مقاولات محاصصة للكتل المتحكمة في المجلس . الانعطافة الاولى في مسيرة المحافظ ترشيحه ضمن قائمة النصر ، وفوزه في الانتخابات النيابية ،لكن سرعان ما ادرك ، ان مايريد ان يحصل عليه للبصرة ، لن يكون عبر رئيس هذه القائمة ، حيدر العبادي ، رئيس للوزراء في حينها ، فطلب العون من سائرون لمساندته ، بزيارة مباشرة للسيد مقتدى الصدر ، عارضا الحال وطالبا العون ، وكانت جلسة البرلمان المعروفة مع حيدر العبادي الذي احرج حينها ،لانه تنصل عن ما وعد به البصريين ، من توفير الاموال للمشاريع المتعطلة ، وايجاد حلول للعاطلين عن العمل . لمن يتذكر هذه الجلسة ، وماظهر فيها من عجز حكومة العبادي ، كانت القشة التي ابعدت العبادي عن رئاسة الوزراء الثانية . كان للمحافظ مااراد فقد حصل على الاموال اللازمة للبدء بمشاريع ذات اهمية حيوية للبصرة ،وهو الامر الذي ضرب مصالح كتل ، جعلت من البصرة بقرة حلوب لمصالحها الضيقة ، فبدات تخيط المؤمرات للاطاحة به ، واسجلها صراحة اني سمعت من احد المتنفذين في هذه الكتلة قوله ” البصرة حصتنا ولن نفرط بها ” .
المحافظ ، لعبها بعقلية برغماتية تستحق الثناء ، فهو لم يؤدي اليمين ليكون عضوا في البرلمان ، اي لازال قانونيا محتفظا بمقعده البرلماني ، وبنفس الوقت ادرك ، ان تفريطه بمنصب المحافظ ، تفريط بحقوق اهله في البصرة ، في البحث عن محافظ مستقل وصاحب قرار . وان وجوده في البرلمان ، وجود بلا انجازات حاله حال برلماني البصرة السابقين والحاليين ، لكن بقاءه في منصبه كمحافظ ،سيكون معيارا لكفائته وقدراته ،خاصة وانه مهندس ، وذو خبرة قوية في مجال الادارة والادارة المالية بالتحديد من خلاله مناصبه السابقة في البنوك الخاصة .
قوة المحافظ ،تكمن في استقلاليته فهو غير تابع لقائد او صنم في بغداد ، او كتلة او حزب فاشل يفرض ارادته على قرار المحافظ ، وقد اتضح ذلك من خلال انجازين ، الاول حل ازمة جوازات السفر ، فقد سارع بتزويد الدائرة بخمسين حاسوب ، لحل مشكلة الازدحامات المبالغ فيها للحصول على جواز سفر للمواطن البصري ، والثانية ، نقل خمسين موظفا الى دائرة التقاعد ، لفك اكتضاض المتقاعدين على مو ظفي التقاعد، وعزز ذلك بقرار ، رفع التجاوزات ، وهو انجاز يحسب له ، فالتجاوزات نتيجة ،لفقدان سيادة القانون وعجز عن تطبيق النظام ، ورفعها اعادة لهيبة الادارة العامة وقوة القانون ، لكن كما اسلفت التجاوزات نتيجة ، واسبابها واضحة ، تهاون الموظفين وتغاضيهم ، وقد يكون ذلك ناتجا عن رشاوي وفساد ، وهذا تحدي اخر على المحافظ مواجهته .
في القرارات اعلاه ، وفي قرار فتح طريق المطار ، اثبت المحافظ بانه صاحب قرار بصري ، فهو لم ينتظر او يتوسل الى السلطات في بغداد ، لتجد حلا لهذه المشاكل المزمنة ، بل بادر باتخاذ قرارات استجابة ، لطلبات المواطنين ، لابد هنا من الاشارة بان استجابة الادارة العامة لحاجات مواطنيها ، من مؤشرات الادارة الرشيدة. على المستوى الاستراتيجي ، فهناك مشاريع تنفذ على قدم وساق في القبلة وفي ياسين خريبط وفي مناطق متعددة من البصرة ، وكلها مشاريع بني تحتية ، مجاري وماء وتبليط ، كما أن تجهيز الكهرباء شهد هذه الصيفية تغيرا نوعيا .
البصريون يتطلعون ، منذ التغيير للنهوض بمدينتهم الفيحاء عروس الخليج وفينسيا الشرق ، وفم العراق ، لن يكون ذلك الا بظل قيادة تجمعهم يلتفوا حولها ، ليحصلوا على حقوقهم غير منقوصة من سلطات بغداد ، ولن تتنفس البصرة مدنيتها وحضارتها وتنميتها ، الا بانتزاع الحق الحصري والدستوري للبصريين ، باقامة اقليمهم الموعود ، وتساءلهم المفعم بالشكوك ، من المؤهل من القيادات السياسية ، لقيادة هذا الاقليم ، وهذه القيادة ، بالضرورة يجب ان تقنع البصريين بانجازاتها وافعالها ، لا مجرد كلام . تحدي اكبر يواجه محافظ البصرة ، بدء بالخطوة ، و ينتظر منه البصريين ، اكمال مسيرة الالف ميل .
باحث في التنمية المجتمعية والحكم الرشيد