تعتبر محافظة ديالى من المحافظات المستعرة والمتوترة ولا زالت على صفيح ساخن فهي تخرج من ازمة سياسية وامنية وسرعان ما تدخل الى اخرى وهذا بفعل التضارب الحاصل في الرؤى السياسية لدى الفرقاء العاملين على قيادتها سواء في مجلس المحافظة او المحافظ ومعاونيه ، فهي خليط قومي وديني ومذهبي إضافة الى الخلفية السياسية والولاءات الحزبية مع تقاطع وتضارب المصالح لهذا الحزب او ذاك ، وهذا كله في طبيعة الحال يؤثر بشكل سلبي على كل البرامج التي يتم اعدادها لقيادة تلك المحافظة النائمة على نهر ديالى والممتدة اراضيها على امتداد البصر وانت تشاهد ارخبيلا من بساتين الحمضيات والنخيل الشاهق ارتفاعا الذي يرمز الى عنفوان هذه المحافظة التي تملأ صدرك فرحا وراحة عندما تتكئ على كرسيك على ضفاف النهر وتقابلك شجرة البرتقال وهي تتمايل بثمرها وطيب هوائها النقي .
كل ذلك أراد الارهاب ان يميته والى الابد وقد يكون استطاع في مناطق دون اخرى ولكن ما زال الامل والافق الذي ننظر اليه قائما وبحاجة الى جهود مضنية تحتاج الوقوف بجد في المرحلة القادمة فقد تعاقب على قيادة المحافظة عدد من المحافظين وعدد ممن دخلوا الى مجلس المحافظة عبر دورات عديدة فمنهم من اراد ان يعمل جاهدا بكل ما يستطيع ووقف بوجهه الارهاب الذي يقتنصه ويتحين عليه الفرص للانقضاض عليه وعلى ما يحمله من مشاريع لأجل ابناء المحافظة ولكن هناك من دخل الى تلك الحكومة المحلية وهو يريد تمزيق هذه النسيج الاجتماعي وجعل محافظة ديالى بؤرة انطلاق القاعدة والارهابيين منها والى المناطق الاخرى وخصوصا العاصمة بغداد وقد نجحوا الى حد ما في جعل بعض المناطق بؤرا لتنظيماتهم الارهابية من اجل القتل والذبح والتشريد والتهجير وهو ما عانى منه اهالي ديالى الكرام وعلى اختلاف مذاهبهم وقومياتهم من قتل وتهجير ونفي واخضاعهم الى نظام الولايات الاسلامية ودفع الديات وما الى ذلك من ترهات وافكار خارجة على الدين والشريعة الاسلامية.
التغيرات الحاصلة اليوم في المحافظة تأتي من عدة ابواب تكون قادرة على لم الشتات واصلاح كل ما تم تخريبه خلال السنوات الماضية وابعاد النزعة الطائفية عن مناطق المحافظة بكل اتجاهاتها ، اول هذه التغييرات هو انتقال مجموعة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة من معسكرها في قضاء الخالص التابع لديالى الى معسكرها الجديد غرب بغداد وبما ان هذه الجماعة كانت واحدا من ادوات الارهاب الفاعل في مناطق ديالى من خلال التأجيج الطائفي وزرع الفتنة بين ابناء المناطق وخصوصا المختلطة بالمذاهب والاعتقادات الدينية كما انها رعت عددا من المؤتمرات التي كانت نتائجها هو تمزيق الصف الوطني والنسيج الاجتماعي وبالتالي ضرب الدولة العراقية من خلال استقدام عدد من المناهضين للعراق الجديد والذين لديهم الكثير من المواقف المتشنجة ويضمرون العداء ويتبنون المخططات التي يمكن ان تدمر بناء البلد ، اما التغيير الثاني فهو يتمثل بخروج العراق من مأزق الاقتتال الطائفي الذي مر به خلال السنوات العجاف بين العام 2005 والعام 2008 وهو ما ولد حالة من الاحتقان المذهبي الديني والقومي بين فئات مجتمع اهالي ديالى وقد تبنى عدد من شيوخ العشائر آلية للخروج من تلك الاحتقانات حفاظا على النسيج الاجتماعي فيها والوقوف بوجه الدخلاء على الاصلاء والذين وفدوا اليهم من مناطق اخرى ومن دول عربية لم يكونوا يألفوا هذا النسيج الاجتماعي الذي فرقوه بالقوة وحكم السيف وقطع الرقاب بمساعدة خلايا البعث المنتشرة في بعض مناطق بعقوبة مركز المحافظة وهم عبارة عن ضباط امن ومخابرات تمكن نظام البعث السابق من زرعهم في العديد من اقضية ونواحي ديالى .
التغيير الثالث هو تعيين المحافظ الجديد الذي ربما يكون هو الوحيد الغير مُختلف بشأنه من بين المحافظين الذين تواتروا على قيادة هذا المنصب وقد أثيرت الكثير من المشاكل بين المحافظين السابقين ومجلس المحافظة وهو ما ولد حالة من الفوضى وعدم الالتفات الى حاجة المناطق من الخدمات والاعمار والحفاظ على الامن وكذلك العناية بابناء المحافظة وتوفير فرص العمل لهم التي أبقت ديالى على صفيح ساخن ولفترات متفاوتة .
أقول ان المرحلة القادمة في العراق عموما وفي ديالى خصوصا ستكون بالتأكيد في حالة من التأزم نتيجة الوضع الذي تمر به المنطقة العربية المحيطة بالعراق وخصوصا ما يرتبط بالنظام السوري ومدى امكانية بقائه في سدة الحكم ، فهناك الكثير من المجاميع الارهابية تحاول استغلال الظرف لتولج الى المناطق التي كانت ترتع فيها بقوة من اجل إعادة الحياة اليها من جديد وعودة الحياة يعني اعادة التواجد المكثف لتلك المجاميع والانطلاق منها لتنفيذ الاهداف التي يريدون في المحافظة وباقي مدن العراق وبالتأكيد سيكون الدور الكبير لعناصر البعث التي تحاول ان تعيد نصاب الامور الى ما هي عليه في ذروة الاحداث ما بين الاعوام 2005 – 2009 وهي المساحة التي يتحركون فيها بحرية تامة ، ولذلك على أهالي محافظة ديالى ان يكونوا حذرين ونبهين جدا وان يتفاهموا ليتفقوا على ما يحفظ ابناء المحافظة ومقدراتها وان كانوا يختلفون على بعض النقاط من اجل تفويت الفرصة على تلك المجاميع الارهابية التي تبحث عن الفوضى .