18 ديسمبر، 2024 9:58 م

محاربة الفساد… تبدأ بتغيير المفاهيم

محاربة الفساد… تبدأ بتغيير المفاهيم

بات الفساد الاداري والمالي آفة هذا العصر، لأن تأثيرها تعادل الارهاب بل هي اشد و افتك, وانه الداء الذي اصاب به الانسان منذ القدم، لأن حب المال والجاه يجري في عروقه بقدرة القادر عز و جل، ولكنه استفحل بشكل ملحوظ في منطقتنا و بشكل خاص في العراق, واصبحت ظاهرة لها ابعادها الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية والسياسية وشملت كل مجالات الحياة, ومثلها مثل جميع الظواهر المنتشرة في المجتمع تستند الى مجموعة من المفاهيم والاسس التي لابد لكل باحث ان يشير اليها ويحدد مدى فاعلية كل منها, وعلى الحكومات ان تعمل بكل جد و وفق برامج مكثفة من اجل استئصالها من الجذور تبدأ ببناء انسان مخلص ونزيه في قلبه حب الوطن ويمتد الى الأعماق .
ومما لا تختلف عليه اثنان، بأن محاربة الفساد لا تأتي بثمارها على اكمل الوجوه بأتخاذ الاجراءات القانونية، فحسب لأنها، أي الفساد، اصبح علماً وفناً له الاصول والسبل المتعددة وخرجت من الاطار الفردي ليدخل الى صورة جماعية تتقاسم الادوار فيما بينهم, لذا فان عملية الحد منها ومكافحتها تحتاج الى جهود كبيرة ومشتركة شاملة لا يرضخ للتدخلات والضغوطات الجانبية ومن المفاهيم التي ساهمت في زيادة حدة الفساد وتأثيرها في المجتمع الشرق اوسطي والعراق على وجه الخصوص نشير الى عدد منها :-
الوظيفة فرصة, اولاً لابد ان نعلم بات هيكلية أية حكومة تتألف من مجموعة من الدرجات الوظيفية المتعددة لكل منها حقوق وحدود للصلاحيات والالتزامات يكون لفترات محدودة لينتقل منها الى مكان اخر او ينتهي بالاحالة الى التقاعد ولكن ان ما شاع في الوقت الحالي بين اصحاب الوظائف و خاصة الدرجات العليا منها، ان تولي الوظيفة تمثل الفرصة الذهبية التي لا يمكن ان يتكرر بجمع اكبر قدر ممكن من المال وضمان المستقبل له ولعائلته وان استغلاله واجب عليه و إلا يكون هدفاً للنقد من قبل عائلته واقرباءه واصدقاءه إلا مارحم ربي واتهامه بالجبن و السذاجة وعليه ان يحذو حذو امثاله الذين جمعوا وجمعوا من الاموال ما لا يعد ولا يحصى وانهم ذوات الاماكن الرفيعة واحترامهم بات في حكم الواجب .
الوظيفة (المنصب) تمليك, من المفاهيم الخاطئة والمنتشرة ان تولي المنصب أو المسؤولية لقسم او دائرة معينة تعني، التمليك الصرف(ملك صرف) على طريقة دائرة التسجيل العقاري و وفقاً لقوانينها وتعليماتها, لذلك القسم او الدائرة, وهذا يعني بان من يعمل فيها من الموظفين هم افراد يجب عليهم التنفيذ و الطاعة العمياء لأوامره الصادرة وادنى مخالفة او نقد لأداء الرئيس يكلفهم الحرمان من الوظيفة والطرد, وهذا ما يقتل بذرة الابداع وتقديم الافضل عندهم بل يجعل منهم قطيعاً (مع كل الاحترام والتقدير لهم) يتصرف بهم كيفما يشاء, والادهى من هذا انه يعتقد بأن تلك الدائرة او القسم بكل ممتلكاته هي جزء من ممتلكاته الشخصية يتلاعب بها حسب رغبته دون التقييد بالقوانين والتعليمات الصادرة, وهذا ما يفتح الباب للفساد بل هو الفساد نفسه .
الوظيفة سلطة, صحيح ان الوظيفة سلطة، لكن هذه السلطة مكبلة بمجموعة من القوانين والاوامر التي يجب عدم الخروج من اطاره, وهذا من طبيعة عمل الحكومات، فبدون ان يكون للموظف سلطة معينة لا يمكن له ان يؤدي دوره المكلف به ويقوم بواجبه، ولكن ما شاع في عصرنا هي ان الوظيفة باتت سلطة بيد من يتولى المنصب لتحقيق مآربه الشخصية وتصفية خصومه وكل من يقف في طريق مسيرته ويتباهى بتلك السلطة امام الناس، ويجعل من الوظيفة مصدراَ لقوته وإبراز عضلاته .
هذا غيض من فيض لما يعاني منه الحكومات والادارات ولكنها هي الاهم, وعليه أن تبدأ هذه الحكومات بتغيير مثل هذه الافكار والمفاهيم التي اثرت بشكل سلبي في اداءها والمترسخة في الاذهان لأنها اصبحت للعديد من الآفات الادارية الأخرى مثل التملق والوساطة ودور العلاقات الشخصية وكسب المناصب بطرق غير شرعية ومحاربة أصحاب الخبرة والنزاهة وكبت المتفوق ورفع الخامل الضعيف الى المراتب العليا وغيرها الكثير, وان تعمل بموجب منهاج وخطوات جدية لمحاربة مثل هذه المفاهيم وازالة كل الاسباب التي ادت الى وجودها ونموها قبل ثقافة المجتمع والقضاء لسنوات في نفس المنصب وظاهرة التدخلات الشخصية وغيرها وان ترسخ في الاذهان بان الوظيفة وخاصة تولي المناصب هي مسؤولية وطريقاً لخدمة الوطن والمواطنين، واخيراً معاقبة كل من يتجاوز حدود صلاحياته, وكلنا امل بان الارادة القوية تصنع المعجزات، وما الدول المتقدمة إلا امثلة حية على ذلك، بان الارادة والتخطيط السليم تحول الاحلام الى واقع عملي ملموس ، وأن القارئ الكريم لهذه الاسطر يستطيع ان يستنتج ويحلل ويعرف الهدف، فالفهيم يكفيه الإشارة .