22 ديسمبر، 2024 11:07 م

محاربة الفساد المعركة الآصعب والاهم

محاربة الفساد المعركة الآصعب والاهم

من المؤسف أن يصبح الفساد مجتمعي وليس حكومي أو نخبوي يتعلق بالطبقة السياسية الحاكمة فقط ، وهذا الواقع الجديد للمجتمع العراقي ، أشد تعقيدا وقدرة على الحكومة وهيئاتها القضائية والرقابية من التصدي له بمفردها ، مالم ترافقه حملات أعلامية وثقافية ودينية لتغيير الرأي العام بتبني النزاهة والصدق والاخلاص بالعمل .
فبعد أن أهدر الفساد المالي والاداري في العراق مليارات الدولارات ، وساهم في ديمومة الارهاب ، وتردي الخدمات والظلم والاستغلال ، أستبشر الشعب خيرا بدعوة الرئيس العبادي ، بأطلاق حملته الموعودة بالتصدي للفساد ، وضرب الحيتان الكبيرة ، واستعادة الاموال العراقية المسروقة ، سواء كان اللصوص من المسؤولين بالداخل أم الهاربين الى الخارج ، بعد الانتصارات الساحقة التي حققتها القوات المسلحة والحشدين الشعبي والعشائري في القضاء على التنظيمات الارهابية داعش وأخواتها .
ومن خلال الارقام المتداولة لحجم الاموال المسروقة بطرق شتى ، أكاد أجزم أن الاقتصاد العراقي بخير حتى مع تدني أسعار النفط ،، بشرط أستمرار الاصلاحات الاقتصادية بكل جدية ، ولكن اللصوص زادوا بنسبة كبيرة ، نظرا لتستر بعض المسؤولين الكبار في الدولة وحتى بعض دول الجوار عليهم ، وأن استرداد قسم من هذه الاموال وصرفها في مشاريع أستثمارية صناعية وزراعية ، كفيل بتجاوز الازمة الاقتصادية ومكافحة البطالة وتوفير بيئة اجتماعية مستقرة وأمنة للشعب ، ولن يحتاج البلد للاقتراض بعد الان لدعم موازناته السنوية ، ولكن على الحكومة ورئيسها تشريع قوانين واتخاذ اجراءات وتعيينات تساهم في دعم حملة مكافحة الفساد ومنها ، تعيين رئيس مستقل وقانوني لرئاسة هيئة النزاهة وتفعيل دور الادعاء العام واختيار قضاة مشهود لهم بوطنيتهم ونزاهتهم وشجاعتهم لفتح ملفات الفساد الكبرى وربط المفتشين العموميين في الوزارات والهيئات المستقلة بهيئة النزاهة ، أو الغاء هذه المكاتب في حالة بقاء المفتشين تحت رحمة الوزراء والروؤساء غير المرتبطين بوزارة ، مع تنظيف هذه المكاتب من المفتشين المرتشين والفاشلين ، وحتى الموظفين فيها ، في حال أدت المساومات السياسية الى بقاء الحال على ماهو عليه ، مع ضرورة تعديل قانون العقوبات بتشديد الاحكام ضد الفاسدين وأعادة العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1994 ، القاضي بعدم أطلاق سراح المحكوم بأختلاس أموال الدولة الا بعد أعادتها للخزينة العامة ، والاستعجال بتشريع قانون الحصول على المعلومة ، واصدار قانون منع مزدوجي الجنسية من الحصول على مناصب مهمة في الدولة وعقد أتفاقيات مع بعض الدول لتبادل تسليم المتهمين ، ليتسنى للحكومة أستعادة المتهمين بالفساد منها ، والتنسيق مع الامم المتحدة وهيئاتها والشرطة الدولية ( الانتربول ) لغرض ملاحقة المدانين والمتهمين الفارين ، وحسنا فعلت الحكومة بأستعانتها بخبراء ومنظمات دولية لفتح ملفات الفساد جميعها ، لاستعادة الأموال المهربة ، وملاحقة الفاسدين وحتى الهاربين منهم ومقاضاتهم ليكونوا عبرة لمن أعتبر .
أن حملة د. حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء ، التي أطلقها قبل ايام ، لمحاربة الفساد ، وضعته أمام تحدي كبير ، بعد أن أكد أكثر من مرة ، أن المعركة المقبلة هي “محاربة الفساد لتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين والمستحوذين على المال العام” وهي الحملة التي لاقت ترحيبا سياسيا وبرلمانيا وشعبيا كبيرا .
ومن المفترض أن يكون الترحيب الشعبي واضح من خلال التظاهرات والفعاليات والندوات المساندة لحملة الرئيس العبادي في أجتثاث الفساد من جذوره ، وأن لاتستثني هذه الحملة أحدا لتجنب أمكانية الطعن بها بوصفها أستهداف سياسي لهذا الطرف أو ذاك ، وخاصة بعض قادة أقليم كردستان الفاسدين والمتأمرين على الامن القومي العراقي والثروة الوطنية العراقية ، والتي صرف جزء كبير منها لشراء ذمم بعض السياسيين ورؤساء الاحزاب وتمويل حملات انتخابية لبعض الاحزاب العراقية المغمورة وعلاقات عامة في امريكا وبعض الدول الاوربية لمحاولة أستمرار دعم هذه الدول لااقليم كردستان في مواجهة الحكومة الاتحادية الشرعية ، نظرا لتغطية موازنات الاقليم وحساباته الختامية وتجارته النفطية وأوجه صرفها بطوق من السرية الكاملة ، وهذه أحد اهم الانتهاكات للسيادة الكاملة للحكومة العراقية على الاقليم والتي ساعدت على انتشار الفساد .
اعتقد أن مافيات الفساد لن تقف مكتوفة الايدي ، وعلى الحكومة واجهزتها أن تكون حذرة من ردود فعلها على هذه الحملة ، خاصة وانها مافيات عابرة للطائفية والعرقية والقومية !.
نتمنى أن نرى دور للمرجعيات الدينية والشخصيات الاجتماعية والتربوية والصحافة والاعلام ومنظمات المجتمع المدني وموظفي الدولة الذين يمتلكون أو مطلعين على ملفات فساد في دوائرهم ومؤسساتهم ، بدعم حملة مكافحة الفساد بكل أنواعه ، ومراجعة المناهج الدراسية للمراحل كافة لتضمينها ثقافة النزاهة والوطنية والاخلاق بمساعدة مكتب الامم المتحدة في العراق ، لان هذه المعركة الاصعب والاهم في الوقت الحاضر .