23 ديسمبر، 2024 7:53 ص

مجهول المالك في فقه السيد محمد الصدر

مجهول المالك في فقه السيد محمد الصدر

مجهول المالك مصطلحٌ فقهيٌ له عدة أشكال منها:
1. إذا كان الشيء له مالك ولكنه غير معلوم تفصيلا وفي هذه الحالة إما أن يكون هناك علم إجمالي بالمالك كأن تنحصر ملكية الشئ بعدة أشخاص أو يكون المالك غير معلوم بالمرة..
وهذا الشكل للمجهول المالك نجده متجسّداً في اللُقَطة!!!
2. إذا كان الشيء غير قابل للتمليك كأن تكون الجهة ذات شخصية معنوية فالمشهور يفتي بعدم الملكية.. مثال ذلك الدولة فهي من الشخصيات المعنوية وبالتالي وطبقاً لفتوى المشهور بما فيهم السيد الشهيد محمد الصدر(قدس)…. فتكون هذه الأموال التي تحت سيطرة الدولة هي شكل آخر من أشكال مجهول المالك وقد عبّر عنه السيد محمد الصدر (قدس) في أحد دروس البحث الخارج في الفقه الاستدلالي قال إن هذه الأموال فيها شراكة لملايين الملاك بمعنى أن مالكها متعدد وباللغة الحديثة مالكها الشعب ولذلك سُميت بالأموال العامة..
والآن سوف أستعرض كلمات السيد محمد الصدر(قدس) في كُتبه المتعددة عن هذا الموضوع الخطير الذي كان في وقته يمثل تحدياً للدولة الصدامية الفرعونية الطاغوتية المستبدة..
آخذين بنظر الإعتبار الفهم الخاطئ الذي إنتشر بين عامة الناس في خصوص أموال الدولة وجواز سرقتها مع إن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لم يفتِ بالجواز بل منع تملك مجهول المالك عن طريق السرقة!!! وهذا ما سأذكره من خلال الرسائل العملية المتعددة للسيد محمد الصدر(قدس)……
فقد ذكر السيد محمد الصدر(قدس) حكم مجهول المالك في أول رسالة عملية مطبوعة وهي فقه الفضاء التي طبعت سنة 1990م لأنه قُدس سره قبل ذلك حاول طباعة الصراط القويم في منتصف الثمانينات ولكن الكتاب لم يُطبع بسبب رفض السلطة البعثية وقتئذ بالرغم من كون الكتاب هو رسالة عملية فقهية وليس كتاباً سياسياً!!!..
إن فقه الفضاء هو من أعظم الرسائل العلمية في الفقه الإسلامي وهو حجة دامغه وواضحة في إثبات إجتهاد وأعلمية السيد محمد الصدر(قدس سره) بل وريادته وتفرده في فقه المستحدثات..
وقد ذكر السيد محمد الصدر(قدس سره) في فقه الفضاء مسألة ملكية الدولة ومجهول المالك!!
فقد ذكر ما نصه:
(القسم الثالث: المكان المجهول المالك ولا تصح الصلاة فيه إلا بإذن الحاكم الشرعي الذي قد يكون مع إشتراط دفع البدل وقد يكون بدونه. وهذا متحقق في ممتلكات الدولة من عمارات ووسائط نقل على إختلافها بما فيها المركبات الفضائية والسفينة الفضائية وغيرهما. فلو صلى في المكان المجهول المالك, بدون إذن الحاكم الشرعي فالأحوط إعادة الصلاة وقضائها, إذا كان هو صاحب اليد عليه. وإن لم يكن هو صاحبها فالأحوط الإعادة دون القضاء. وليس لصاحب اليد الإذن بإستعمال المكان المجهول المالك) فقه الفضاء كتاب الصلاة مكان المصلي.إنتهى
وهذا الكلام واضح في موافقة فتوى السيد محمد الصدر(قدس سره) فتوى المشهور بعدم ملكية الدولة وبالتالي سوف تكون الممتلكات هي من قبيل مجهول المالك وقد ذكر السيد محمد الصدر(قدس سه) في فقه الطب أيضا مسائل عن مجهول المالك وقد جاء في عدة موارد ما نصه:
“(17) أراضي وبنايات المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمصحات وكثير غيرها من المؤسسات, هي في عالمنا الحاضر, في الأعم الأغلب, من الأموال المجهولة المالك. فيجب تطبيق حكم المال المجهول المالك عليها. ومن جهة المؤلف: فإنه يجيز هذه التصرفات في حدود ما هو جائز شرعا, بشرط إعطاء أجور رمزية الى المحتاجين المؤمنين, بمقدار معتد به نسبياً. آخذين بنظر الإعتبار مقدار تصرف الفرد في مثل هذه الأموال. هذا حكم غير المنقول من الأموال المجهولة المالك مما لا يمكن للفرد حيازته لنفسه. دون سواها من أشكال المال المجهول المالك” فقه الطب القسم الأول مع الطبيب/ خلال الدراسة /مسألة(17).
وجاء أيضا في فقه الطب القسم الأول مسألة(28) ما نصه:
((28- العمل في الأماكن ذات صفة (المال المجهول المالك) وهي المؤسسات الحكومية عموماً. بما فيها المستشفيات والمستوصفات وغيرها تحتاج الى تطبيق حكم هذا المال كما أشرنا في المسألة(17) من الفصل السابق. سواء بالنسبة الى الأطباء أو الممرضات أو المضمدين أو الخدمة أو الطلبة أو المراجعين أو الأطباء المقيمين أو الإداريين أو أي شخص آخر.
(29) التصرف فيما هو منقول من الأموال المجهولة المالك, مما لا يمكن حيازته للفرد عُرفاً أو قانوناً أو شرعاً, مثل أجهزة الفحص والأشعة وأجهزة العمليات والأدوية التي في المستشفيات تناولاً أو بيعاً الى غير ذلك من التصرفات حتى مثل كنس الساحة أو تنظيف أسرّة المرضى أو غيرهما, كلها منوطة بالشرط, المذكور في المسألة(17) المشار إليها سلفاً.
(30) حيازة الأموال المنقولة المجهولة المالك مما هو ممنوع قانوناً. منوط بإذن الحاكم الشرعي, ومن ناحية المؤلف فإنه لا يُعطي بذلك إجازة ما دام ممنوع قانوناً ويكون بمنزلة السرقة عُرفاً وقانوناً, سواء أمكن للسلطة التعرف عليه أم لا.
لا يختلف في ذلك كل مرافق الدولة وما تشرف عليه من الأموال إلا ما كان لضرورة حياته وطعامه وشرابه فإنه مجاز ولكن يشمل حكم الخمس.
(31) إذا وقع في يد الفرد من الأموال المجهولة المالك, من غير النقود. أما صدفة أو عصياناً فلا يجب بل لا يجوز إرجاعه إلا مع خوف الضرر بل له عندئذ أن يتصدق بقيمته يوم حيازته ثم يجري عليه حكم المجهول المالك الذي نشير اليه في المسألة التالية.
(32) ((النقود المجهولة المالك يمكن إعطاؤها للحاكم الشرعي أو التصرف بها بإذنه. ومن ناحية المؤلف فإنه يجيز التصرف بها بشرط أن لا تكون من ظلم ولا الى ظلم ولا على شكل السرقة(التي أشرنا إليها في المسألة “30 “قبل قليل) ويقول عند قبضه للمال:(أقبضه نيابة عن الحاكم الشرعي, وأتملكه لنفسي) فيدخل في ملكه ويكون حسابه حساب أمواله الأخرى في جواز التصرف ووجوب الخمس وغير ذلك)) انتهى.
أقول ليت شعري كيف يُشاع ولحد الآن بين عامة الناس أن سرقة الدولة جائزة مع إن أموالها هي من مجهول المالك ومجهول المالك أصعب من الناحية الفقهية لأنه متوقف على إجازة الحاكم الشرعي والحاكم الشرعي لا يجيز السرقة بل يشترط عدم المنع القانوني..
وهذا البيان الشرعي للسيد محمد الصدر(قدس سره) ذكره في موارد عديدة فقد ذكر ذلك في كتاب الصراط القويم حيث جاء في نهاية كتاب الخمس مانصه:
(ولو كان مردداً بين عدد غير محصور, فهو مجهول المالك ويجوز فيه أمور: منها: التصدق به عن أصحابه الواقعيين ومنها تسليمه الى الحاكم الشرعي. ومنها قبضه قبضاً شرعياً بإجازة مسبقة من الحاكم الشرعي وذلك بأن يقول أقبضه نيابة أو وكالة عن الحاكم الشرعي أو عن فلان ويسميه ثم يقول: أتملكه لنفسي أو أتصدق به على نفسي وما جرى مجراه فإن فعل ذلك كان المال بحكم سائر أمواله المملوكة.
والإجازة العامة موجودة من قبل هذا المذنب بشرط أن لا يكون من ظلم أو يؤول الى ظلم لا يختلف في ذلك سائر أشكال مجهول المالك ما لم يكن له شكل السرقة) الصراط القويم كتاب الخمس.
وتعليقاً على ذلك إن الصراط القويم هي رسالة عملية موجودة ومطبوعة ايام مرجعية السيد الخوئي(قدس سره) وكذلك السيد عبد الاعلى السبزواري (قدس سره) وأنا نقلت هذا الكلام من الطبعة الزرقاء وهذا الكلام موجود في كل طبعات الصراط القويم في حياته الشريفة وبعد إستشهاده..
والذي يهمني هو عبارة ما لم يكن له شكل السرقة ونستطيع أن نعتبر ما جاء في فقه الطب من مسائل شرحاً لمراده من السرقة وكذلك ما سيأتي مما سوف أنقله من كتاب منهج الصالحين..
حيث جاء في الرسالة العملية منهج الصالحين الجزء الثالث ملحق الموضوعات الحديثة أحكام المصارف/ أحكام عامة:
((“مسألة 1301” يُوجد من قبلنا إذن عام في التصرف بمجهول المالك سواء مما يُسحب من المصارف أو غيره كرواتب الموظفين وأجور العمال وغيرهما وذلك في مرحلتين:
المرحلة الأولى: اننا نشترط أن لا يكون المال المقبوض ( من ظلم ولا الى ظلم ولا على حد السرقة) يعني أنه لم يتم الحصول عليه بظلم ولا أنه يُصرف في ظلم أو حرام ولا أنه من قبيل السرقة من مجهول المالك أو من الدولة فإن هذا خارج عن الإذن وما أجتمعت فيه الشرائط الثلاثة فهو مأذون فيه.
المرحلة الثانية: أن يقول الفرد حين يقبض المال (أقبضه نيابة “أو وكالة” من الحاكم الشرعي “أو يذكر اسمه” وأتملكه لنفسي).
فإذا قال ذلك أصبح المال ملكاً له كأحد ممتلكاته فإن كان لديه رأس سنة للخمس, صرف منه على مؤونته فإن بقي منه باق في رأس السنة دفع خمسه, وإن لم يكن له رأس سنة وجب دفع الخمس فوراً. وجاز تصرف الفرد في الباقي )) إنتهى
وجاء أيضا بعد مسألتين ما نصه.
((“مسألة 1303” يجب على الفرد أن ينوي ما أشرنا إليه قبل التصرف بالمال المقبوض أو فور قبضه فإن تصرف فيه بدون ذلك القصد كان تصرفه حراماً ويترتب عليه إشتغال ذمته به. وهو ما يُسمى (برد المظالم) ويجب عليه عندئذ أن يطّبق أحكامها وذلك بدفعها كلها الى الحاكم الشرعي ما لم يأذن له بالتقسيط أو إبراء الذمة من البعض أو الكل)) انتهى.
وقد بيّن السيد محمد الصدر (قدس) مراده من السرقة حتى يقطع الطريق أمام المتأولين ففي نفس المصدر (منهج الصالحين الجزء الثالث أحكام عامة) قال ما نصه.
((“مسألة 1308” لا تجوز السرقة في اي نوع من المؤسسات المالية حتى لو كانت تتعامل بالشكل المحرم شرعاً والسبب في ذلك بإختصار: أنها إذا كانت أهلية كانت محتوية على أموال المشاركين فيها مضافاً الى المال الحرام وأما إذا كانت حكومية فالأخذ منها موقوف الى إجازة الحاكم الشرعي والمؤلف لا يجيز الأخذ منها بشكل السرقة.وهو كل وجه لا تقبل به الدولة من أخذ المال والحصول عليه. وأما إذا كانت المؤسسة شركة مساهمة أهلية محللة أو كان رأس مال شخصي فالسرقة منه أوضح بالتحريم من الأقسام السابقة)) انتهى.
وأكرّر عبارة السيد محمد الصدر(قدس سره) حيث عرّف مراده من السرقة وهو كل وجه لا تقبل به الدولة من أخذ المال والحصول عليه.
فلماذا شاعَ الفهم الخاطئ المقلوب لهذه المسألة؟ ولماذا يحزن البعض من قول الحق؟؟؟!!!!..
والسيد محمد الصدر(قدس سره) لا تأخذه في الله لومة لائم لأنه أفتى بحرمة التعامل التجاري مع منظمة مجاهدي خلق والجميع يعلم علاقة هذه المنظمة بسلطة البعث..
وكذلك أفتى بحرمة وضع النقود في الأضرحة المقدسة وقيد هذه الحرمة بقوله في زماننا يعني زمن سيطرة السلطة البعثية على العتبات المقدسة للمعصومين وكان السيد محمد الصدر(قدس) الوحيد الذي طالب بإرجاع العتبات للحوزة الشريفة وهذا يبرهن بوضوح وبضرس قاطع أن السيد محمد الصدر(قدس) لا يخشى إلا الله ولا تأخذه في الله لومة لائم..
إن أحكام مجهول المالك سارية المفعول ومطلقة وليست مقيدة بدولة معينة أو مكان معين أو زمان معين لحين ظهور دولة الحق المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء عندها يكون بيان الأحكام الشرعية للإمام المهدي نفسه التي تمثل الشريعة الواقعية التي يعلمها (عليه السلام) بعلمه اللدني كما لا يخفى.