23 ديسمبر، 2024 8:29 ص

مجلس حسيني ـــ بين الإيمان والتدين

مجلس حسيني ـــ بين الإيمان والتدين

﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾

﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ*وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصَّبْرِ﴾.

ابتلاء الدين الإسلامي يتحدد ببعض الشخصيات الذين يمررون أهدافهم الشيطانية وغاياتهم اللئيمة ,ومصالحهم الشخصية على المجتمع باسم الدين .. فيقول الناس عن فلان الوزير او السياسي إسلامي ومتدين ولكنه فاسد … في حقيقة الامر المجتمع الساذج الذي لا يعرف المتدين من المؤمن , هؤلاء المتدينين أصحاب دكاكين .. لان بضاعتهم تسوق على البسطاء والعوام والجهال .بضاعتهم هي لحية ومسبحة وزيارة وصلاة وصوم .الناس يقولون هذا شخص متدين لأنه يطلق اللحية أو هذه المرأة متدينة لأنها محجبة تضع حجابا قطعة قماش على رأسها فتعتبر محجبة ومتدينة , اما سريرتها الله فقط هو من يعلم بها ؟ ولكن الناس يطلقون عليها الناس عنوان متدينة … نوع اخر فلان الذي ينفق على الفقراء ويزورهم وقت حاجته .. أو يصلى فى المسجد!! خلاص يسمونه الناس متدين …اما اذا كان معمما او قارئا للقران او مؤذن الجامع فان المجتمع يعده بمصاف الانبياء والأوصياء ..

ويعتبر الكلام عنهم خط احمر , بل خروج من الإسلام . لو اردنا ان نتحدث عن الخيانة الزوجية نجد ان اغلب من يخونون يصلون ويصومون , ويمارسون الخيانة .. ” اغلب من يؤدي اليمين ” بعد التخرج ان يؤدي عمله بصورة نظيفة , ولكنه يخون وتملي عليه شهواته سواء المادية او الجنسية , كل شريحة مبتلية بالفساد , بعد انتهاء زيارة الاربعين عام 1440 2018 .. عاد الزائرون من كربلاء وأثناء العودة انقلبت شاحنة كبيرة على الطريق الدولي . وهي محملة بانواع المشروبات الغازية وتناثرت شدات قناني البيبسي والسفن اب في جانب الطريق .. وقف عدد كبير من الزائرين وملئوا احواض سياراتهم من المشروبات ” أصبح فرهود” هو كان يخدم في كربلاء وسرق مشروبات غازية قبل ان يصل الى بيته .. هذا ليس مؤمن بل متدين اسلامي ..

****اذن التدين شيء والايمان شيء آخر..لا علاقة باللون ولا بالثياب ولا اللحية او الحج وغيرها من الشعائر الدينية ..أما أصل ومعنى كلمة إسلامي هي: الخضوع لله على أي دين من الأَديان..( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) اما ما يطلق على بعض الناس انه اسلامي فيعنون الإِسلامُ وهو الدينُ الذي بعث الله به محمدًا(ص) فمن تبع الشَّريعة الإسلاميَّة المتمثلة بالقران واهل بيت العترة وسنة محمد(ص) في كل مصادر التشريع ويمنعه أي حكم شرعي في القدوم على عمل حرام , ويسارع للقيام بعمل يعتبر حلال .. هذا اسلامي. يقول تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ النفس تعني ( الاعمال التي يقوم بها الانسان من شهوات سواء دنيوية او اخروية . حلال او حرام .. كل ما يقوم به الانسان المركب من روح وتراب ,, كل نية وحركة هي متاتية من النفس .

اما اصل كلمة ” الإسلام ” هو الاستسلام التام والخضـوع لامر الله ورسوله ، لأنـه مـن: استسلمت لأمره هو الخالق “( ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) والعبودية هي الخضوع لأمره ، وإنما سمي “المسلم” مسلما بخضوع جوارحه لطاعة اااه …

*** :لفظ النفس ورد في القرآن مائتين وخمسًا وتسعين مرة، باختلاف حالته . وربما لو اردنا ان نصرفها الى جهات عديدة تصح لانها من الألفاظ التي تحمل عدة معان، وتسمى “من معاني المشتركات ” وليست من المتشابهات كما يقول البعض..إنما من الألفاظ المشتركة، أما معانيها في القرآن، …ذكر بعض المفسرين أن النفس في القرآن على ثمانية أوجه:رغم انها وردت في مائتين وخمس وتسعين مرة .. الا انها تمثل ثمانية اوجه :

**أحدها: آدم.:ومنه قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ، النفس هو ادم (ع)..

**الثاني: الأم.: قوله تعالى في النور: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا)

**الثالث: الجماعة: قوله تعالى: في براءة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).

**الرابع: الأهل: قوله تعالى (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ) ، قيل: إنه أمر الأب الذي لم يعبد العجل أن يقتل ابنه العابد، والأخ الذي لم يعبد أن يقتل (أخاه) العابد.

**الخامس: أهل الدين.: قوله تعالى في س النور: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) ، أي: على أهل دينكم.:(وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ). لا تلمزوا أنفسكم (لا يَعِبْ و لا يَطعَن بعضكم بعضا

** السادس: الإنسان.قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، أي: الإنسان بالإنسان.السابع: البعض. الثامن: النفس بعينها. قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)…….” وللنفس مراتب، وتخضع للتغيير والتبديل من حالة الى حالة كما حقق القرآن ذلك في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. وتمر النفس الانسانية بمراحل تتصف فيها بصفات ثلاث هي:

1- النفس اللوامة: قال تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)، وهي النفس التي تحاسب صاحبها على أي خطأ يرتكبه الانسان ..لذلك هي نفس تفعل الخير وتحبه وتعمل المعصية وتكرهها، نفس تعيش في داخلها صراعا بين الخير والشر .

2- النفس الأمارة: حيث تميل النفس الى السوء وحب العصيان، والغفلة عن الطاعة والعبادة، ويطلق عليها النفس الأمارة بالسوء .وربما تتمادى هذه النفس حتى تقع في الخسران الأبدي، قال تعالى: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الشورى/45.

3- النفس المطمئنة: نفس راضية استسلمت لخالقها برضا وقناعة، لا تفعل إلا ما تبين لها صلاحه، نفس تحقق لها الورع والإخلاص، وسمت عن الدنيا وشهواتها، واشتغلت بعمارة الآخرة الباقية الخالدة في قوله تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر /27-30.وقد أقسم الحق سبحانه أقساما سبعة في مطلع سورة الشمس على أن المفلح من زكى نفسه والخاسر من دساها فقال: (الشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/1-10.والمقصود بالتزكية هنا، طهارة النفس أو تطهيرها وتنظيفها، مخالفا للدس الذي هو كناية عن الإغراق في الذنوب والأوحال “.

*****لذلك النفس لها من تأثير على الإنسان ومصيره في الآخرة، فقد اتفق العلماء أن النفس حاجز بين القلب وبين الوصول إلى الله ,وأنها لا تستطيع أن تصل إلى مرضاة الله عز وجل والنجاة يوم القيامة إلا بعد تهذيبها والسيطرة عليها، قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ).. ****السؤال الهام: هل للنفس تدخل في الايمان والتدين …؟ هل هذا هو التدين؟ وهل يقتصر الدين على ظاهر الأعمال .. هل ان الإسلام يعبر عنه بالشعائر فقط ..ونسينا أن عمل النفس والقلوب يحبط أعمالا هي فى ظاهرها علما نافعا أو جهادا فى سبيل الله أو إنفاقا .. هم حطب جهنم وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة .. مثلا من تعلم العلم ليماري به العلماء …

** رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: يا بُنيَّ، لا تَعلَّم العلم لتُباهي بِه العلماءَ، أو تماري به السفهاءَ، وتُرائي به في مجالس ..معناه النهي أي: لا تتعلم العلم، لأجل مباهاة العلماء لتفتخر به، أوتماري به السفهاء، أي: تجادلهم أو لأجل مراءاة الناس في المجالس، ليذكروك ويمدحوك، بل ان يكون طلب العلم لرضا الله وثوابه…

** يستشهد فلان ليقال إنه شهيد فى سبيل الله،: أما النداء الأول: فقد جاء فيه التحذير من الفِرار من المعركة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ*وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وقد توعَّدَت الآياتُ المؤمنين المنهزِمين أمام الأعداء بأشدِّ العذاب. ..

*/هناك قصة لشخص قاتل مع النبي (ص) وجيش بدر وجرح .. لما سقط صار ينزف دما كثيرا , جاء احد الصحابة الى النبي(ص) واخبره وانه أبلى بالقتال .. فقال له النبي انه ليس من اتهل الجنة , يعني ما ينال درجة الشهيد مطلقا .. يقول الصحابي تعجبت من راي النبي (ص) فرجعت الى صاحبنا الجريح وجلست بقربه , قلت له هنيئا لك الجنة , فقال أي جنى ..؟ وهل تعتقد ان هناك جنة ونار .!! قلت اذن لماذا تحارب مع المسلمين وتحت راية رسول الله ..؟ فقال انا لي اغنام كثيرة , وهؤلاء مكيون لو سيطروا على المدينة سيستولون على غنيماتي , فخرجت للدفاع عن الاغنام وليس عن الإسلام .( الان كم واحد يبدي مظاهر الاسلام من اجل الأغنام) ..

لذلك القران يبين في مواضع عديدة ( ان يكون عمل الانسان ) خالصا لله فقط ..فقد جاء الأمر بالسمع والطاعة لأمر الله ورسوله: وصوَّرَت سورة الاعراف اية 146 الكافرين بالأنعام السارحة التي لا تسمَع ولا تعي، ويقول تعالى عنهم ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ..

*** الغفلة : الغفلة) لها مفهوم واسع .. ومفهومه انه تستوعب الجهل بشرائط الزمان والمكان وظروف الواقع فيها الانسان الّذي يعيش في ظروف معينة .. ثم تشمل الغفلة الظروف الماضية والحاضرة والمستقبلية ولهذا السبب فإنّ علماء الأخلاق قد ذكروا في كتاباتهم لاستعراض مسألة (الغفلة) وما يقابلها من (التذكر) بحثوا أسباب هذه الظاهرة والجهل الذي يؤدي إلى استفحالها في لذا يطلب منا البحث عن الطرق الكفيلة بإزالتها والحدّ من نتائجها السلبية علينا ..

*** واحيانا شخص ينفق ليقال إنه جواد فيقال لهم في مجتمعنا انهم متدينون .. وحين بانت سريرتهم رما الناس فسادهم على الدين الحنيف .. حتى اننا نرى بعض الافلام في شبكة التواصل الاجتماعي يظهر شخص يقارن بين الاسلام والكفر ويعتبر الكافرين افضل من المؤمنين . وفي حقيقته هو جاهل ( غافل )لا يعرف كيف يفرق بين الدين والايمان .. وبين المتدين والمؤمن .

**** لذلك سورة سورة العصر تلخص جميع المعارف والفلسفة الاسلامية ,وتجمع مقاصد القرآن في أوجز بيان،وتتضمّن السورة مجموعة من المفاهيم الهامة نتعرّض لتفسيرها وهي: فلسفة خسارة الإنسان أعماله ومستقبله الأخروي .. يقابلها عدم خسارة المؤمنين، العمل الصالح منجٍ من الخسارة بعكس التدين بالشعارات , ومعنى التواصي بالحق وبالصبر، تلازم العمل الصالح مع الإيمان. ونستعرض فيما يلي تفسير آيات السورة المباركة بشكل موجز:

ــــــــــــــــــ بعد هذه التوضيحات أعود لأجواء الآية المباركة :…

معنى قوله ﴿وَالْعَصْرِ﴾ :… وردت اراء عديدة في كلمة العصر.. الرأي الأول : المراد بالعصر على الأشهر هو عصر النبي محمد(ص)وهو عصر نزول الرسالة وظهور شمس الإسلام على المجتمع البشري، وظهور الحق على الباطل . وذكر الشهيد مطهري رضي الله عنه أن الأنسب في المقام هو أن القسم بالزمان وتاريخ البشرية لأن القَسَم في القرآن يتناسب مع الموضوع الذي أقسم الله من أجله، فإذا أراد القرآن أن يبيّن أهمية ذلك العصر أقسم به، والمعلوم أن عصر النبي(ص)هو عصر ذو اهمية كبيرة .. لفظة القسم معروفة المعنى وتسمى الحلف أو اليمين في لغة العرب، لها غاية في التعامل معها لحالتين مهمتين :.. هما ..

القسم الأولى: ( تأكيد الخبر)حينما يحلف الانسان من اجل قضية غايته ان يؤكد صحة ما يدعيه.. مثلا اقول انا اشتريت الدار .. او بعت الارض .. يمكن من يريد تأكيد الخبر . فيقع القسم واليمين للتأكيد على الموضوع…

القسم الثاني :..هو (توكيد الخبر وتحققه) مثلا قضية عامة او خاصة تحتاج الى توكيد يقسم الإنسان عليها ..مرة يتحدث عن نفسه .. انا مريض او يقول انا اعرف الامر الفلاني ..ويقسم عليه ومرة يكون الامر عام .. نقول الجهة الفلانية ليس فيهم خير ابدا .. او النفاق والكذب .. كل منافق كذاب ﴿وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقينَ لَكاذِبُون) حتى وان جاء به شهادة .. لكنه جاء توكيداً للخبر فسمّي قسماً. ****.نقل عن بعض الأعراب، انّه لما سمع قوله تعالى: ﴿وَفِي السماء رزقكم وَما تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّماءِ والأرض انّهُ لحَقّ﴾ صرخ وقال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ..؟ واليمين ينقسم الى حالات متعددة … اليك منها :…أ. الحالف .. ب. ما يحلف به ..

ج. ما يحلف عليه … د. الغاية من القسم ..

أمّا الاَوّل: فالحلف عبارة عن فعل الفاعل المختار، فلا يصدر إلاّ منه تحديدا..جاء في القرآن وقال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعين﴾.

** القسم الثاني: أي ما يحلف به:فانّ لكلّ قوم، أُموراً مقدّسة يحلفون بها،.. ان يكون مقدسا محترما يتعارف المجتمع في حرمته .. ( مثلا ( راية العباس في الفصل العشائري)..

** القسم الثالث: أي القصد من الحلف .. اذا اتهم شخص بجريمة ويريد تبرئة نفسه يقول احلف انه لست انا القاتل ..حين يحلف يسقط عنه الاتهام …في الآية التالية تتجلّى الأركان الثلاثة،قال تعالى:﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوت﴾. فقوله: وأقسموا هو الركن الاَوّل. القوم الذين قاموا باليمين .. وقوله: (باللّه) هو المقسم به.وقوله:لا يبعث اللّه من يموت هو المقسم عليه. اما القسم الاخر هو صيغة الكلام أقسم باللّه، ولا يقال: أقسم تاللّه أو أقسم واللّه بل يقتصر على قوله: تاللّه، واللّه، يقول سبحانه: ﴿ وَتَاللّهِ لاَكِيدَنّ أَصْنامَكُمْ) ..

اذن كلمة العصر هي فترة وجود رسول الله(ص) وهي القاسم هو الله .. والمقسوم به هي الفترة التي نبي بها رسول الله(ص) الى وفاته .. ويحق لننا ان نقسم بها بعد وفاته ..فكل امر جليل ومحترم يحق لنا ان نقسم به .. احيانا تقول لشخص ( وشرفك .. وراسك ..)

فلا نؤسس ان القسم يتحدد بالله فقط وما عداها لا يجوز القسم بها ..فهناك صيغة اليمين ثابته كما جاءت في الرسائل العملية .. اما تحقيق القسم وتوكيده والمقسوم به والمقسوم عليه بسببه .. فهذا خاضع للمجتمع ..هناك مصاحف مترجمة الى لغات هندية واردو وانكليزية .. هل يجوز ان اقسم بها انا العربي .. وهل تاخذ قدسيتها عندي كما هو القران العربي .. اذن لكل امة قسم ويمين

*** ثم تنتقل الاية الى قوله تعالى :﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ما المقصود بهذا النص من الاية ..؟ 1- جنس الإنسان: المقصود بالإنسان هنا هو جنسه، بمعنى أنّ الخسران الوارد في الآية شامل لجميع أفراد البشر، وعموم الناس وما يسمى (كل مكلّف ) فالألف واللام في لفظ “الإنسان” للجنس الذي يفيد الاستغراق في كل أفراد الإنسان ((تركيز الانتباه في شيءٍ ما بحيث لا يشغل المرء بما عداه.)) ويسمى منتهى العموم ، فلو جاء حرفي التعريف ( ألف ولام ) على الاسم يقول علماء اللغة يكون الاسم ( منتهى العموم) …

** هنا الكلمة تحدد الإنسان.. في القران مثال آخر ..هو قوله تعالى ( إن الأبرارَ يشربون من كاس كان مزاجها كافورا) ” هؤلاء قال عنهم الله ” الابرار” فلا يوجد بار في الدنيا أكثر من هذه العائلة وهي عائلة الإمام علي بن أبي طالب(ع) ومن يريد يراجع فليراجع سورة الدهر ..

**هنا في سورة العصر كلمة الإنسان حليت بألف ولام فأصبحت قفيد الاستغراق ومنتهى العموم ليس هناك خسارة لاي مخلوق سوى الانسان , فهو في كل لحظة يخسر جزءا من حياته ..

2- خسارة الإنسان: ذكر القرآن الكريم موضوع خسارة الإنسان للنفس أو المال أو الأهل أو الدنيا والآخرة في سبعين مورد ، وهذا يبين أهمية هذا المفهوم وضرورة تحديد مراد الله تعالى من خسارة الإنسان الذي يعتبر من أكرم المخلوقات وأفضلها عند الله تعالى. عندما ندقّق لغوياً في ألفاظ سورة العصر، نجد نوعاً من التأكيد والتشديد الوارد فيها من عدة جهات مثل: القسم: وموضوع القسم الذي ورد في السورة هنا جاء ليبين مفهوما ربما غفل عنه اكثر الناس ..

**هو خسارة الإنسان، ولو لم يكن إلا القسم لكفى، والجملة تفيد التوكيد.وكلمة الخسران والخسارة يعني نقصان رأس المال، لا النقصان فيما زاد أو فضل عنه من الأرباح ونحوها، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال: خسر زيد، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته ..عندما ندقّق في الخسر والخسران أكثر نجد أنه عبارة عن ذهاب رأس المال إما كلاً أو بعضاً، والخسران أبلغ من الخسارة والخسران يتبين ان الانسان يخسر روحه وقوته وشبابه وماله وكل شيء يعود اليه في هذه الدنيا مصيره الفناء والخسران ..منها النفس وجميع مورد الهلكة والشقاء، ( واكبر خسارة تبينها الاية الكريمة هي خسارة الانسان دينه وخلقه .. الاعمال الصالحة التي تبقى رصيدا له بعد موته بحيث يبطل منها كل ما يؤدي للكمال فتفوتها السعادة ، والخسارة لاعمال الخير أشمل من الخسارة المالية أو الماديّة، إذ الخسارة المادية أو المالية في التجارة ونحوه يمكن أن تعوَّض، أما الخسارة التي يخسرها الإنسان هنا فإنّه لا يمكن أن تعوّض…

ــــ ((عندما يكون الإنسان على قيد الحياة ويمتلك قوته وحركته وصحته يجب أن يُحسن الإفادة من فرصة العمر لأجل مستقبل أفضل، وغالباً يحتاج النجاح إلى صبر وتدريب للذات على كيفية قراءة المعطيات وانتهاز الفرص المربحة المفيدة للحياة ” قد أكد القرآن الكريم على أهمية استغلال الفرص بقوله تعالى: “ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ”، فالأمل يلهي والمطامع تغري، والعمر يمضي والفرصة تضيع. …. ** تامل الحياة .. تأمل جليًّا مسيرة طاعن في السن، ترى في سيرته سرعة تغير الأحوال من صحة إلى مرض، ومن غنّى إلى فقر، ومن أمن إلى خوف، ومن شباب إلى شيخوخة.. فاغتنم الحياة؛ فمن مات انقطع عمله، وفات أمله، وحق ندمه..فمن مرض ضعف عن كثير عمل، وتمنى لو صام وصلى في شبابه .. اغتنم الفراغ قبل أن تداهمك الشواغل وتشغلك صوارف الأيام..

*** ما هي صوارف الايام ..؟ التي تؤدي الى خسارة العمر كله ..؟

الصوارف هي كل توجه للإنسان يمارسه ويؤدي الى خسارة كبيرة من عمره ان يذهب هباء بلا فائدة .. ومن أشهرها صوارفُ عن طَلبِ العِلمِ . سواء العلم الاكاديمي , او العلوم الدينية او العلوم العامة .. ينصرف عنها الانسان الى ملهيات لا فائدة من وراءها .. وتكون النتيجة خسارة بعمره ومستقبله .. وهناك من يطالع ويريد ان يتثقف ولكنه لا يحسن اختيار نمط الثقافة فيجد نفسه يعرف موضوعا ويتعمق به كان يكون شاعرا , او رياضيا مغمورا , وبعد حين يجد نفسه خسر حياته وأخرته ..

في زماننا يقضي اكثر الناس شباب وأطفال وكبار ساعات مع الموبايل , يتفرج على الأخبار والأفلام التي يبعثها واحد للأخر, المفروض ان يجعل الإنسان لنفسه جدولا لدراسته ونومه واكله , وفترة قصيرة يوميا لرغبات نفسية .. لا ان يكون أسير الصوارف اليوم كله ..لان المُلْهِيات الصَّوارِف تَكْثُر، وإشغال الإنسان عن الأساسيات تزيد يوميا ..

لو قارنا بين جيلين , وليس بعيدا جيل ما قبل السقوط ابناء الستينات لنهاية القرن العشرين الى فترة سقوط النظام .. لنقارن ونحن نعيش جيلين ..في السَّابق كان البلد كُلُّهُ يكُون فيه نُسْخَة واحِدة من كتاب ديني , يقومون باستنساخه, ويسلمه واحد للاخر ويعطيه مهلة لا تزيد على يومين ثلاثة , ليتم قراءته , لان هناك عشرات غيرهم ينتظرون دورهم ..وربما يجتمعون في بيت او مكان واحدٍ فيقرَؤُون في ذلك الكِتاب ويُراجِعُونهُ ,.. وهكذا يَسْتَعِيرُهُ كل واحد من الثَّاني، وقد يُسْتَعار، وقد يُسْتأجَر لِيُنْسَخ ومع ذلك تجد الحِرْص وغزارة العلم والفهم أكثر من الوقت الحالي .. ولا اغالي لو قلت ان اجهزة الكومبيوتر مفقودة في البيوت .. عكس زماننا الحالي كل الوسائل متوفرة وسائل الإنارة ووسائل التَّكييف وسائل الرَّاحة موجُودة،.. مع ذلك لا تجد عشرة بالمائة من القراء مقارنة قبل عشرين سنة .. هذه الخسارة …

هذا مثل في طلب العلم .. ويشمل العلم الاكاديمي والحوزوي والمطالعة العامة ..

ــــ(ـــــــــ(*** الفرق بين العلم النافع والعلم غير النافع…. الدين الاسلامي والاحاديث النبوية تبين وبقوة ان هناك علوما غير جديرة بالاهتمام .. علوم ضررها اكثر من نفعها .. دخل رسول الله (ص) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: «ما هذا؟»، فقيل: علامة، فقال:

«وما العلامة؟». فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعارالعربية، قال: فقال (ص) :«ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي (ص):«إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل».

اذن العلم فيه جانب علمي نافع وعلم فيه ضرر .. التحذير من العلم الذي لا ينفع ..- وقد صحّ عن النبي(ص) أنّه استعاذ من علمٍ لا ينفعْ، وهذه الاستعاذة دليل على أنّ فيه شرّا يجب التحرّز منه:

( كان من دعاء النبيِّ (ص)(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِن قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا).. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله(ص) (سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ )) اذن العلم ينقسم الى قسمين ::

1. علم ديني شرعي؛ وهو ما يتفقّه به العبد في دين الله عز وجلّ، ويعرف به هدى الله عزّ وجلّ في شؤونه كلها من الاعتقاد والعبادات والمعاملات وغيرها. (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) بعض المغرضين هذا الزمان يطعنون بالمرجعية ورجال الدين الكبار ان الله لم يعطي احدا الحق في تعليم الاسلام .. هذا قول الجهال ..

2. وعلم دنيوي، وهو العلم الذي ينفع الناس في دنياه كالطب والهندسة والزراعة والتجارة والصناعة والفصل بين الناس وغيرها من العلوم الدنيوية الكثيرة التي ينتفع بها الناس في حياتهم ومعايشهم….. وقد فُسِّرَ العلمُ الذي لا ينفع بتفسيرين:

أحدهما: العلوم التي تضرّ متعلّمها والممارس لها وهي ضارة :.. ومن العلوم الضارة؛ السحرُ والتنجيمُ والكهانةُ وعلم الكلامِ والفلسفةُ وغيرها من العلوم التي تخالف الشريعة، لان فلسفتها انتهاكٌ لحرماتِ الله عز وجل، وقولٌ على الله بغير علم، واعتداءٌ على شرعه، واعتداءٌ على عباده، فكل ذلك من العلوم الضارة التي لا تنفع. من أبرز علاماتها: تظهر مخالفتها لهدي الكتاب والسنة؛ فكل علمٍ تجده يصدُّ عن طاعة الله، أو يُزيِّن معصية الله، أو يؤُول إلى تحسين ما جاءت الشريعة بتقبيحه، أو تقبيح ما جاءت الشريعة بتحسينه، أو يشكّك في صحّة ما ثبت من النصوص؛ أو يخالف سبيل المؤمنين؛ فهو علمٌ غير نافع، كمن يبرر لممارسات محرمة باسم الفن والثقافة .. وإن زخرفه أصحابه بما استطاعوا من زُخرُف القول، وإن ادّعَوا فيه ما ادّعَوا من المزاعم والادّعاءات، فكل علمٍ تكون فيه هذه العلامات فهو علمٌ غير نافع.

وافتتن بعض المتعلمين بعلم الكلام بعد أن كانوا في عافيةٍ منه حتى صعب عليهم التخلّص منه، وسبب ذلك مخالفتهم لهُدَىٰ الله تعالى، واتباعهم غير سبيل الايمان

كم من طالب علم كان يأمن على نفسه الفتنة، ويغترّ بما حصّله من علم، ودفعه الفضول وضعف الإيمان إلى الاجتراء على ما حذّر النبيّ (ص)وبيّن لأمّته خطره من العلوم التي لا تنفع؛ فافتتن بها، وغرّه ما زُيّن له فيها؛ حتى ضلّ بسببها، فمنهم من مات على ضلاله، ومنهم من أدركته التوبة في آخر حياته، وأخذته الندامة على ما ضيّع من عمره في العلم الذي نُهي عنه..

*** منهم أبو معشر جعفر بن محمد البلخي درس اولا علم الحديث،وكان معاصراٌ للإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من الأئمة الكبار، لكنّه فُتِنَ ببعض العلوم غير النافعة؛ وانحرف عن طلب الحديث؛ فاشتغل بالحساب والهندسة الفلكية ومنها إلى علم الفلك والتنجيم، ثم تحول من التنجيم الى السحر والتكهّن، حتى صار رئيس المنجمين زمن الخليفة العباسي المعتز بالله، ثم قام بتاليف كتب التنجيم ثم السحر وطرقه وأوقاته، ذكر الذهبيّ أنّه تعاطى التنجيم بعدما بلغ الأربعين، وعُمِّر حتى جاوز المائة؛ ومات وهو ساحر …

وعالم اخر معروف اسمه أبو المعالي الجويني عبد الملك بن عبد الله اقبل يتعلم علم الكلام مع معرفته بنهي العلماء عنه، وتحذيرهم منه، فتعلم حتى صار من طبقة كبار المتكلمين الذين استولت عليهم الحيرة وأخذهم الشك؛ وتبيّن له أنّ هذا العلم لا يهدي للحقّ، ولا يورث اليقين، وإنما يثير الشكّ، ويجلب الحيرة، ويهدم الدين. ذكر الطبري الفقيه قال: دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرضه الذي مات فيه بنيسابور، فأُقْعِدَ؛ فقال لنا: “اشهدوا علي أني رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور”).

محمّد بن عمر الرازي صاحب المؤلفات الكثيرة، ومنها التفسير الكبير الذي حشاه بالشبهات والاعتراضات، كان قد توغّل في علم الكلام حتى صار من كبار المتكلّمين، وأضاع أكثر عمره في البحث والأسئلة وجمع أقوال المتكلمين وإيراد الشبّهات وتكثيرها، والتعمّق في بحث مسائل الاعتقاد على الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية حتى أدركته الندامة في آخر حياته لمّا تبيّن له أن تلك الطرق إنما تنتهي بصاحبها إلى الحيرة والشكّ، لما قرب موته قال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق للعلم طريقة القرآن؛ ذكر الذهبي عن الفخر الرازي يقول: ليتني لم أشتغل بالكلام، وبكى).هناك قول معروف عند العلماء :” اذا فتح بوجهك باب فيه خير فادخله ,, قبل ان يغلق بوجهك …

*** ثم قال تعالى:(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) هنا كرر كلمة (وتواصوا)، لم يقل: وتواصوا بالحق والصبر،ذلك من أجل أن ندرك أن التواصي لا يكفي في مرة واحدة، تقول{فلان أمرته فلم يأتمر}، نهيته فلم ينته،بل تأمره مرة بعدأخرى، ولعل الكلمة التي كتب الله تعالى هدايته بسببها لم يسمعها منك حتى الآن، عليك أن تكون طويل النفس، حسن الخلق، صبوراً لا تعاجل الناس، ها هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدعون الناس مرة بعد مرة:(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا)إلى قوله:(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) الى قوله (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)إلى آخر الآيات، وهم مؤيدون بالوحي من السماء.

فلماذا تتخيل أنه بمجرد ما تشير بأصبعك أو تقول كلمة أو رسالة أن الأمور كلها انتهت؟ لا، المطلوب منك وصية بعد أخرى، لكن ليس على سبيل الإلحاح على رأي تراه، فرأيك رأي، وإنما الوصية هنا والتواصي يكون بالحق المنزل من السماء، المنطوق به في القرآن، المجمع عليه عند العلماء أما رأيي ورأيك فلا بأس أن أناقشك فيه وأبدي رأيي،احتمالي، ووجهة نظري، ثم لا يتحول إلى نوع من الإصرار على رأي معين ربما غير دقيق ولذلك قال الله تعالى: ((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) ولم يقل: وتواصوا بالرأي مثلاً، وتواصوا بالاجتهاد، وتواصوا مثلاً بالمذهب، وإنما تواصوا بالحق الذي نطق به القرآن ونطقت به السنة، وأجمع عليه اهل البيت(ع) ..

جاء فيتاريخ كربلاء .وسار الحسين (ع) حتى نزل قصر بني مقاتل فاذا فسطاط مضروب وخيول مضمرة ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط قالوا لعبيد الله بن الحر الجعفي فأرسل اليه رجلاً من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل فسلم عليه فرد عليه‌السلام ثم قال : ما وراءك؟ فقال : أن الله قد أهدى اليك كرامة ان قبلتها فقال وما تلك الكرامة ، فقال هذا الحسين بن علي يدعوك الى نصرته فان قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت بين يديه استشهدت فقال له عبيد الله بن الحر والله يا حجاج ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن يدخلها الحسين وانا فيها ولا أنصره ارجع اليه فأخبره بذلك ، فرجع الحجاج وأخبر الحسين فقام وتوجه بنفسه . فلما رآه وثب عبيد الله وتنحى وجلس بين يدي الحسين (ع) قال : يابن الحر ما يمنعك أن تخرج معي قال : احب أن تعفيني من الخروج معك وهذه فرسي فاركبها فو الله ما طلبت عليها شيئاً الا ادركته ولا طلبني احد إلا فتّه قال الحسين : أهذه نصيحة منك قال نعم قال : إني سأنصحك كما نصحتني ان لا تسمع واعيتنا فو الله لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ولا يعيننا إلا كبه الله على منخريه في النار.ثم أعرض عنه الحسين وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا….ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض ، فقال :

فيالك حسرة نادمتُ حيا****تردّد بين حلقي والتراقي **حسين حين يطلب بذل نصري**على أهل الضلالة والنفاق**غداة يقول لي بالقصر قولاً**أتتركنا وتزمع بالفراق**ولو أني اواسيه بنفسي** لنلت كرامة يوم التلاق …. وهذا ترك الصبر على الضراب والقتال ..وكان ندمه واضحا