23 ديسمبر، 2024 6:02 ص

مجلس حسيني ــــ موقف الإسلام من الذل

مجلس حسيني ــــ موقف الإسلام من الذل

بسم الله الرحمن الرحيم

“{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}”.. [آل عمران : 26

في هذا المجلس أسلط الضوء على الإنسان حين يكون ذليلا , وهو يتصور انه عزيز بينما هو أذل من الذليل المهان .. فما هي الذلة وما الخنوع ..؟ وما الفرق بين الذُّل والخنوع …. – الفرق بين الذُّل والخنوع العار يكون حسب المواقف .

** أما كلمة (مُلك) يعني من يمتلك شيئا ,كملكية إنسان ملابسه وكتبه وبيته .إذا كانت الملكية ظاهرة، نسميها ملكية فلان .., نراها ونعلم بها بالمُشاهدة وإذا كانت الملكية غير مرئية نسميها (عالم الملكوت).”هما عالما الغيب والشهادة” ولكل عالم شروطه وأحكامه .لذلك يبين القران ما رآه إبراهيم من ملكوت ..وكشف له ما خفي عن العيون قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض}.أي أن الله أراد لسيدنا إبراهيم أن يشاهد الملكوت في السماوات والأرض،فرأى كل الأشياء الظاهرة والمخفية عن عيون العباد. هكذه مراحل الحيازة : ملك، أي أن يملك الإنسان شيئا ما، فهو مالك لأشيائه، ومتاعه.أما الذي يملك الإنسان وما يملكه نسميه (مُلك)، فالملكية تنسب لصاحبها.وهناك سورة بهذا الاسم .

قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه, أنت الذي تمنح الملك والمال والبنين والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك, وتسلب الملك ممن تشاء, وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء, وتجعل الذلَّة على من تشاء, بيدك الخير, إنك على كل شيء قدير. في الآية إثبات لصفة الملكية لله بما يليق به سبحانه.

ومن دلائل قدرتك تُدخل الليل في النهار, وتُدخل النهار في الليل, فيطول هذا ويقصر ذاك, وتُخرج الحي من الميت , كإخراج الزرع من الحب, والمؤمن من لكافر, وتُخرج الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج, وترزق من تشاء مَن بغير حساب..

***. ما هي أسباب نزول الاية المباركة …؟ في نزول الآية حدث أعجاز نسلط عليه الضوء .. لأنه مهم جدا لأنه إعجاز مادي يهم مستقبل الإسلام .

** ألإعجاز في أخبار يوم معركة الخندق:… لما علم المسلمون بوجود قوة كبيرة تغزوا المدينة .. عمدوا إلى حفر خندق. فخطّ رسول الله(ص)على الأرض رسما لخندق يوم الأحزاب،ووزع كل عشرة على أربعين ذراعا فكان الرهط الذي فيه سلمان المحمدي (رض) وجماعة من الأنصار في أربعين ذراعًا، يقول : حفرنا حتى ظهرت لنا صخرة كسرت حديدنا . فقلنا: يا سلمان اذهب إلى رسول الله(ص)فأخبره عن الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا بأمره، .

فذهب سلمان إلى رسول الله(ص) وهو في اعلى الخندق واخبره بوجود صخرة كبيرة فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك،: فهبط رسول الله(ص) مع سلمان نحو الخندق، فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق كأنه مصباحًا في جوف بيت مظلم.وكبَّر رسول الله (ص) تكبيرة فتح، وكبَّر المسلمون، ثم ضربها ضربة ثانية فكسرها، وبرق منها برق وكبر كما فعل أول مرة ثم ضربها ثالثة وبـرق منها بـرق .. ثم اخذ يد سلمان وخرج من الخندق .

فقـال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئًا ما رأيت مثله قط، فالتفت إلى القوم ليسمعهم فقال: “رأيتم ما يقول سلمان؟”، قالوا: نعم يـا رسول الله، قـال: “ضربتُ ضربتي الأولى فبرق لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى أي العراق بلاد فارس وهي من الدول العظمى آنذاك ..أخبرني جبريل (ع)أن أمتي ظاهرة عليها.

وضربتي الثانية برق لي منها قصور الحمر من أرض الروم أي الشام . وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق لي منها قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فابشروا”، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر، فقال المنافقون: ألا تفكرون يمنِّيكم النصر ويعدكم باطلا ، (يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم الان تحفرون الخندق من الخوف ، الا تفكرون في وضعكم ..؟.

فنـزل القرآن: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا )وأنـزل الله تعالى في هذه القصة قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ .الخ.الآية

معنى الذُّل: الذل هو قهر خارجي يقع على الإنسان يقهره غيره فيذله .وهو يختلف عن الخنوع لان الخنوع هي بفعل الإنسان من ذاته .. هو يريد ان يذل نفسه لغاية دنيوية في نفسه .. نسميه ( وضيع ) الوضيع حالة انكسار للمرء بنفسه، هذه اسوء من الذلة , فهو يستحق الذُّل لانه ذليل من الخارج بفعل الأوضاع المحيطة , ووضيع من الداخل بفعل نفسه الحقيرة ..

** صور من تصرفات الوضيع ..: أحيانا الدهر يعطي من لا يستحق , وهو صغير في كل الاعتبارات , ولكن فلتة الزمان وإذا به يصبح صاحب كلمة .. المصيبة اذا صار الوضيع يتحكم بالكرام أصحاب الجاه والوجاهة ..تصبح كلمته نافذة . بينما يحرم الرأي على من يستحق، هذا جور الزمان وتنكر القدر ؛أشبه شيء بالخسوف والكسوف تصيب الشمس والقمر , ولا يصيب الكواكب العادية،..

من صور تصرفات الوضيع .. يقول أمير المؤمنين (ع) ” أنزلني الدهر حتى قالوا علي ومعاوية “حين رفع معاوية قميص عثمان شعاراً ،مقابل شعار رسول الله(ص) ( يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ).

روى الحمويني عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين, فقلنا يا رسول الله, أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من نقاتلهم ؟ قال : مع علي بن أبي طالب, معه يقتل عمار بن ياسر. .وتمر السنون ويأتي جيش الشام ويرفع معاوية شعارا ( الحكم لله لا لك يا علي ) وشعار ( لا حكم الا لله) عن عمّار بن ياسر ، قال لعمرو بن عاص في صفّين : أمرني رسول الله (ص)أن أقاتل الناكثين وقد فعلتُ ، وأمرني أنّ أقاتل القاسطين فأنتم هم ، وأمّا المارقون فما أدري أدركهم أم لا. (القاسطون صاروا قادة في الإسلام وابعد علي وأهل البيت (ع) .

** يتضح من هذا حرب القاسطين أن معاوية لا يريد إصلاحاً بل غايته يعيد سلطة قريش التي فقدوها حين كانت تتحكم بالمنطقة العربية كلها ..وبسبب نزول الرسالة على محمد (ص) لا بدج ان تكون حرب ، ولما هزمهم النبي (ص) عصبت العداوة والكره بأمثل الناس .. فأطلقوا حجتهم في ذلك على أن علياً(ع) آوى قتلة عثمان ،بينما كان علي(ع) يدافع عن عثمان ، وينهاهم ويزجرهم ، ونصح لعثمان ـنصحاً أرضى به ربّه ونفسه حذر الفتنة . وحقٌّ لعلي أن يقول لهذا ولأمثاله :« أنزلني الدهر حتى قيل عليٌ ومعاوية » .يتبين إن هناك حرج في نفس علي(ع)،ضمن قياس الناس ،هذه المواقف يتأثم منها التقي ، ويتحرج الصحاب المروءة والدين .

*وحين جاء رسول معاوية للكوفة . جمع الإمام علي (ع)الناس في المسجد ، وقرأ الكتاب ، فتنادى الناس من جوانب المسجد « كلنا قتلة عثمان ، وكلنا أنكرنا فساده وعمله» . واتضح لأبي مسلم سفير معاوية أن علياً(ع) لا يستطيع أن يسلم هذا الجمع من الناس ، فهم لهم موقف من فساد عثمان .. وقد توضح لهم اصراره على سرقة المال والفساد فرأوا في قتله صلاح أمر الدين ، فجعل أبو مسلم يردد ، مع وضوح الأمر لديه “الآن طاب الضراب ” يعني سنعلنها حربا .

بهذه الشعارات بلغ معاوية قصده ، هدفه أن يجعل المترددين يؤمنون بمشروعه طلب الثأر لعثمان ..الغريب أنه حين وصل الحكم لم يذكر عثمان ، ولا دم عثمان ، ولا ثأر عثمان ، وكان كل ذلك نسياً منسياً ..

-* الفرق بين الذُّل والصَّغار والخنوع :(الصغار هو الاعتراف بالذُّل ،وممارسته عن قناعة , ان يعتبر الإنسان ان الذل قدره فيماشيه خوفا من عواقب الظالم والطاغي . اما الخنوع فهو الذل والانكسار في النفس من داخل الإنسان . هذا يسمى صغار او خنوع او وضع أي وضيع .. المصيبة هؤلاء يتطاولون على اصحاب المروءة دائما لعار ونقص يشعرونه في انفسهم , فيقارنون انفسهم بكبار الرجال مرة بالمال او بالمنصب او بالفرصة التي سنحت لهم فيميزون أنفسهم على كرام المجتمع .

يقول الشاعر : يا صغيرا ألي قد ساق ذما .. اني لا أسوق ذما أليك .. أنت لا تستحق مني التفاتا .. كن مهما كي أرد عليك ..خلافه الكبر وهو إظهار عظم الشأن، وفي القرآن { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ} [الأنعام: 124] وذلك أنَّ العصاة بالآخرة مقرون بالذلِّ، معترفون به، ويجوز أن يكون ذليل لا يعترف بالذلِّ) .

** الفرق بين الذُّل والخزي: (الخزي ذلٌّ مع افتضاح،في أمر يكون فيه عار .اما قوله تعالى ( ولهم خزي في الدنيا والاخرة ) وقيل الخزي في الدنيا من جهة الشريعة والفكر الإسلامي بسبب , ما أنزل بهم من العذاب والنكال، تشفي المؤمنين منهم، وهذا الانذار عادة مع الذين كذبوا أشرف الرسل محمد (ص) فمجمل العذاب الذي أعده اللّه جلَّ جلاله لهم في الآخرة من العذاب الشديد، أعظم مما أصابهم في الدنيا، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: { ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} .مثال . الاطاحة ببعض الناس وهم في قمة السلطة لفسادهم . ويتم ازالتهم من السلطة , هذا خزي وهو نوع من انواع العقوبة الالهية في الحياة الدنيا .. رؤساء كثيرون اصابهم الخزي ولكن لا متعض ولا من يرى من سبقه .. وتلك الأيام نداولها بين الناس ..

** وأفضل من عبر عن الخزي, انه : الإقامة على السوء دون ان يخطر في باله ان الله سيخزيه .. وإذا استحيا يسمى توبة .. فهل يجتمع الإيمان مع الذل ..؟

لا يجتمع الذل مع الإيمان. لان الإيمان قوّة ,بين تعالى- لأتباع النبيّ(ص) ميّزة خاصّة، فجاء قوله تعالى 🙁 مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) قوة المؤمن من الصفات التي ميّزهم بها الله لإظهار الدّين الحقّ،

من أسماء الله تعالى (القوي) والقويّ لا يحب الذل فيُحبّ عباده الأقوياء، جاء في الحديث الشريف، ان النبي (ص) قال: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ..

لذلك المسلم يحرص على أن يكون إيمانه قوّياً ومتيناً، كما يجب عالما بأمور دينه وتاريخ المسلمين والأديان الأخرى .ليستخدم تلك القوّة والثّقة فيما يرضي الله تعالى ويدحض أعداء الدين بلا تردد ولا خوف. ويخدم دين الإسلام، وقد كان النبيّ(ص) قوي الجنان صلب الإرادة، وقصة موقفه حين جاء اهل مكة يساومون عمه ابا طالب (ع) فقال قولته المشهورة ” والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته”.

فما هي القوّة التي يتميّز بها المؤمن القوّي عن المؤمن الضعيف،؟

** معنى المؤمن القوي هو المؤمن الذي يتميّز بقوّة إيمانه، وقوّة علمه، وطاعته لله تعالى، وقوّة رأيه وإرادته، ونفسه الواثقة وقلبه المطمئن بعقيدته .. التي تُعينه على القيام بالأعمال الصالحة، وتجعله أقدر على دفع الضّرر، وجلب المنفعة للأمّة، ويمكن تعريف المؤمن القويّ أيضاً بأنّه: العبد المؤمن الذي يقوم بما أمر الله من أوامر، ويترك ويجتنب بكلّ قوّة ونشاط وحِيطة وحذر ما نهى الله عنه.

**نقطة أخرى : المؤمن القوي هو من يصبر على أذى النّاس وإساءتهم وما يتعرّض له خلال دعوته للناس في التبليغ .من أقوال الإمام علي(ع)الصبر على البلاء :أفضل من العافية والبلاء. فالمؤمن القويّ هو القويّ في إيمانه ودينه ليس في بدنه فحسب . وفي زيارتك للحسين(ع) تقول له : اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ أقمت الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وأمرت بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَوْتَ الْكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ وَجاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ وَصَبَرْتَ عَلَى الأذى فِي جَنْبِهِ مُحْتَسِباً حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ

ثالثا : المؤمن القويّ يُنتج ويعمل ما فيه صلاح للمسلمين، من خلال تعلُّم وفعل المفيد. المؤمن القويّ ينفع الأمّة بقوّة جسده وقوّة إيمانه؛ فيحصل الانتفاع للمسلمين بقوّته الجسميّة، من خلال مشاركته في الدفاع عن الأمّة والذود عنها وجلب الحقوق لها. المؤمن القويّ ينفع من خلال قوّته الإيمانيّة؛ فهو بعيد عن المعاصي وقريب من الطاعة، المؤمن القوي هو صادق ومخلص وأمين،

وأخيرا المؤمن القوي من ينفع أمته بفكره وعطاءه العلمي والثقافي .. فاذا لم يكن مؤمنا , ولا مثقفا ولا امينا ولا عالما .. فاي فائدة ترتجى منه .. يقول احد الوزراء في دول الخليج ألاحظ ان اغلب شبابنا هم الان عالة على الاقتصاد يأكلون ولا ينتجون الا ما يمكن تصريفه في مجاري المياه الثقيلة .. فأي امة هذه ..

قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) عوامل القوة هي كل عمل يقدمه الانسان لامته من خلال عمله ان يكون خالصا لوجه الله ويكون فيه نتائج بينه في الامة .يقول النبي (ص) (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ .).

**نتائج الذلِّ المذموم على الامة وهل يسبب الذل انقسام الأمة . من اخطر القضايا التي تضعف الامة وتذلها هي البدعة .. فما هي البدعة ..؟

مفهوم البدعة وشروطها :.البدعة هي : « إدخال ما ليس من الدين في الدين » وبهذا يكون مفهوم البدعة متقوّماً بأمرين هما : ـــــــــ 1 ـ الاختصاص بالأمور الشرعيّة.

٢ ـ عدم وجود دليل شرعي على الأمر الحادث من الدين.

أوّلاً : فيما يخص الاختصاص بالأُمور الشرعيّة ومن ليس له اختصاص بالأُمور الشرعيّة فيدخل زيادة أو نقصاناً ،على ان لا يتعدّى ذلك إلى العادات المتغيّرة ، بالمباحات والأعراف (ما دامت لا تُعد جزءً من الشريعة) على سبيل المثال: استعمال للأجهزة المتطوّرة الآن في الكتابة كجهاز الحاسوب أو غيره من أجهزة الكتابة بعد أن كان يستخدم الدواة والقلم لا يُعدّ « بدعة » وكذلك الأمر الآن في ركوب السيّارات والطائرات بعد ركوب الدوابّ ،وهندسة البيوت , وغير ذلك.لانه اختلفت طريقة تعامل الإنسان مع الأشياء بناءً على التطوّر الحاصل في جميع مرافق الحياة ، كتدوين الحديث ، وتصنيفه ، وتبويبه.والاستماع إلى القرآن ، وتشييد الأماكن المقدّسة ،والحسينيات والجوامع .بمّا يلبي حاجة الناس في زماننا المعاصر.

** هذه الأُمور كلّها لا علاقة لها بالابتداع ، وإنْ كانت أُموراً حادثةً وغير موجودة في عصر التشريع الأوّل ؛ لأنّها ممّا تركت لإختيار الإنسان وذوقه في إنتخاب ما يناسب اُسلوبه في الحياة ومرتبطة بطريقته في التعامل مع الأشياء وبقدرته على تسخير الطاقات الكامنة في هذا الوجود وتطويعها لخدمته.

لذلك فشل الوهابيون في توسيع معنى « البدعة » إلى مستوى كلَّ أمرٍ جديد لم يكن في زمن الرسول(ص)لان هذا تحجر وقصور عن فهم الدين والسُنّة النبويّة إلى الاعتقاد أنّ كلّ أمرٍ لا بدَّ أن يأتي فيه نصّ يشير إليه بشكل صريح ، وأنّ كلّ ما لم يرد بشأنه دليل شرعي خاصّ فإنّه يندرج في قائمة البدعة .انقسم الناس إلى فريقين : الأوّل محافظ ، والآخر : مجدّد ، وكان أتباع الفريق المحافظ أوّل الأمر الحنابلة يمثلهم الآن الوهابيّون، يقولون يجب على المؤمن أن يأخذ « إباتّباع السُنّة »ويرفض الابتداع ، وفريق آخر يقبل بتغيّر البيئة والأحوال .هذا اللون من الفهم المغلوط والتفكير هو الانغلاق الكامل عن الحياة ،لذلك قيادتهم في صراعات كبرى مقابل الصناعات الجديدة كالطيارة والقطار والسيارة .حيث انها بدعة عندهم عندهم ولكن يتناولونها ,رغم انها لم تكن في زمن النبي(ص) .

لنقف على الفهم المغلوط للبدعة ، هناك جملة من الحوادث وروايات لرجال فهموا البدعة على أنّها كلّ أمر حادث لم يكن في عهد الرسول(ص) منها جاء عن أبي نعيم رواية محمّد بن أسلم أنّه وُلد له ولد ،فارسل على شخص قال : اشترِ لي كبشين وأعطاني عشرة أدراهم وقال لي : اشتر بها دقيقاً واخبزه ! قال : فنخلت الدقيق وخبزته ، ثمّ جئت به ، فقال : نخلت هذا ؟!فرفضه وأعطاني عشرة أُخرى ، وقال اشترِ به دقيقاً ولا تنخله واخبزه ! فخبزته وحملته إليه ، فقال لي : اعلم إن العقيقة سُنّة ، ونخل الدقيق بدعة ! ولا أُحبّ أن يكون ذلك الخبز في بيتي لأنه بدعة. هذه صورة الفكر حين يكون ذليلا ..

وروي عن أبي مصعب صاحب مالك أنّه قال : قدم علينا رجل في المدينة ـ فصلّى ووضَعَ رداءه أمام الصف ، فلمّا سلَّم الإمام رمقه الناس بأبصارهم فقال الإمام : من هنا من الحرس ؟ فجاءه شخصان ، فقال : خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه ! فحُبس ، فقيل له : إنّه ضيف فأرسل إليه وقال له : أما خفتَ الله حين وضعت ثوبكَ أمام الصف وشغلت المصلّين بالنظر إليه ، وأحدثت في مسجدنا شيئاً ما كنا نعرفه ، وقد قال النبي (ص):« من أحدث في مسجدنا حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »فبكى الضيف ، وآلي على نفسه أن لا يفعل ذلك أبداً في مسجد النبي(ص) ولا في غيره.. أي امة ذليلة بلا علم ..؟.

قال : ابن الحاج : منع علماؤنا استعمال المراوح ،في المساجد لانها بدعة .. بل إنّ المصافحة بعد الصلاة بدعة ،من هذه الأمثلة تتضح معالم الفهم الخاطئ للبدعة ، لأنّها ناشئ من الاعتقاد بأن كلّ أمر حادث لم يكن موجوداً في عصر الرسول (ص) ولم يرد بخصوصه نصٌّ بذكره ، فهو داخل في دائرة الابتداع.من هنا صار نخلُ الدقيق وتنقيته من الشوائب من البدع في الدين ، وكذلك وضع الرداء أمام المصلين في الصلاة من البدع !! ويلحق بذلك عند المصافحة بعد الصلاة ، واستخدام المراوح في المساجد أيضاً ، فهذه وأمثالها عندهم كلّها بدع.

**هذه النظريّة الشاذّة الغريبة اعتمدت حسب ما يبدو على روايات وردت في فضل أصحاب النبي(ص) فقد روى البخاري عن عمران بن الحصين ، يقول : قال رسول الله(ص) .”خير أُمّتي قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم ، قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنين أو ثلاث..

** ذم الذل في القرآن الكريم : قال ابن كثير معنى : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي: وضعت عليهم التزموا بها شرعًا كان هذا الذل من الشريعة . الان بعض الدول التي تاخذ من القران والحديث من اهل البيت (ع) يرون ان حياتهم مهما تلونت بالمتاعب , الا انها في تلك المتاعب يشعر الانسان انه عزيز له راي وارادة ..

فاصبحت دول المسلمين ذليلة بعد عز كان الاسلام يبينه لهم , فبدلوا نعمة الله , وبدلا من كانوا ياخذون الجزية من الاقليات في بلدانهم .. اصبحوا اليوم يدفعون الجزية كي يبقوا في بلدانهم .. هذه هي الذلة التيس لا يرضى بها الاسلام ,

قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } قال ابن كثير: لا يزالون مستذلين، يتمسكون بمن استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون.

*** هل هناك اشارات في القران تمنع الذلة في الحياة …؟

لا يمكن نكران ان الغرب يخطط وينفذ تعاليمه ضمن منظومة الصراع بين الاديان والانظمة والمجتمعات .. يسمونه الان صراع الحضارات .. فهل يمتلك القران نظرية تقف بوجه التيارات الاعلامية التي اكتسحت مجتمعنا وفرقتنا وذلتنا في بلداننا ؟.

**(أهم عامل للوقوف أمام هذا التيار هو تهيئة جيل عارف بحقيقة وثقافة الإسلام)، (يتم هذا بالتوجيه في التوعية بالمنبر والتلفزيون والراديو) ثم تاتي بعدها ,الرعاية في البيت والأسرة .. هذه الرعاية تتحدد بالاب والام , لان الشارع والقنوات الفضائية تنتزع من بين يديك ابناءك , تدخل الاجواء المحيطة بالطفل في تربيته . وهنا يترتب على الابوين كثير من المسؤوليات .. اولها اللقمة الحلال .. والحرص على ان لا يسمع كلمة نابية داخل البيت .. ثم معاملة الطفل بكل احترام ليشعر بكيانه وذاته .

نقطة اخرى : المناهج الدراسية ووسائل الإعلام ..من اخطر وسائل التربية في حياة الطفل هو الاعلام المرئي والمسموع , الان النت دخل في تربية ابناءنا بشكل مؤثر بحيث الطفل ابن سنتين او اكثر يمتلك جهاز ايباد ويتابع افلام يراها ترسم وتحدد عقله .. .. هنا يستوجب ان تكون القيادات الاسلامية ان تقوم بدورها في الرعاية والتوجيه بما يؤدي بناء شخصية الطفل والشاب .واهمية العمل النافع، بما ينفعهم وينمي العقيدة في نفوسهم: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ولا ريب (أن الغفلة من أسباب نفاذ أعداء الإسلام إلى ديار الإسلام) بالثقافة والعلوم التي تباعد المسلمين عن دينهم شيئا فشيئا، وبذلك يكثر الشر بينهم ويتأثرون بأفكار أعدائهم، والله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بالصبر والمجاهدة في سبيله(بكل وسيلة)قال تعالى :” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا “. من هنا يتبين ان من كان مع الله كان الله معه ..وعندنا صورة حية حين وقف الحسين (ع) موقف عز امام السيل البشري يوم عاشورا.. استحكمت جميع الحلقات لقتله او يتنازل للطاغية يزيد.

فاطلق قولته المشهورة ( هيهات من الذلة ) كان يؤكد على ان يموت عزيزا .

وقال : الا واني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر ، ثم انشد أبيات فروة بن مسيك المرادي.. فان نهزم فهزامون قدما * وإن نهزم فغير مهزمينا *وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا *فقل للشامتين بنا افيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا* إذا ما الموت رفع عن أناس * بكلكله اناخ بآخرينا

** وضرب اصحابه اروع الامثلة في المواقف , فكان يحضر عندهم وينقلهم للمخيم ويقول .. ان قتلتهم كقتلة الانبياء ” اي بنفس الموقف الرجولي ..

ومنهم شاب قتل أبوه في المعركة وكانت معه أمه ، فقالت له أمه: اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج فقال الحسين: هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول: أميري حسين ونعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير علي وفاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير؟ له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير .. وقاتل حتى قتل وجز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (ع) فحملت أمه رأسه، وقالت: أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني، اسال الله الذي رزقك الجنة ان يرزقني .. ثم أخذت عمود خيمه، وحملت عليهم وهي تقول: أنا عجوز سيدي ضعيفة * خاوية بالية نحيفة أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة .. فأمر الحسين (ع) بصرفها ودعا لها.

لما نضرت زينب اليها .. نادت واجداه وا محمداه ..

شيخان والعوجة اعدلوها … وارواحهم كلهم فدوها

لريحانه الهادي ابذلوها … لكن يا حيف زينب ما احضروها

من يوم للطاغي خذوها .. وتسمع باذنها شتم ابوها

وينك يبو فاضل يخوها ..

جَرَتِ المدامعُ يوم شمرٍ شمّرا** عَن ساعديه ومَتن زينب كسراً ** صرخت ونادت والكفيلُ على الثرى** انعم جواباً يا حسينُ اما ترى**شمر الخنا بالسوط ألم أضلعي

فاجابها من فوق شاهقة القنا ** حسم القضاء بما جرى فاسترجعي …

الشيخ عبد الحافظ البغدادي