18 ديسمبر، 2024 9:42 م

مجلس حسيني ــــــ الغدير ومفهوم الإمامة في القران

مجلس حسيني ــــــ الغدير ومفهوم الإمامة في القران

يقتادني سكرُ الصَبابة والصبا *******ويصيحُ بي داعي الغرامِ فأسمعُ

يا أيها الوادي أجلّكَ وادياً *** وأعزّ إلاَ في حماك فأخضعُ

وأشم تُربَكَ صاغراً وأذل في **** تلكَ الرُبى وأنا الجَليدُ المصقع

قد قلت للبرقِ الذي شقّ الدُجى ***** فكأن زنجياً هنالكَ يُجدَعُ

يا برقُ إن جئتَ الغريَّ فقل لهُ: ** أتراكَ تعلمُ من بأرضِكَ مودعُ

فيكَ ابنُ عمران الكليمُ وبعدهُ *** عيسى يقفّيهِ وأحمدُ يتبعُ

بل فيكَ نورُ اللهِ جلَّ جلالهُ ** لذوي البصائرِ يستشفُ ويلمعُ

فيكَ الإمامُ المرتضى فيكَ الوصيُّ ** المجتبى فيكً البطينُ الأنزعُ

ومبددُ الأبطال حيث تألّبوا ** ومفرّقُ الأحزابِ حيثُ تجمّعوا

والله لولا حيد ما كانت الدنيا ***** ولا جمع البرية مجمع

بل انت في يوم القيامة حاكم في العالمين وشافع ومشفع

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة 3

يختلف المسلمون في تحديد الإمامة .. وكلنا نعلم ان فكر الشيعة يختلف مع الاخرين في تحديد الإمام , هذا الاختلاف عقائدي .لذلك لا تصحّ ان نتصور أننا نعتقد بالإمامة بشكل متساوي , هي أهم نقطة اختلاف بين المذاهب الإسلامية .. المذاهب يعتقدون بالإمامة إلا أن الاختلاف يقع في قضية عقائدية .. إنما الاختلاف بيننا في ( شروط الإمامة) لذلك يكون المدخل للموضوع هل تكون الإمامة بالنص كما هو عندنا ..؟ أم بالشورى كما هو عند المذاهب الإسلامية ..؟

أي هل يجب أن يُعيَّن الإمام من قِبل النبي(ص)، أم إن الأمة هي من تقوم بانتخابه؟ لأن ما تقول به الشيعة يجب ان يعين الإمام بالنص، هو غير ما يذهب إليه المذاهب الاخرى , التي تقول ان الامامة تقام بالشورى. اذن البحث يجب ان يكون في شيئين، طرف يقول بالنص وبالشورى.

لإن المسألة التي تطرحها الشيعة للإمامة, تضع من شروطها أن الإمام يجب أن ينصب من قِبل الله،كما هو الحال في النبوة. ويقولون لا يمكن للناس انتخاب نبيهم كذلك الحال مع الإمامة إذ لا مجال للقول أن الناس تجتمع وتنتخب مثل هذا الإمام.

اذن هذه العقيدة تحتاج الى أدلة من النبي (ص) والقران , لكي لا يبقي معتقد الشيعة في الإمامة محض فرضية، علينا أن نتلمّس هل أن النبي(ص) عيَّن شخصا لهذا المقام الرفيع ؟ وهل صرّح القرآن بذلك أم لا؟ او هي حوادث تاريخية كما هي في الشورى والانتخاب …يبدو ان الشيعة يستندون للآية الكريمة:{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا}.

ينطوي هذا النص على قسمين، يبدأ كل منهما بـكلمة “اليوم” وردت في آية واحدة، وليسا آيتين يرتبطان بفكرة واحدة …سأتعرض لمعنى الآية من خلال القرائن، بعد إشارات نبدؤها بكلمة”يوم” التي دخلت عليها…. في كلمة اليوم جاء حرف “أل” تسمى لام العهدية لتعني “ذلك اليوم”و”هذا اليوم”، …وحين تستخدم اللام بمعنى “ذلك اليوم” تكون اللام مسبوقة بذكر يوم معين، للإشارة إليه. ولكن في المعنى الثاني، عندما نقول:”دخل هذا الشخص اليوم” فالمراد هذا اليوم هذا لا ذاك ….والآية واضحة تشير الآية في قوله تعالى: “اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم.) هنا الإشارة إلى يأس الكفارعن المؤامرات . والسؤال:بأي معنى يئس أولئك من دينكم؟ المراد أنهم يئسوا من التفوق عليكم ومحق دينكم والقضاء عليه , لأنهم يغير كفوئين بعد هذا اليوم في مواجهتكم بذاك الأسلوب الذي كانوا يواجهون به الإسلام من قبل. كتجييش الجيوش , والحرب والتأمر ومنع الأموال .. انتهت قوتهم ، فلا تخشوهم… القران الكريم ينبه الى اشارة مهمة , هي:ان موسم الحروب انتهى , وقطع الطرق والحروب الاقتصادية انتهت , ولا تخشوهم .. ولكن الأمر العجيب الذي جاء بعد النص، هو قوله:”واخشون”. المراد أن هذا الدين لن يصيبه ضرر منهم بعد الآن، وإذا صادف وجود ضرر، فإن ذلك يكون مني انا ( أي من الله ) هذا يحتاج الى مراجعة لان ما بعد هذا النص ياتي نص ..(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي). لقد ذكر النص كلمتين متقاربتين إلى بعضهما في المفهوم هما:” الإكمال والإتمام “. فما هو الفرق بين الإكمال والإتمام ..؟

الفرق بين الكلمتين: أن الإتمام يطلق على شيء يكون بناءه ياتي بعضه على بعض ياتي وراءه ليتمه , يعني لا يوجد شيء ناقص من أجزاءه, لا يوجد نقص فيه .. مثلا لو اردنا بناء دار او عمارة , فاننا نعلم ان البناء يحتاج الى طابوق وسمنت وحديد ورمل وغيرها من المواد الانشائية .. فنقوم بجلب كل ما تحتاجه تلك البناية من مواد .. حد الاكتفاء ونتصورها كاملة فنقول تم جلب جميع المواد .. فهي تامة ومهيئة للعمل .. ولكن هل تمت وكملت العمارة او مجرد مواد مجموعة ومكدسة ..؟ نعم نحن اتممنا جلب كل ما تحتاج العمارة .. مجرد تمت المواد بدون نقص ..

رغم ان المواد والأبواب والنابيب والكهربائيات موجودة وتم جلبها .. ولكن لا يمكن ان يقال لها “تمت” حتى وان ابتدأ فيها العمل ووضعت الاسس , وتم بناء الهيكل والتقطيع ووضعت لها القواعد ورفعت الجدران والسقف، نقول عنها “تمت ” ولكنها غير كاملة ..لانها غير مستوفية جميع المستلزمات الضرورية التي تدخل في صلاحيتها للاستخدام. فعندما تكون جاهزة للسكن يقال لها”تمت” .. اذن كلمة الإكمال: تعني بلوغ الشيء إلى غاية حدوده في قدر معين سواء كان حسي او معنوي .. اما كلمة التكميل: تبين المعنى التام فيكمله، إذن( الكمال) أمر زائد على (التمام)..فالتمام فيه نقصان الأصل، اما الكمال يكون تلافي النقص بعد تمام الأصل. انظر الى كتاب الكليات لأبي البقاء الحسيني الكوفي، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة..

مثال آخر : الجنين في بطن أمه، في دورته في الخلقة يصل إلى حد التمام، تمت أجزاؤه واصبح له هيكل بشري, ولو ولد يكون طفلا تاما، ولكنه لا يكون إنسان كاملا، أي لا يتحلى بذلك النضج الذي يجب أن يتحلى به الإنسان.رغم انه تام الخلقة ..فعملية النضوج العقلي شيء يختلف تماما عن هيكلية الانسان التام .. الان شباب ورجال ونساء كبار ولكنهم غير كاملين , بسبب الجهل الذي يحيط عقله ,, ونحن نطلق على النبي (ص)والامام (ع) الانسان الكامل .. وياتي من بعدهم ممن اخذوا نسبة من الكمالات الروحية والتربوية .. وهذا فرق واضح نراه ونتلمسه من خلال الشارع ان الانسان يمكن ان يكون تام بخلقته .. ولكنه غير كامل بعقليته … اذن عملية النضج شيء يختلف عن الاتمام .. كونه يفتقر إلى جزء ناقص. وهذا الجزء هو الكمال …. لإن الاختلاف بين الكامل والتام هو , هو اختلاف بين (الكيف والنوع ) (ذكر صاحب الفروقات: الفرّق بينهما أن الإتمام لإزالة نواقص الأصل،وهو اتمام كل نقص فيه .. والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل.وقد عبر القران الكريم عن مناجاة موسى (ع) قال تعالى :(تلك عشرة كاملة) وهي كلمة بليغة أحسن من (تامة)، فإن التام من العدد قد عُلِم من عددها ، وإنما نفي احتمال نقصٍ في صفاته فقال عن الفترة عشرة كاملة .. ادت الى الكمال الفكري ..

**** نعود الى الاية المباركة : يقول القرآن الكريم (اليوم أكملت لكم دينكم) ومن جهةٍ أُخرى يقول: (وأتممت عليكم نعمتي) ثم يردف:(ورضيت لكم الإسلام دينا) أي: أضحى الإسلام اليوم، هو الإسلام الذي يريده الله. ومن الواضح أن ليس المراد أن الإسلام هو الإسلام السابق.. إنما المقصود هو: ان الإسلام قد تمَّ الى اليوم .. ومن خلال هذا اليوم بَلَغ حدّ الكمال، فإن مثل هذا

الإسلام هو الدين الإلهي الذي يرضى به الله تعالى ..الدين الذي يريده الله، هو هذا الإسلام التام الكامل.هذا هو مفهوم الآية لا أكثر وليس هناك اجتهادات يقول السيد الطباطبائي في الميزان : الإكمال والإتمام متقاربا المعنى. وقال الراغب: كمال الشيء حصول (الغاية والغرض منه.) وقال: تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه،..

وينتج مما تقدم أن قوله تعالى:(أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)يبين أن المراد بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرّعة كما نزلت على النبي(ص) … ولكن أضيف إليها اليوم شيء، جديد اطلق عليه القران كلمة نعمة ..والنعمة أيا ما كانت أمر معنوي .. كأنّه كان ناقصاً غير ذي أثر فتمّمَ وترتّب عليه الأثر اليوم ….أما ما يتعلق بكلمة(اليوم) فإن كل ما فيها ينصبّ على هذا السؤال: أي يوم هو المقصود؟ أي يوم هذا الذي بلغت أهميته هذا المبلغ، حتى يقول القرآن فيه: إنه اليوم الذي كمُل فيه الدين وتمت فيه النعمة الإلهية؟ من المؤكد أن هذا اليوم مهمّ جدّاً، بحيث يجب أن يكون قد احتضن واقعة استثنائية عظيمة وقعت فيه….

****هذه الواقعة ليست مرتبطة بالشيعة وحدهم أو بالسنّة وحدهم. لقد سُبِقَ النصُّ أحكام بلغت الغاية بالتشريع لها صلة بما يحرم أكله من لحوم الحيوان وما يحلّ. ففيما الآية تتحدث عن حكم الميتة والدم ولحم الخنزير وأنها محرّمة، وإذا بالنص يواجهنا فجأة بقوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). بعد هذا الاستطراد يعود النصّ مرّة ثانية إلى السياق الأوّل الذي كانت عليه الآية، فيذكر حكم المضطر (فمن اضطُرَّ في مخمصة غير متجانفٍ لإثم فإن الله غفور رحيم).

إن ترتيب النص جاء بصيغة، بحيث إذا رفعنا هذا القسم منها – الذي نتحدث فيه – نجد أن القسم الأول يتصل بالقسم الثاني من دون طروء أدنى خلل على السياق – كما هو عليه الحال في موردين أو ثلاثة أُخرى تكرّرت في القرآن …****ومثل ذلك تكرّر في آيات أخرى ذكرت محرّمات الطعام من دون الجزء المعترض هذا، كما هو الحال في سور (الأنعام) و(النحل) و(البقرة)، إذ نقرأ في (البقرة) مثلا (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله، فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه)..

***** نقطة مهمة بالاية … هي ما المراد باليوم؟.. لقد بذل المفسّرون من الفريقين جهودهم في معرفة المراد من “اليوم” الذي أشارت إليه الآية. ولذلك طريقان، الأول: أن نحدد المراد باليوم ونفهمه من القرائن أي من مضمون النص لنرى مع أي مضمون يتّسق، وما هو اليوم الذي يمكن أن يأتي فيه مثل هذا المضمون. أمّا الطريق الثاني فيتمثّل بالعودة إلى التاريخ والحديث كي نفهم منهما سبب نزول هذه الآية.***الجماعة التي اختارت النهج الأول ذكرت أنه لا عناية لها بما جاء بشأن نزول الآية ووقتها ومناسبتها، في التاريخ والسنّة والحديث، بل هي تكتفي بالنظر إلى المضمون. وفي النتيجة انتهت إلى أن الآية ناظرة إلى زمن البعثة، وبالتالي فإن المراد من”اليوم” هو ذلك اليوم، يوم البعثة، لا هذا اليوم (الذي نزلت فيه الآية).اختلافات النظريات :.. [اختلفت النظريات في المراد من “اليوم “، وسنشير إلى ثلاث منها، هي:]

1 – يوم البعثة : ذهب البعض إلى أن المراد من (اليوم)، هو “ذلك اليوم” لا “هذا اليوم” والسؤال: ما هي القرينة على ذلك؟ ذكروا أن الآية حين تقول”اليوم” ثم تصفه بأنه اليوم الذي رضي الله فيه الإسلام دينا لكم، فإن مقتضى القاعدة أن يكون المقصود منه هو يوم بعثة النبي، وبذلك تكون القرينة هي قوله تعالى:(رضيت لكم الإسلام دينا). ويمكن أن يكون هذا صحيحا لو لم تسبقها كلمات (رضيت لكم الإسلام دينا) لأن تلك الجمل قد تحدثت عن إكمال الدين وإتمام النعمة، والحال أن بداية هذه النعمة كانت مع أول أيام البعثة. أما قوله:(رضيت لكم الإسلام دينا) فقد جاء لبيان أن الإسلام الذي كمُل الآن وتمت نعمته، هو ذاك الإسلام المرضيّ.وبذا يتبين أن المراد بـ ( اليوم ) لا يمكن أن يكون يوم البعثة.

2 – يوم فتح مكة :.. من الوجوه التي احتملوها من دون أن تكون لهم عليها قرينة، هو أن يكون المراد يوم فتح مكة. فقد ذكروا – وصحيح ما ذكروه من – أن أحد الأيام العظيمة في تاريخ الإسلام هو يوم فتح مكة، حيث نزل قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} لقد كان لمكة في جزيرة العرب موقع روحي مهم. فبعد عام الفيل والاندحار العجيب الذي آل إليه أصحاب الفيل، انطوت جميع قبائل الجزيرة العربية على اعتقاد عظيم بالكعبة بصفتها معبداً مهمّاً… والحقيقة إن غرور قريش يكمن في هذه النقطة ، فقد سخّرت هذه القضية لصالحها، وأخذت تتحدث من خلالها عن موقعها وأهميتها والاحترام الذي تستحقّه، بحيث انتهت قصة أصحاب الفيل بذلك البلاء السماوي الذي أصاب جيشهم حتى لم يبق منهم أحد ‍‍, حتى انهم قالوا ان الله يقاتل نيابة عنهم ..واستحكم الغرور بقريش إثر هذه الواقعة، حتى تحول إلى نوع من التكبر الخاص فرضته على القبائل في الجزيرة العربية.

لذلك انتعش سوق مكة كثيراً، وأخذت قريش تملي ما تريد على الآخرين، وانصاع لها الناس بفعل البعد النفسي والإعتقادي الذي أخذوا يشعرون به نحو الكعبة. منذ ذلك الوقت وشعور وُلِدَ عند اهل مكة باستحالة أن يُسيطر أحدهم عليهم وعلى الكعبة ويهيمن عليها. وحصل أن النبي الأكرم فتح مكّة بدون إراقة دماء، وبدون مشاقّ، وبلا أن يلحق أحدهم أدنى ضرر. وربما أخذ النبي في حسابه هذا الشعور( النفسي- العقيدي ) وهو يحرص على فتح مكّة بدون إراقة دماء. فلو قُتل من المسلمين في معركة أُخرى مئة أو أكثر لما قيل شيء، ولكن لو أصابهم في فتح مكّة أدنى ضرر، لقال من قال: أنظروا، قد نزل بمحمد وأصحابه ما نزل بأصحاب الفيل!

لقد سلك النبي نهجا في فتح مكّة لم يؤدّ إلى إراقة قطرة دمٍ واحدة , باستثناء ما صدر من خالد بن الوليد – بدافع الحقد الذي ينطوي عليه – عندما وصل لقوم في أطراف مكة فقتل جماعة بعد أن قاومه عددٌ منهم. وعندما وصل الخبر إلى النبي تبرّأ مما فعله خالد، وقال: اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ( هذه الواقعة جرت في خروج خالد بن الوليد إلى بني جذيمة والنبي لا يزال في مكة كان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية الفاكه بن المغيرة – ثم انتقم منهم يوم فتح مكة .

الذي يذكره الطبري وابن هشام أن جدالا وقع بين خالد وعبد الرحمن بن عوف الذي كان معه – إذ اتهم عبدالرحمن خالدا أنه قتل من بني جذيمة ثأراً لعمه.لما وصل الخبر إلى رسول الله (ص) رفع يديه إلى السماء، وقال اللهم إني ابرأ إليك مما صنع خالد ..كرر ذلك ثلاثا. ثم أرسل النبي الإمام علي بن أبي طالب(ع) فدفع إليهم دية القتلى وما أصيب من أموالهم.

لقد ترك فتح مكة أثرا نفسيا فائقا لدى قبائل الجزيرة العربية. فقد تبين لهم أن للقضية وضعا آخر، فها هو محمد (ص) قد جاء وفتح مكة ولم يصبه أذى. بعد هذه الواقعة أسلمت الجزيرة العربية، وجاء أهلها النبي وقد اختاروا الإسلام.بين أيدينا آية في القرآن، يقول فيها الله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}..المسلمون قبل الفتح كانوا قلة، وكانت أعمالهم تصدر عن إيمان كامل، أما بعد الفتح فصار الناس يختارون الإسلام تلقائيا. إن إيمان ما بعد الفتح، لا يساوي في قيمته إيمان ما قبل الفتح.اذن يوم فتح مكة، هو يوم نصر عظيم للإسلام، ولا اعتراض لنا على ذلك.

والآن نعود إلى من احتمل أن المقصود من قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} هو يوم فتح مكة، حيث لمسنا أنه ليس هناك دليل يثبت هذا الرأي، ولا من اللغة ولا من التاريخ.

بالإضافة إلى افتقار هذا الرأي لما يؤيده من قرينة وشاهد تاريخي، نجد أن صدر الآية لا يعين عليه، حيث قوله تعالى: (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) إذ المراد أنه لم يبق شيء إلا وذكرته، في حين(( نعرف أن الكثير من أحكام الإسلام وتعاليمه نزلت بعد فتح مكة.)) وهذا ما لا يتسق مع قوله:(أتممت عليكم نعمتي). فعندما يقول:(أتممتُ هذه البناية) فمن الثابت أن المراد لم يتركها على النصف.وهناك ادلة عديدة .. يقول جميع المفسرين انه نزلت كثير من الآيات بعد فتح مكة، منها سورة المائدة بتمامها، وهي سورة طويلة ضمت كثيرا من الأحكام والتعاليم، فكيف يتسق القول بأن هذا الجزء من السورة له صلة بفتح مكة الذي تم في السنة الثامنة للهجر، مع أن السورة نفسها نزلت في السنة العاشرة للهجرة.أما إن قلنا أن هذه الآية نزلت وحدها في يوم فتح مكة، فإن ذلك مما لا يتّسق مع إتمام النعمة أيضا. …ثم اعتراض آخر يَرِدُ على هذا الاحتمال، ينطلق هذه المرّة من قوله تعالى:(اليوم يئس الذين كفروا من دينكم). فهل كان الحال كذلك في يوم فتح مكّة؟ صحيح أن الفتح انطوى على اثر عظيم، ولكن هل يئس الكافرون من الدين في هذا اليوم كليّاً؟ بالتأكيد: لا.فقد جرت معارك بعد فتح مكة منها : معركة حُنين في شهر شوال، 8 هـ من نفس السنة اي بعد خمسة اشهر من نزول الاية ومعركة الطائف .. في السنة الثامنة اي بعد نزول الاية بتسعة اشهر .. ثم معركة تبوك في السنة اللاحقة في شهر رجب، 9 هـ .. هذا يبين ان هذا الراي غير دقيق ولا يصمد امام التاريخ ….

3 – يوم تبليغ أمير المؤمنين سورة براءة :.. من الأيام المهمة الأُخرى المحتمل كونه مراد الآية، يوم قراءة سورة (براءة) من قِبل الإمام أمير المؤمنين (ع) في منى، سنة (9) هجرية.لقد كان فتح مكّة فتحاً عسكرياً، عاد بنتائج مدهشة على صعيد تثبيت القدرة العسكرية، بل وحتى المعنوية للإسلام، ولكن مع ذلك، كان النبي يعيش مع الكفّار وفقا لشروط الصلح، فقد كان الصلح قائما بين الطرفين، وبمقتضاه كان للمشركين حق الطواف بالكعبة والمكوث في مكّة والاشتراك في الحجّ.

وقد حصل في إحدى السنوات، أن الحج مشتركاً، إذ حجَّ المسلمون وأدّوا مناسكهم وفقا لتعاليم الإسلام، وحجَّ المشركون وأدّوا مناسكهم وفقا لعقيدتهم.

• وفي السنة التاسعة للهجرة نزلت سورة براءة حيث ندَبَ النبي الإمام أمير المؤمنين لقراءتها في منى على مسمع من الناس، وبمقتضى هذه السورة لا يحقّ للمشركين بعد عامهم هذا أن يشاركوا بمراسم الحجّ، فالحج أضحى منسكاً خاصّاً بالمسلمين فقط.وقصّة ذلك معروفة، حيث بعث رسول الله (ص) أبا بكر بادئ الأمر أميراً على الحاج، وقد كان في الطريق حين نزلت ( براءة ).وقد اختلف المفسّرون فيما إذا كان أبو بكر قد أخذ معه (سورة براءة) من البداية، أم أنه ذهب بصفته أميرا على الحاج، من دونها. ولكن ما أتفق عليه الفريقان انها من فضائل الإمام أمير المؤمنين، حيث ان رسول الله (ص) بعث عليا(ع) على ناقته الخاصة [العضباء] بعد أن نزل عليه الوحي وأخبره: أن لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فأدرك الإمام أبا بكر في الطريق.كك ومما يُذكر في الواقعة أن النبي حين بعث بأبي بكر ثم أتبعه عليا على ناقته، كان أبو بكر في خيمة في بعض الطريق حسب رواية إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (ص) فخرج فزِعاً وهو يظنّه رسول الله، وإذا هو علي (ع)، فعرف أن أمرا مهمّاً قد حدث. عندها سأل الإمام، فأجابه: إنه أُنزِل عليه جبرائيل وابلغه ,أن لا يبلّغها إلا رجل منك… ما معنى كلمة منك , لانها تؤدي غرضا كبيرا .. يجب الرجوع الى اصل كلمة منك ونتصفح كتب تفسير معاني كلمات اللغة العربية .. فوجدت ان كلمة منك لها معاني عديدة منها :

كلِمَةُ منك عند النحاة هي لفظة لدَّالةُ على معنًى مفرد بالوضع ، وتكون: اِسْمٌ يَدُلُّ عَلَى مَوْصُوفٍ: او فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَالَةٍ أَوْ حَدَثٍ معين .. فاذا جاءت بصفة اسم .. تكون بمعناها الكلامُ المؤلَّفُ المطوَّل ، قصيدةً ، أَو خُطْبَةً ، أَو مقالةً ، أَو رسالة نقول جاءت الكلمة او الرسالة منك .. وتاخذ احيانا معنى اشمل وهي ((صَاحِبُ الكَلِمَةِ : أَي مَصْدَرُ القَرَارِ)) وممن لَهُ الكَلِمَةُ الأَخِيرَةُ: لَهُ القَوْلُ الفَصْلُ .. ويعبر عنها ب كَلِمَةُ الشَّرَفِ: خاصة اذا جاءت بصيغة وَعْدُ ، العَهْدُ الَّذِي يُحْتَرَمُ وَيَفِي بِهِ صَاحِبُهُ.. نقول كلمة منك هي عندنا عهد ووفاء … ومرة تاتي بعنوان من أعطى له الكلمةَ : سمَح له أن يتحدَّث ،.. فعلي سمحت له السماء ان يتحدث عن السماء ..

عرف ابو بكر بالامر فعاد إلى المدنية خائفا من أن يكون قد نزل فيه ما يُغضب النبي فقال: يا رسول الله، أاُنزل بيَّ شيء؟ فقال النبي: لا، ولكني أُمرِت أن أُبلّغها أنا أو رجلٌ مني.. ورد في المصادر الاسلامية المعتمدة : 1- السيرة النبوية، لابن هشام، ج4، ص190.2 – تاريخ اليعقوبي، ج2.3 – تفسير القمي، على بن إبراهيم،ج1،ص281 فما بعد.4 – فضائل الخمسة من الصحاح الستة،ج1.. قالوا : لما رجع أبو بكر إلى النبي، قال: يا رسول الله إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه، فلما توجهتُ إليه ردَدْتني عنه؟ فقال (ص): الأمين هبط إليَّ عن الله تعالى: أنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعليٌّ مني ولا يؤدّي عني إلا عليّ.

**** عند هذه النقطة، نشأ خلاف في الرأي، فالسنة تروي أن الإمام عليا قرأ (براءة) ومضى أبو بكر في سفره،لم ينقص من مهمّته التي أناطها به النبي إلا تبليغ (براءة)[أي بقيت له الإمارة على الحج] بيدَ أن الشيعة ومعها كثير من أهل السنة ذكروا عودة أبي بكر إلى المدينة . بودنا أن نشير لما أورده صاحب الميزان في بحثه الروائي بشأن الواقعة (حتى إذا ما التقى بالنبي سأله: يارسول الله، أنزل فيَّ شيء؟ فقال النبي: لا. يتبين مما مرّ، أن يوم تبليغ (براءة) كان يوما استثنائيا في حياة المسلمين. ففيه أُعلن أن الحرم يختص بالمسلمين وحدهم، ولا يحقّ للمشركين أن يشاركوا في الحجّ. وهذا الأذان جعل المشركين يفهمون أنه ليس بمقدورهم أن يظلوا على شركهم، فالإسلام يتعايش مع أديان كاليهودية والنصرانية والمجوسية، بيدِ أنه لا يتحمّل الشرك ولا يتعايش معه.وللأهمية التي يتحلّى بها هذا اليوم، ذكروا أنه قد يكون هو المراد من الآية.

الرد على هذا الرأي:هذا الاحتمال لا يتفق مع قوله (أتممت عليكم نعمتي) لأن كثير من الأحكام جاءت بعد هذا اليوم في حين أن اليوم الذي تعنيه الآية التي نحن يصددها، لابد أن يكون من الأيام الأواخر في حياة النبي حيث لم ينزل من السماء بعده حكم جديد..

*** رأي الشيعة :. للشيعة رأي يذهبون فيه إلى أن مضمون الآية يلتقي مع الشواهد التاريخية في تأييده. ولما كان المضمون والتاريخ يجتمعان في تأييد هذا الرأي، فأن البحث فيه يقع في قسمين، الأول: مضمون الآية، والثاني: الشواهد التاريخية.

1 – البُعد التاريخي :.. إذا أردنا أن نبحث في القسم الثاني، فأمامنا قضية تاريخية مفصلة جدا. لقد استندت أكثر الكتب التي دُوّنت بهذا الشأن – أكثر ما استندت – إلى البعد التاريخي والبعد الحديثي اللذين أثبتا أن آية (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا) نزلت في غدير خم.

وكتاب الغدير [(11) مجلدا] اضطلع بإثبات هذه الفكرة. وقد نهض المؤرخون بإثبات الواقعة، بالإضافة إلى كتب الحديث. فعندما نعود إلي (تاريخ اليعقوبي) (يعد تاريخ اليعقوبي من الكتب المتقنة جدا، حيث كتب أوائل القرن الهجري الثالث، بعد عهد المأمون وفي حدود عهد المتوكل فيما يبدو، وهذا الكتاب لا يقتصر على كونه مؤلفا تاريخيا وحديثيا وحسب.، الذي يُعد من اقدم الكتب في تاريخ الإسلام العام، وأكثرها اعتبارا عند الشيعة والسنة، نجده توفر على ذكر قصّة غدير خم (تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 112،دار صادر، بيروت ..والذي تذكره الرواية: أن النبي حين عودته إلى المدينة من مكة بعد حجة الوداع ( كانت حجة الوداع في آخر سنة من حياة النبي، قبل شهرين من وفاته، وقد وصل النبي إلى غدير خم في 18 ذي الحجة، أي قبل شهرين وعشرة أيام من وفاته، إذا كانت الوفاة – حسب الشيعة -في 28/ صفر [سنة 10 للهجرة ]، أو قبل شهرين وعشرين يوما منهما إذا كانت الوفاة – حسب أهل السنة- 12/ ربيع الأول)، صار إلى موقع بالقرب من الجحفة (الجحفة: هي ميقات أهل الشام، فالحاج الآتي عن طريق الشام الواقع في الشمال الغربي من مكة، يصل الجحفة بعد طيّ قليل من الطريق، والجحفة هي ميقات عيّنه النبي للوافدين إلى مكة عن هذا الطريق، وغدير خم منطقة قريبة من الجحفة، وهي بمنزلة مفترق طرق، حيث كان المسلمون يذهبون منها صوب مناطقهم، أهل المدينة إلى المدينة، والآخرون إلى مدنهم. ….مكان يقال له غدير خم، أوقف فيه القافلة وجمع المسلمين ليخطبهم (الآية المعنية نزلت هنا) وقد أمر بمنبر فعمل له من سروج الإبل، فعلاه وتحدث معهم، فكان مما قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يارسول الله.قال: فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه.

بعد أن أتم الرسول إبلاغه، نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)

إذا أردنا أن نبحث القضية من الزاوية التاريخية، فيجب علينا أن نستعرض كتب الشيعة والسنة واحداً واحداً، خصوصا كتب أهل السنّة التي نقلت الواقعة وذكرتها.وهذه الأمور بحثت في كتب من أمثال الغدير [والعبقات] وثم كتاب نشره قبل عدة سنوات شباب مؤسسة نشر الحقائق، فيه – تقريبا – زبدة الكلام في مسألة الغدير، فما يستدل به الشيعة من زاوية البعد التاريخي هو العودة إلى التاريخ لمعرفة “اليوم” المراد في قوله تعالى: :(اليوم أكملت لكم دينكم)، وعندها نجد أن ثمرة العودة إلى التاريخ ليس رواية أو روايتين، ولا حتى عشر روايات، بال هناك تواتر على أن الآية نزلت في يوم غدير خم، بعد أن نصّب النبي (ص) عليّاً (ع) خليفة له.ـــــــــــــــــــــ

2 – القرائن الموجودة في الآية : الآن نريد أن ننظر إلى الآية لنجد هل تنطوي على قرائن تؤيد ما أثبته التاريخ أم لا؟ تنص الآية على قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم)، وهذا النص نضمّها إلى آيات أخرى في القرآن تحذر المسلمين وتخوّفهم من أن الكفار في كيدٍ دائمٍ لهم ولدينهم، وهم يودون أن ترجعوا عن دينكم، وهذا التحذير القرآني شمل أهل الكتاب وغيرهم. يقول: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ}.

في ضوء ذلك، نجد أن الله – من جهة- يحذر المسلمين في آيات من القرآن، أن الكفار يطمعون باستئصال دينكم، ثم يأتي (جل اسمه) في هذه الآية ليذكر يأسهم من الإسلام، فقد انتهى نشاطهم المعادي لدينكم (فلا تخشوهم واخشون). فإذا ضعف دينكم بعدئذ أو استؤصل، او أصابكم أي شيء، فـ”اخشَونِ “.ماذا يعني هذا؟ هل إن الله عدوّ لدينه؟ كلا، وإنما هذه الآية تتحدث عن مفهوم عرضه القرآن في آيات كثيرة، وطرحه بصيغة أصل أساسي يشمل النعم التي أنعم بها على عباده. قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) .المراد أن الله لا يزيل نعمه عن الناس، إلا إذا أرادوا هم ذلك. وهذه الفكرة تعبير عن أصل أساسي في القرآن الكريم…

***** بمنتهى الصراحة {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}او ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.. في كل آية من الآيتين شيء لا تحويه الأخرى. فالثانية تقول: إن الله لا يسلب ما عند قوم حتى يسلبوا أنفسهم ما عندهم… هذه الآية عامة، بمعنى أن الله لا يسلب عن قوم نعمة فيهم ولا يبدلها عليهم نقمة إلا أن يتغيروا، ولا يزيل عن قوم نقمة فيهم – ليبدلها إلى نعمة – إلا إذا غيروا ما بأنفسهم.

إن القول أن مشيئة الله تجرى جزافا وعبثاً، وأن لا شيء يكون شرطا لشيء، هو أمر بخلاف الحكمة والكمال الذاتي والربوبية لله. إن غاية ما تقوله الآيات الراجعة إلى المشيئة، أن كل شيء بمشيئة الله. أما هذه الآية، فهي تقول إن مشيئة الله تجري على هذا النحو، ولها هذا القانون.

عند العودة إلى القرآن ، نجد أن هذه المسألة تعبر عن نفسها من خلال أصل أساسي يتسم بغاية المتانة والإحكام، ومفاد هذا الأصل هو: إذا شكرتكم نعمتي، أي إذا أخذتم منها على نحوٍ صحيح فسأبقيها، أما إذا كفرتم بها فسأسلبها عنكم. وبه يتضح معنى قوله تعالى:”اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون). فالمراد أن الكفار خارج المجتمع الإسلامي قد يئسوا من استئصال دينكم، وهم لا يعودون بعد الآن خطرا على العالم الإسلامي. والمطلوب إزاء ذلك “اخشَونِ ” أيْ خافوا من أنفسكم.

وكأن الخطاب: أيها المسلمون، إذا كان هناك خطرا بعد الآن فهو يتمثل بسوء صنيعكم مع نعمة الإسلام، إذ تكفرون بالنعم، ولا تستفيدون منها كما ينبغي، وعندئذ يجري عليكم قانون (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).ليس هناك بعد ذلك اليوم خطرا يهدّد المجتمع الإسلامي من الخارج، بل الخطر الذي يتهدّده هو من الداخل.

**** هذه الحادثة س حزب لإزالة الإمام من منصبه الذي رتبه الله فيه , فتم تاسيس حزب القرشي وتم لهم ذلك ..