18 ديسمبر، 2024 10:15 م

مجلس حسيني ــــــ البخل والآبدال في القرآن

مجلس حسيني ــــــ البخل والآبدال في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴿ محمد ٣٨﴾

فوائد معرفة أسباب النزول :

من الواضح، أنّ معرفة أسباب النزول تتمثل في: معرفة (المعنى ) لأنه لا بد ان نعرف معاني الكلمات التي تضمنتها الآية .فلا يمكن معرفة أهداف الآية دون الوقوف على معانيها (وسبب نزولها)”. (وهناك شانية للنزول) والشانية تختلف عن أسباب النزول .. يعني عندنا في القران أسباب النزول وشانية النزول.

سبب النزول لا بد من وجود حادثة . سبب في نزول سورة أو أية معينة .. آيات أخرى نزولها شأني .سأبين الفرق بين السبب والشانية .من خلال ملاحظتين هما:

1 ـ الآيات والسور التي لها سبب خاص في نزولها هن الآيات التي نزلت رداً على موارد معينة مثل: (وقوع حادثة مهمة وملفتة للنظر أو خطرة أو قبيحة. واخرى توجيه أسئلة إلى الرسول(ص) من قبل المسلمين. وغيرهم ثالثا : تعرض المسلمين إلى ظروف معينة تستلزم منهم إبداء موقف خاص إزاء تلك الظروف… يعني لا بد من وجود سبب معين لنزول الآية .سؤال المطروح أو حادثة تستلزم على المسلمين اتخاذه موقف معين .. فياتي الامر من السماء وتنزل اية معينة بالحادثة والسبب.

** ويمكن تصنيف السور والآيات الفاقدة لحوادث خاصة في النزول مثل :

اولا ” الآيات والسور التي تحكي تاريخ ووقائع الأمم الماضية مع أنه ينبغي الإشارة إلى بعض هذه الآيات نزلت إثر سؤال من المسلمين أو بسبب خاص آخر.

ثانيا: الآيات والسور التي تحكي أخبار الغيب وتصوير عالم البرزخ والجنة والنار وأحوال يوم القيامة وما يتعلق بأحوال أهل الجنة وأهل النار وأمثال تلك من التي لا يمكن العثور على سبب خاص في نزولها.

** اما الايات والسور التي نزلت بعنوان ( شان عام ونسميها شانية) فهي نازلة بغير سبب وتسمى شانية .. مثل سورة الفاتحة . الله يصف ذاته المقدسة . وسورة الانشراح سورة تتحدث عن شخصية النبي (ص) وتبين منة الله عليه .

هذه السورة نزلت بدون حادثة .. يمكن ملاحظة الفرق بين النوعين…النوع الأول يأخذ غالبا الأحكام الشرعية . والنوع الثاني تأخذ شكل ثقافة الإسلام والعقيدة . اليك جانب اخر وحكم شرعي ( قد سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ).. سبب نزول الاية وكيف أخذت حكما .. جاءت امرأة إلى رسول الله(ص) وعلامات الخوف تعلو وجهها. لان بيتها وأسرتها مهدد بالانهيار والضياع والتشرد ،من جراء كلمة , غضب قالها زوجها ، تنهي حياة الزوجية .

(قال لها: أنتي علي كظهر أمي) جاءت إلى رسول الله(ص) وهي خولة بنت ثعلبة لتجد حلاً لمشكلتها ، فأنزل الله سورة كاملة بحقها ، هي سورة المجادلة ،(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا .. وجاءت فيها أحكام إلغاء أحكام جاهلية , ورتب على من يقول تلك الكلمة أحكام جديدة.

** بينما سورة الإسراء: قضية عقائدية ليس لها علاقة باحكام شرعية ..” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” بل لو تلاحظ اغلب الآيات التي تبدأ بكلمة سبحان ليس لها علاقة بالأحكام ولا الحدود .. يعني آيات شان .

** فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * السبحانية هنا تنزيه للخالق وان المرجع اليه فقط .. إليه ترجع العباد يوم القيامة ، فيجازي كل عامل بعمله ، وهو العادل المتفضل ….وقوله ” سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ” هذه من نعم الله تعالى على البشر ان سخر له كل شيء في الكون لخدمته. سواء من الحيوانات او المواد الاولية للصناعات ليتنقل بها . هذه ثقافة وليس حكم.

** حين نعرف سبب النزول :فيمن نزلت على وجه التعيين , حتى يتم ربطها بالحوادث, لان بعض الآيات تأخذ حكم عام وأخرى خاص, تأخذ حكم بالحوادث فقط وأخرى حكم عام يبقى مدى الدهر ..

تعريف أسباب النزول : هناك حوادث وقعت في زمن النبي (ص)ومواقف كانت سببا نزلت بعض آيات القرآن من أجلها.هذه يعبر عنها ب‍ “أسباب التنزيل”ويعتبر العلم بها من علوم القرآن..

** أما شان النزول : الشأن ( نسميها شؤون ) وهي معالجة أمراً في زمن الرسول (ص) فالحديث في قصص الماضين يعتبر شأناً وليس سبباً – لنزول الآيات لانها قامت بعلاج معين،في وقتها ..من أجل ذلك قيل: ليس نزول جميع الآيات القران سبب بل هناك شان خاص نزلت به الآيات والسور التي لها نزول وسبب خاص ..

قوله تعالى: {ومن الناس من يقول أمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} هذه ثقافة النفاق في المجتمع ولا تخص حكم معين ..عن علي بن ابراهيم: انها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول اللّه (ص) الإسلام، فكانوا إذا رأوا الكفّار، قالوا: إنّا معكم، وإذا لقوا المؤمنين قالوا: نحن مؤمنين ..يقولون للكفّار: (إنّا معكم إنما نحن مستهزئون)ردّ اللّه عليهم: (اللّه يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).

عن الباقر (ع): (انها نزلت في ثلاثة ـ لما قام النبي (ص) بالولاية لأمير المؤمنين (ع) ـ أظهروا الايمان والرضا بذلك، فلما خَلَوا بأعداء أمير المؤمنين (ع) (قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) فهي ثقافة تصلح لكل زمان مع النفاق .

** الاية الكريمة التي ايدينا من ايات الشان ..** وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ*.

**ــــــــــــ**** عندنا شيء مشابه جدير بالانتباه .. هو الفتاوى التي يطلقها الفقهاء .. هذه الفتاوى تنقسم الى قسمين . فتاوى شرعية وفتاوى سياسية , وهي عند الفريقين , حين يرى الفقيه مصلحة كبيرة للاسلام في موقف سياسي .. يصدر رايه فيه , ولكن الفتوى السياسية تختلف عن الفتوى الشرعية بانها يمكن ان يتراجع الفقيه بعد انتفاء سبب الفتوى .

مثلا : الفتوى الشرعية : الخمر حرام .. السرقة , القتل بدون حق .. لا يمكن ان يغير الفقيه أي حكم فيه نص من الله , نعم هناك حالا خاصة ينقلب الحكم الابتدائي إلى حكم ثانوي .. مع العلم ان الأحكام في الإسلام ثلاثة .. حكم ابتدائي أولي .. وحكم ثانوي .. وحكم ولائي .. يسمى بالولاية وهو لمن يؤمن بولاية الفقيه ..

هناك فتاوى ليس فيها نصوص ولكن الظروف استوجبت وكان لها نتائج كبيرة لمصلحة الإسلام .. مثلا فتوى التنباك . ثورة التبغ التي هزت عرش الشاه في إيران) السبب في سنة 1890 وقع الشاه ناصر الدين اتفاقا يمنح تجارة التبغ لشركة بريطانية يرأسها مقرب من رئيس الوزراء البريطاني ذلك الوقت. غير ان زعيم الحوزة الشيعية ميرزا محمد حسن الشيرازي ، الذي كان يسكن سامراء , بعث رسالة إلى الشاه يعترض فيها على الاتفاقية، لأنها ستؤدي إلى إضعاف الدولة. وتكررت الرسائل دون أن يهتم بها الشاه، فأصدر الشيرازي فتواه الشهيرة التي حرم فيها التنباك، معتبرا التدخين واستخدام مشتقات التبغ بحكم محاربة الإمام المهدي.واستجاب الإيرانيون للفتوى فتوقفوا عن استعمال التبغ وحطموا الأراجيل، وبلغ الأمر إلى حد أن زوجات الشاه وخدمه توقفوا عن التدخين.

وتصاعد الوضع إلى حد قيام قوات الشاه بإطلاق النار على المتظاهرين فلقي 7 منهم مصرعهم وعلى إثر ذلك اضطر الشاه لإلغاء امتياز الشركة الانجليزية .هذه الفتوى بينت قوة تنامي كلمة الفقهاء في الوسط الشيعي .. فلو لم يلتزم الشيعة بالفتوى تحدث كارثة لانهم لا يقدرون كلمة الفقيه ..

مثل . في عام 1969 م، وفي إطار عدائها للإسلام، حاولت زمرة البعث الحاقدة توجيه ضربة لمرجعية السيد محسن الحكيم (قدس) من خلال توجيه تهمة التجسس لنجله السيد مهدي الحكيم، فكان للسيد الشهيد الصدر موقف في دعم المرجعية من جانب، وفضح السلطة من جانب آخر، فأخذ ينسق مع السيد الحكيم لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، في صحن الامام امير المؤمنين(ع) ليبين قوة المرجعية وتغلغلها في الوسط الشيعي .. واصدر فتوى حرمة الانتماء لحزب البعث ..

ثم سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة هناك دفاعاً عن المرجعية، حيث قام بإلقاء خطاب استنكر فيه ما يجري على المرجعية في العراق، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي ألصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت. ولكن اغلب الشيعة لم يعيروا اهمية للفتوى . فحدثت كوارث عليهم حرب واعدامات وغيرها.

وصدرت كثير من الفتاوى غايتها اضعاف نظام الحكم في العراق زمن الطاغية . كحرمة الزواج في فنادق خمسة نجوم وغيرها من الفتاوى واشهرها فتوة الجهاد الكفائي للسيد علي السيستاني , ولو لم يهب الشيعة لكان هناك حديث آخر .

**// بعد هذه الجولة من التوضيحات نعود الى الاية المباركة .. تقول الاية :”( وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) هنا مبدأ عقائدي واضح في متون النص القراني ..

** ما هو البخل؟ : يُعرف الإنسان بوجدانه وعطاءه .. لان العطاء في كل الصفات الحميدة ( هي أحد الخصال الإنسانيّة التي ميّزت بني آدم عن غيرهم) وحقيقة ان العطاء من اهم الخصال التي اودعها الله للتواصل ( اما اذا كان التواصل بدون عطاء يسمى ” حلو اللسان قليل الاحسان ” واحيالنا تريد تواصل شخص فيبتعد عند تقول له :” خلي نشوفك ما نريد منك شيْ” لان الإنسان يختلف عن اغلب الحيوانات بالتواصل والعطاء .. وعندما يتوقف الإنسان عن العطاء يتحول عنوانه الى معنى اخر يسمى بخيل .هذا يعني أنّ الرّحمة فُقدت من قلبه وأصبح خارج نطاق الإنسانيّة.

**بالطّبع لا يُعرف البخيل من موقف أو موقفين، بل هو سيرة عامّة في شخصيّته. فليس كلّ من منع بخيل، لكنّ البخل هو المنع حين لا يكون مبرّر للمنع . وهو ضدّ السّخاء، كما جاء في حديث جنود العقل : “والسّخاء وضدّه البخل”. والعطاء حالة تتوسط بين البخل والإسراف .!! .

** من أين ينشأ البخل؟ : البخل يأتي للإنسان عن طريقين . أما عن طريق الوراثة . او عن طريق الشهوة النفسية .. في الوراثة .. يقول الأمام علي(ع) :اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق”، اذن البخل كثيرا ما ياتي عن طريق الميراث.

ثانيا : قوّة الشّهوة النفسية : قوة الشهوة تأتي من خلال الحرص الزائد . وضعف اليقين بالله , فيتصور الانسان اذا اعطى دينارا ستنقص ماليته ويجوع .

قال في احدى خطبه .. “عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ .وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ . فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ.وَيُحَاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسَابَ الأغْنِيَاءِ

** في هذه اللوحة : كلمات مولى الموحدين ، وهو يصف بشر لئيم من الناس , وهم البخلاء يصفهم بسوء الأخلاق,لان البخل منهي عنه في شرع الله ومحرم في دين الله ، وإنه يعد من أرذل الأخلاق ، بعكس من يبادر الى المعونة ويحس بالأم الناس وحوائجهم . قال تعالى: (الـذيـن يـبـخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله, واعتدنا للكافرين عذابا مهينا) .. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ( ع): “اعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِكُم‏” اذن البخل حسب مفهوم اهل البيت(ع) من الخصال المذمومة فهو : يدخل في كثير من الأعمال فيفسدها ، ويؤخر خيرها أو يمنع برها ، وأتعس منه الشح الذي يمنع غيره من البذل ، واجمل أخلاق المؤمنين : هو الكرم والجود ،وهو من الإنفاق في سبيل الله واجبا كان أو مستحبا ،ليس فقط الصدقة ، بل مطلق الجود والكرم للفقراء والمساكين ومن له حق علينا ……………. ما هو سبب الشح والبخل ..؟

** بداية سبب البخل هو الجهل وعدم التوكل على الله .. والجهل يعمل حجاب على العقل ويكون الامر الناهي .. يسميه العرفاء ( جنود العقل) يعني القوة التنفيذية . هذه القوة تؤدي الى حجب الفطرة .. واذا حجبت الفطرة يقل التوجه والتوكل على الله . فيخاف الانسان من الفقر فيتحول الى الشح والبخل ..ويكون في عقليته توجهات قبيحة مثل البخل والطمع” .فيرمي نفسه في أحضان الطمع وتنتهي كرامته..وعندما تقوى الشّهوة في النّفس يزداد تعلّق الإنسان بالدّنيا (حتّى لو كانت حقيرة ووضيعة)،

ويزداد حرصه عليها فيشتدّ ولعه وتمسّكه بها، وعندئذٍ تصبح هذه الأشياء جزءًا أساسيًّا في نفسه. فإذا طُلب منه عطاء كان كمن يُسلخ عنه جلده ولحمه وعظامه.

** عندما تجالس البخيل تراه يشكو دومًا من قلّة الموارد المادية ويتناسى نعم الله تعالى , يشكو الله اليك بانه نساه ولم يرزقه كفلان وفلان ..وبالعكس هناك من الفقراء ممن امتلآ قلبه بنور الله .يقول علي(ع): “من أيقن بالخلف، جاد بالعطيّة.هثل هؤلاء حذّرنا من عشرتهم ومصاحبتهم قال(ع): “وَلَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَيَعِدُكَ الْفَقْر” ..مثل هؤلاء تشير الاية لهم انهم بلا خير ولا فائدة .فلا يوجد اولياء لله من اهل البخل وجمع المال . كل الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فيهم نص قراني واضح . فلا بد من وجود أبدال ..

عن الصادق(ع) : قال كان نوح (ع)يقول إذا أصبح وأمسى اللهم انى أشهدك أن ما أصبح وأمسى بي من نعمة وعافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك الحمد ولك الشكر حتى ترضى وبعد الرضا … فمن قالها إذا أصبح أمسى عشرا سمى عبدا شكورا وان رسول الله(ص)كان يقول بعد صلاة الفجر اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال.ويتحدث النبي (ص) عن القلوب الكريمة فيقول : “لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْبُخْلُ فِي قَلْبِ امْرِئ‏” .

حين ترى ابناء المسلمين لا يعيرون اهمية للاخلاق والدين وتعاليمه .. فاعلم ان الشجرة اذا لم ترعاها في الصغر يمكن لاي انسان ان يقلعها, ولكن اذا ثبتت وقويت لا يمكن لعشرين شخص من اقلاعها . ولا يمكن لبخيل من تربية عائلة ثابته ومثمرة.

ـــــــــ ثم تقول الاية ..” وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ” فما معنى يستبدل قوما غيركم ..؟. بحث عن الابدال ؟

ورد في تراث المسلمين وجود أشخاص (باسم الابدال) وقد اختلفت الاراء حولهم وحول وظيفتهم وعددهم لكن يمكن الخروج بمعلومات عما ورد عنهم :

١- لايخلو منهم زمان ، فكلما رحل واحد منهم حل أخر في مكانه . فيكون معنى ذلك بديل .. اي يجعل المتأخر بدلا للمتقدم اذا رحل عن الدنيا .

2- يذكرون دائما في النصوص في مقام المدح والثناء . لأنهم يبذلون جهدا في حفظ الشريعة ويسعون لحفظ ثبات الناس عليها. هذا عند المذاهب …

*** ـــ *** اما الابدال عند الشيعة هم الأئمة الاثنا عشر صلوات الله عليهم .فقد رُوِيَ عن الرضا (ع) انه سأله شخص: إن الناس يزعمون أن في الأرض أبدالا ، فمن هؤلاء الأبدال ؟ فقال : ” صدقوا ، الأبدال الأوصياء ، جعلهم الله عَزَّ و جَلَّ في الأرض بَدَلَ الأنبياء ، إذ رفع الأنبياء و ختمهم بمحمد ( ص) ” .

قال العلامة المجلسي ( قدَّس) بعد ذكره للرواية : ظاهر الدعاء المروي عن الصادق(ع) في النصف من رجب ـ حيث قال ـ : ” اللهم صل على محمد و آل محمد ، و ارحم محمدا و آل محمد ، و بارك على محمد و آل محمد ، كما صليت وترحمت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على الأوصياء.أئمة الهدى ، اللهم صل على الأبدال والعباد و المخلصين و الزهاد الى اخر الدعاء ـ

بعض الاراء ذهبت الى انهم بعض خلص أصحاب الأئمة كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار .و في علم الرجال نجدُ أنَّ الشيخ الطوسي ( قدَّس) لدى ذكره لحجر بن عدي الكندي ، يقول : و كان من الأبدال .

الإبدال عند المذاهب ثلاثون او أربعون شخصا كانوا في زمن معاوية في الشام. وهم ممن حاربوا امير المؤمنين وكانوا مستشارين لمعاوية .!!!

من السنن الإلهية: تبيّن الآية سنة إلهية وقانوناً ثابتاً تحذيراً لكل الناس، مفاده أن المشروع الإلهي الذي حملته رسالة الإسلام العظيمة ماضٍ وسائر في طريق تحقيق الأهداف المرسومة له، وإنَّ تقاعسَ واعرض البعض مهما كثر عددهم- لا يعرقل هذه المسيرة الإلهية وإنما تُعرض الرسالة عليهم وتطلب النصرة منهم لطفاً بهم من الله تعالى وامتناناً عليهم ليحصلوا على شرف المشاركة وثواب العاملين في الدنيا والآخرة، فإذا أعرضوا عن هذا التكليف ولم يتحملوه فإنهم هم الخاسرون وسيوفق الله تعالى أقواماً غيرهم لينهضوا بهذه المسؤولية ويحصلوا على نتائجها المباركة.

***الخطابات القرآنية عامة لكل الأجيال والأزمان فلا يتصور أحد أن هذه الآية خاصة بالذين كانوا حول النبي (ص) وإنه تهديد لهم فقط، وإنما هي سنة إلهية عامة ثابتة (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) وقد أشارت عدة آيات قرآنية إلى السنة الإلهية ،قال تعالى (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً )..

*** لماذا التقاعس والارتماء في الإيديولوجيات الفاسدة؟

تركت الآية كلمة (تتولوا) بلا متعلقات وأسباب حتى تكون عامة لكل جيل .تكون مطلقة وسُنة جارية لكل من تولي واعرض سواء تعلق بأصول الدين أو فروعه أي مطلق طاعة الله تعالى. هناك من يعرض ويتولى عن أصول الدين لا يؤمن بالتوحيد ولا النبوة وإلا الإمامة ولا معاد ..يتجرد من العقيدة ..فيتبنى أفكاراً وأيديولوجيات مناهضة للدين ومشككة فيه بأي عنوان فيكون ملحدا أو كافرا.ونحو ذلك .

** النوع الثاني :من يؤمن نظرياً بالإسلام لكنه لا يقوم بالتزاماته مطلقا , وكأنه مسلم بالجنسية . فهو مجرد يتزوج يشرع الإسلام وحين يموت يدفن في مقابر المسلمين وما عدى هاتين الخصلتين فهو ألد أعداء الإسلام ..

لا شك أنّ من أكثر الموارد التي تظهر فيها العقيدة في الانسان .. هي طاعة من أمر الله تعالى بطاعته وهو النبي (ص) ومن بعده الأئمة المعصومون .ثم العلماء العاملون المخلصون النوّاب عن الإمام في غيبته ،ومن يتقاعس عن طاعتهم والالتزام بتوجيهاتهم فضلاً انه يشكّك فيهم ويفتري عليهم ويسقّطهم هذا لا يكون من قوله تعالى(ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ..

هذا الابتلاء مرّت به الأمم فشل أكثرهم وتولّوا واعرضوا فأصيبوا بأسوأ النتائج، كان دعاء أمير المؤمنين.. حينما خذله أصحابه وتقاعسوا وتفرقوا، (قال في سحرة اليوم الذي ضُرب فيه: ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيتُ من أمتك من الاعوجاج- الخصام-؟ فقال: ادع عليهم، فقلتُ: (اللهم أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً لهم مني).

*** نموذج تاريخي في وجدان الطف: وإذا أردنا أن نعرّج على كربلاء ونأخذ الشواهد منها، فهناك شخصان جرت عليهما سنة الاستبدال أحدهما: عبيد الله بن الحر الجعفي أحد الفرسان المعروفين بالفتك وهو معدود من شيعة أمير المؤمنين وله روايات عنه حسب رجال النجاشي-، التقاه الحسين(ع) في طريقه إلى كربلاء ودعاه إلى نصرته فامتنع عبيد الله عن الإجابة وقدّم للحسين فرسه وقال(هذه فرسي فاركبها فو الله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ أدركته ولا طلبني أحد إلا فتّته حتى تلتحق بمأمنك وأنا ضمين بعيالاتــك أؤديهــم إليــك)، فقــال الحسيــن (ع) (لا حاجــة لنــا فيــك ولا فــي فرســك، ومـــا كنـــت متخـــذ المضلّيــن عضداً).. هذا وأمثاله ضال مضل من يؤثر العافية على الحق .ثم نصحه الحسين (ع) بأن يغيّب وجهه ولا يشهد واعيته وقال (فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ثم لا يعيننا إلاّ كبّه الله على منخريه في النار). هذا المقال للحسين يحتاج الى بحث وافي ..من لم ينصرهم يكبه الله في النار.

ثانيهما: الحر الرياحي الذي كان قائداً كبيراً في جيش الأمويين وهو الذي قاد الكتيبة التي اعترضت الإمام الحسين (ع) في طريقه ومنعه من العودة إلى أهله ودياره ورافقته حتى نزل كربلاء لكنه في لحظة من لحظات التوفيق والألطاف الإلهية وقف وتأمل في مصيره وعاقبته وخيّر نفسه بين الدنيا وزخرفها التي كان يتمتع بها في ركاب بني أمية لكن عاقبتها النار، وبين القتال والشهادة بين يدي أبي عبد الله الحسين (ع) وختامها مسك والفوز والجنة ورضوان الله فقال كلمته التي نقلت عبر الأثير إلى كل الأجيال (لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت ً).

محل الشاهد ان هذا الموقف جعله في قافلة أعظم الشهداء الخلود لما ولاه عبيد الله بن زياد هو الحر ألرياحي فاز بصحبة الحسين والموت دونه .. بينما الاخر..مضت قافلة الحسين في طريقها، وبقي عبيد الله نادماً متحسراً على تفويت تلك الفرصة فالتحق بالمختار لأخذ الثأر ثم اختلف معه والتحق بمصعب ثم اختلف معه وقاتله.

وقد عبر عن ندمه يا لَكِ حسرةً ما دمتُ حياً**تَردُّد بين حلقي والتراقي** غداة حسين يطلبْ نصري**على أهل الضلالة والنفاق **غداة يقول لي بالقصر قولاً **أتتركنا وتزمع بالفراق**ولو أني أواسيه بنفسي**لنلت كرامة يوم التلاق **

فقد فاز الاولى نصروا حسيناً ***وخاب الآخرون إلى النفاق ..

فالشخصية القرآنية عامة شاملة لكل الأجيال ولكل الأزمان .. ولذا حين يحتدم الخطوب بالناس ييممون وجوهم نحو الامام المنتظر..

راعي الثار مايظهر علام****اوينشر لليتانونه علامه

نسه بمتون عماته علامه****ابضرب اسياط زجر اوجور اميه

ثم تقرا رواية الصادق(ع) في زيارة الامام المهدي لجده الحسين (ع)

ايده يمدها بالكبر ضنوة المبرور .. من صوب نحر حسين ولا دمومة تفور .. يطلع رضيعه اللي بالسهم منحور.. يطلع رضيعه اللي انذبح بالغاضرية ..

وتطلع الجثة بلا راس .. ويموج وادي كربلا من ضجة الناس .. ويمشي ابو صالح المهدي لكبر عباس .. يوكف على ذاك البطل حامي الشريعة ..

ومن الضريح يكوم حماي الوديعة … ويشاهدون الناس كفينه كطيعه .. وتزيد ضرب الروس وتزيد الفجيعة .. وتصير ضجة توصل السبعة العلية ..