20 ديسمبر، 2024 12:40 ص

مجلس النواب …. والعودة للوراء

مجلس النواب …. والعودة للوراء

كانت الحكومة العراقية الجمهورية منذ تأسيسها في عام 1958 مؤمنة بالفكر الاقتصادي الشمولي حيث بادرت إلى تأميم أهم شركات القطاع الخاص عام 1964 في عهد الرئيس الأسبق عبد السلام عارف ، ثم جاءت حكومة البعث (المحظور)عام 1968 معلنة بشكل رسمي عن اعتناقها الفكر الشمولي الاشتراكي ، ولغرض تمييز نهجها عن الفكر الشمولي الشيوعي فقد قامت بتأسيس ودعم شركات القطاع المختلط في محاولة بائسة لإعطاء صورة مشوهة عن إيمانها بالملكية الخاصة ودعمها للقطاع الخاص ، ولكنها في الواقع وضعت مادة في قانون الشركات تعطي السلطة المطلقة لممثلي الحكومة (القطاع الاشتراكي أنداك) في مجالس إدارات الشركات المختلطة تم تسميتها في حينها بمادة (الفيتو) وهذه المادة تمنع القطاع الخاص المساهم في تلك الشركات من تمرير أي قرار حتى لو كانت ملكيتهم أضعاف ملكية القطاع الاشتراكي ، وكانت هذه المادة تحمل الرقم 106 / ثانيا من قانون الشركات 36 لسنة 1983 والذي جاء في الأسباب الموجبة له (( أن مرحلة التحول الاشتراكي التي يمر بها القطر منذ انبثاق ثورة 17 ـ 30 تموز 1968 القومية الاشتراكية أوجدت منطلقات جديدة)).
وهذه ( المنطلقات ) بقت سائدة حتى عندما تم تعديل قانون الشركات بالقانون 21 لسنة 1997 حيث أصبحت مادة (الفيتو) بالرقم 114/ ثانيا.
لقد جعلت مادة (الفيتو) من مساهمة القطاع الخاص ودوره في اتخاذ القرارات دورا معدوما وغير ذي قيمة فالقرارات تتخذ من ممثلي الحكومة أو من الجهة القطاعية ( الوزارة التي ترتبط بها الشركة المختلطة ) وأصبحت بعض الشركات المختلطة وكرا لمنتسبي المخابرات والأمن واللجنة الأولمبية وأعضاء الحزب ، ويتذكر الجميع أن معظم الفنادق والمنشآت السياحية والشركات الزراعية والصناعية كانت مقرات للتجسس وكتابة التقارير كما كانت الحكومة تغدق الامتيازات على هذا النوع من الشركات لمنفعة المقربين من النظام وأزلامه ووسطائه من خلال الاستحواذ على منتجاتها وخدماتها المميزة أنداك ، وكانت الأغلبية تعلم بأن هذه الشركة أو ذاك الفندق أو تلك المنشآت السياحية تعود إلى اللجنة الأولمبية أو المخابرات أو المسؤول الفلاني أو الرفيق الفلاني .
وبعد أحداث التغيير عام 2003 تم إعادة النظر بقانون الشركات ، أصدر الحاكم المدني بريمر أمرا عام 2004 تضمن (146) مادة في أقسامه الثلاث، ومن ضمن هذه المواد تعليق العمل بمادة الفيتو .
واليوم، وبعد مرور أكثر من (13) سنة على التغيير، ووجود الدستور العراقي الذي يحترم ويؤكد على الملكية الخاصة، وملايين التصريحات من السياسيين بأن الدولة (سوف) تتجه نحو اقتصاد السوق ودعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات وشجب سياسات النظام السابق ووجود قانون تجريم أساليب ومناهج حزب البعث في السلطة الدكتاتورية والسيطرة على مفاصل المجتمع والدولة والاقتصاد ، بعد ذلك كله نجد أن مجلس النواب العراقي يناقش مشروع قانون لتعديل أمر سلطة الائتلاف ، وهذا المشروع لم يتضمن سوى إلغاء مادة واحدة فقط من مجموع (146) مادة ، وبموجب مشروع القانون سوف تتم إعادة العمل بمادة (الفيتو) سيئة الصيت ، وستصبح كل واحدة من الشركات المختلطة الصناعية والزراعية والخدمات والفنادق والمنشآت السياحية تابعة لهذا الحزب أو لتلك الجهة حسب تابعية الوزارات القطاعية والأحزاب التي تقف وراء مسؤوليها كما كانت سابقا ، ولكن الفارق الوحيد أن النظام السابق كان يغدق الأموال والامتيازات على الشركات لمنفعة أزلامه أما الآن فالدولة شبه مفلسة ولا تقدم شيئا لهذه الشركات التي سوف يكون مصيرها الخراب ، أما القطاع الخاص فليس أمامه سوى الدعاء الى الله عز وجل أن يعوض عليه أمواله الضائعة وأن يوقف التعسف والفساد عند هذا الحد وأن لا يمتد ذلك إلى الممتلكات الخاصة ، وأن كان ذلك مستحيلا فالفساد الذي ينشأ ويترعرع في أجهزة الدولة من دون رادع ثم يمتد إلى القطاع المختلط لن يقف عند حد .

أحدث المقالات

أحدث المقالات